ترسانة تتآكل وجنود مستنزفون.. معضلة أوكرانيا في صراع لا ينتهي

مع استمرار التقدم الروسي، يتزايد القلق في العواصم الغربية بشأن قدرة الجيش الأوكراني على الصمود.
قلق تفاقم، إثر تقارير متقاطعة من طرفي النزاع تحدثت من أن الوحدات القتالية الأوكرانية تعاني نقصا حادا في القوى البشرية، مما جعلها تعمل بأقل من نصف طاقتها القتالية، وفقا لمجلة «مليتري ووتش».
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرّح مطلع سبتمبر/أيلول بأن الوحدات الجاهزة للقتال في الجيش الأوكراني لا تضم سوى 47–48% من قوامها المفترض، مشيرا إلى أن كييف لا تحافظ على مواقعها إلا عبر إعادة نشر الألوية من جبهة إلى أخرى.
هذه الرواية الروسية وجدت صداها في شهادات ضباط أوكرانيين سابقين أكدوا أن بعض الألوية باتت تقاتل بثلث قوتها فقط.
شهادات تكشف حجم المأساة
يرسم بوغدان كروتيفيتش، الرئيس السابق لأركان اللواء الثاني عشر في الحرس الوطني الأوكراني، صورة قاتمة للوضع حين قال إن الألوية الأمامية تعمل بحدود 30% من قوامها القياسي.
ووفق اللوائح العسكرية، فإن هذه النسبة تجعلها غير مؤهلة لخوض معارك مستمرة، ومع ذلك تُجبر على شن هجمات والتمسك بالأرض.
وأضاف أن “القوات الاحتياطية” التي تعلن عنها الحكومة الأوكرانية ليست وحدات جديدة مدربة ومجهزة، بل مجرد تشكيلات منهكة يُعاد تدويرها من جبهة إلى أخرى. وحتى خيار التعبئة الشاملة لا يبدو حلا فعّالا، إذ يرى كروتيفيتش أن استدعاء 100 ألف مجند جديد لن يغير مسار المعركة إلا لأسابيع معدودة قبل أن يتكرر النزيف البشري.
خسائر غير مسبوقة
وتكشف وثائق عسكرية مسرّبة في أغسطس/آب عن حجم الخسائر الهائل الذي تكبدته أوكرانيا منذ اندلاع الحرب الشاملة في فبراير/شباط 2022.
وبحسب هذه الوثائق، فقد الجيش الأوكراني أكثر من 1.7 مليون جندي بين قتيل ومفقود، موزعين على النحو التالي: 118500 في عام 2022، و405400 في عام 2023، و595000 في عام 2024، إضافة إلى 621000 حتى منتصف 2025.
ويصف النائب الأوكراني أرتيم دميتروك الأرقام بـ«المروعة»، مشيرا إلى أن قوائم المفقودين وحدها تجاوزت المليون، وأن معظم هؤلاء في عداد الأموات، بينما تعيش عائلاتهم في حالة من الجهل التام بمصيرهم.
مجندون بلا تدريب
تتعمق المأساة أكثر عند النظر إلى أوضاع المجندين الجدد. فقد بلغت معدلات الوفيات في بعض وحدات التعبئة مستويات كارثية وصلت إلى 80–90%.
وكشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن كييف تلجأ إلى تجنيد رجال من القرى الفقيرة وإرسالهم إلى الجبهات بعد يومين فقط من التدريب، فيما يشبه الدفع بالمجندين نحو الموت المؤكد.
ويشير مراقبون غربيون على الأرض إلى أن متوسط العمر المتوقع للجندي الأوكراني في جبهات القتال عالية الكثافة لم يتجاوز أربع ساعات في بعض الحالات، وهو رقم صادم يعكس طبيعة الاستنزاف.
مجهود على المحك
الأزمة لا تتوقف عند البشر، بل تمتد إلى السلاح والذخيرة. فقد استُنزفت معظم الترسانة السوفيتية القديمة لدى أوكرانيا، فيما تواجه الدول الغربية المانحة صعوبات كبيرة في تعويض النقص بالمعدات والذخائر.
ورغم استمرار تدفق الدعم العسكري، إلا أن الهوة بين ما تحتاجه كييف وما يصلها على الأرض آخذة في الاتساع، ما يثير تساؤلات جدية حول استدامة المجهود الحربي الأوكراني على المدى الطويل.
وفي حال حدوث انهيار واسع النطاق على الجبهات الأمامية، قد يفتح ذلك الباب أمام الجيش الروسي لتسريع تقدمه بشكل غير مسبوق منذ اندلاع الحرب.
هذا الاحتمال يضع الغرب أمام معضلة استراتيجية صعبة بين مضاعفة دعمه العسكري لكييف بشكل غير محدود، أم البحث عن تسوية سياسية تُنهي حربًا استنزافية باتت بلا أفق واضح؟