تغلغل الجهات الخارجية في السودان.. سلاح جديد يشعل الحرب الأهلية ويهدد استقرار البلاد

مع قرب دخول الحرب لعامها الثاني، تزايدت الأزمات في السودان يومًا بعد يومٍ، خاصة مع الدعم الخارجي الذي يتلقاه الجيش السوداني لقتل المدنيين وتنفيذ المجازر في بعض البلدان، ما يثير مخاوف دولية واسعة بعد أن تعاني من نفس سيناريو سوريا ولبنان.
ومنذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش والدعم السريع حربًا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية. وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.
-
أم روابة تحت النار.. الجيش السوداني والإخوان في قفص الاتهام
-
اكتشاف جثامين في حاوية صدئة يثير الجدل حول جرائم الجيش السوداني والإخوان في ثورة ديسمبر
الدعم العسكري التركي
وفي ظل تلك الحرب تدخلت عدة دول لتقديم الدعم للجيش السوداني، منها تركيا، حيث قدمت دعمًا عسكريًا لقائده أو التدخل المباشر لحسم الحرب الدائرة هناك لتعزيز نفوذها في السودان من بوابة الدعم العسكري.
تزويد الجيش السوداني بالطائرات المسيرة، كان أبرز أشكال الدعم التركي، حيث إنه في ديسمبر الماضي، أفادت تقارير إعلامية، بأن الجيش السوداني حصل من أنقرة على مسيّرات من طراز “بيرقدار”، في تطور منح قوات الفريق عبدالفتاح البرهان تفوقًا جويا على قوات الدعم السريع.
وكشف وقتها مصدر من القوات المسلحة السودانية لموقعي “أخبار شمال أفريقيا” و”سوادن تريبون”، أن طائرات “بيرقدار” التركية دخلت الخدمة لأول مرة منذ شهر، مشيرًا أن “نشاطها يقتصر حاليًا على ولاية الخرطوم”.
-
استخدام الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية.. بين الاتهامات الدولية والدعم الخارجي
-
سجون الجيش السوداني والإخوان: انتهاكات مروعة بحق المعتقلين
وأوضح، أن الجيش السوداني تمكن مؤخرًا من تدمير 50 بالمئة من مدفعية قوات الدعم السريع بفضل اعتماده على طائرات البيرقدار التركية.
وتتمتع طائرات بيرقدار بقدرات فائقة، إذ يمكنها التحليق على ارتفاع يصل إلى 27,000 قدم وبوزن إقلاع أقصى يبلغ 650 كيلوغراما، وتعتبر طائرات بيرقدار التركية، التي تصنعها شركة بايكار، من أبرز الطائرات بدون طيار في العالم.
كما أن لديها القدرة على الطيران لمدة تصل إلى 27 ساعة وبسرعة قصوى تبلغ 240 كيلومترا في الساعة، ويمكنها حمل حمولة تقارب 1.5 طن.
وسبق أن أكدت وسائل إعلام سودانية وجود لقاءات بين ضباط من الجيش السوداني وبعض القيادات العسكرية في تركيا حول قضية المسيرات، حتى تم التوصل إلى صفقة حول هذا الموضوع بين الطرفين.
-
انتهاكات الجيش السوداني ضد المدنيين: جرائم حرب تُهدد مستقبل البلاد
-
من تدمير البنية التحتية إلى تهريب الأسلحة: قراءة في تزييف الجيش السوداني للحقائق
العلاقات بين تركيا والبرهان
وترتبط تركيا منذ سنوات طويلة بقيادات في الجيش عملت طويلا مع الرئيس السابق عمر البشير ولها ارتباط بالحركة الإسلامية والتيار الاخواني الذي كان مهيمنا على الحكم طيلة نحو ثلاثة عقود.
وكان رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان قد زار أنقرة في سبتمبر 2023 زيارة التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحثا عن دعم عسكري بعد تفاقم خسائر قواته وفقدانها السيطرة على العديد من المقارت الإستراتيجية التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع.
حينها اتفق البرهان وأردوغان على تفعيل اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات الأمن والدفاع والتصنيع والتدريب العسكري.
-
الجيش السوداني واستخدام الأسلحة الكيميائية: انتهاكات الحرب الأخيرة وأثرها الإنساني
-
مشاريع شندي ومتمة: كيف تستغل إيران البنية التحتية لدعم الجيش السوداني؟
كما أنها على علاقة وثيقة بالحركة الإسلامية التي تسعى من خلال دعمها لقيادة الجيش للعودة للمشهد السياسي بقوة وهي التي تضم شخصيات بارزة كانت على ارتباط بالنظام السابق قبل عزل الجيش للرئيس عمر البشير والسيطرة على الحكم كمخرج لأسوأ أزمة في أعقاب مظاهرات حاشدة عمت البلاد.
وتراهن تركيا على استغلال الصراع في السودان لتعزيز نفوذها في السودان بعد أن فتح لها الرئيس المعزول عمر البشير الطريق لذلك من بوابة التعان الاقتصادي والعسكري، من ذلك أنه فرّط لها في إدارة ميناء سواكن الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر.
وبعد سقوط نظام البشير كثفت أنقرة جهودها لحماية مصالحها واستثماراتها في البلاد التي تمثل بوابة هامة للمصالح الجيوسياسية التركية.
-
انتهاكات الجيش السوداني تثير الغضب.. حرق أطفال وإعدامات في الشوارع
-
تدفق الأسلحة إلى الجيش السوداني من مصادر خارجية.. ماذا يحدث؟
الأهداف التركية في السودان
وبدا الموقف التركي داعمًا بصورة مطلقة لقائد الجيش السوداني في صراعه مع قوات الدعم السريع ما أعاد إلى الأذهان تدخل أنقرة في الملف الليبي، وتأثير ما قدمته من دعم عسكري ولوجيستي لصالح حكومة الوفاق الوطني ضد قوات خليفة حفتر، الأمر الذي أعاق تقدمه؛ وهو ما أدى إلى توتر في علاقاتها مع أطراف عربية ودولية متعددة.
ولتركيا مصالح إستراتيجية في السودان، مرتبطة بالسودان نفسه، وبتواجدها في القارة الأفريقية، الذي تسعى لتوسيعه جغرافيا، وزيادة حجمه سياسيًا واقتصاديًا، فهي ومنذ البداية كان لها هدفًا أساسيًا من تطوير علاقاتها مع السودان، وهو أن تكون هي بوابة أنقرة تجاه أوروبا، وبوابتها الرئيسة في أفريقيا.
وأعاد لتركيا التوافق مع البرهان القدرة على ترسيخ أقدامها مرة أخرى هناك، والمضي قدمًا في تنفيذ الاتفاقات التي سبق وأن تم التوصل إليها، خصوصًا تلك المرتبطة بجزيرة سواكن التاريخية، حيث لدى تركيا رغبة في ترميم الآثار العثمانية الموجودة بها، وتأهيلها لإعادتها مجددا كميناء ملاحي تاريخي عسكري وتجاري.
إلى جانب ترجيح احتمالية عودة طرح فكرة إقامة قاعدة عسكرية تركية في سواكن لتعزيز الوجود التركي على البحر الأحمر في ظل اهتمام أنقرة بتطوير قدرات أسطولها البحري وصناعاتها الدفاعية البحرية.
-
تدفق الأسلحة الخارجية إلى الجيش السوداني: تصعيد في الصراع وتعاظم المخاوف على المدنيين
-
الجيش السوداني يقصف سوقا شعبيا ويخلف عشرات القتلى والجرحى
الدعم العسكري الإيراني
استغلت إيران الوضع في السودان، كونه يُعاني من العزلة الدولية والعقوبات المفروضة عليه بسبب الحرب الداخلية والانهيار السياسي، فسارعت بتقدم نفسها كحليف استراتيجي، كون ذلك بالنسبة لطهران فرصة للعودة إلى الساحة الإقليمية والدولية من بوابة السودان، وهو ما يُتيح لها تعزيز موقفها على المستوى الدولي، لاسيما في ظل التوترات التي تعيشها مع أمريكا وبعض الدول الغربية والإقليمية.
وكشفت تقارير متعددة عن قيام إيران بتزويد الجيش السوداني بأسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات مسيرة من طراز “مهاجر-6” ومحطات تحكم أرضية.
-
أنصار “البرهان” ثقتهم بالجيش السوداني.. الإخوان السبب
-
قتلى وجرحى في أحدث غارات الجيش السوداني على ثلاث مناطق بدارفور
ووفقًا لتقرير نشره “مرصد النزاعات” في أكتوبر 2024، نفذت طائرة الشحن الإيرانية EP-FAB تسع رحلات بين ديسمبر 2023 ويوليو 2024، محملة بأسلحة تم تسليمها عبر مطار بورتسودان الدولي.
بالإضافة إلى الدعم العسكري، أفادت وكالة “بلومبيرغ” في ديسمبر 2024 بأن إيران وروسيا أجرتا مفاوضات مع الجيش السوداني لإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان، وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز الوجود الاستراتيجي لطهران وموسكو في المنطقة، خاصة بعد تراجع نفوذهما في سوريا.
كما زوّدت إيران الجيش السوداني بطائرات بدون طيار متفجرة لاستخدامها في القتال، وعرضت حديثًا تقديم سفينة حربية قادرة على حمل مروحيات إذا منح السودان الإذن بإقامة القاعدة وهو ما جرى رفضه.
-
طيران الجيش السوداني يقصف مراكز إيواء النازحين في الفاشر
-
الإخوان والجيش السوداني: تأليف الأكاذيب وصناعة الإشاعات
تأثير الدعم الإيراني على الصراع السوداني
وأسهمت هذه الشحنات العسكرية في تعزيز قدرات الجيش السوداني، مما مكّنه من استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، ومع ذلك، أثار هذا الدعم قلقًا دوليًا، حيث دعت الولايات المتحدة جميع الدول إلى الامتناع عن التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراع في السودان.
في المقابل، اتهمت قوات الدعم السريع قائد الجيش السوداني بتسليم البلاد إلى إيران مقابل الحصول على دعم عسكري، مما يعكس تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في السودان.
كما أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء تقارير شحنات الأسلحة الإيرانية إلى السودان، محذرة من أن مثل هذه التدخلات قد تؤدي إلى تصعيد النزاع وتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.
-
عشرات القتلى وسط المدنيين بينهم أطفال جراء قصف طيران الجيش السوداني سوق قندهار
-
الجيش السوداني يرتكب محرقة بقصفه سوقا شعبيا ويخلف مقتل عشرات المدنيين
أهداف إيران من التدخل في السودان
ويسعى النظام الإيراني من خلال دعمه للجيش السوداني إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، منها توسيع النفوذ في أفريقيا حيث تطمح إيران إلى تعزيز حضورها في القارة الأفريقية، مستغلة الأزمات الإقليمية لتأسيس موطئ قدم جديد.
بالاضافة إلى السيطرة على ممرات بحرية مهمة؛ حيث يُعتبر البحر الأحمر ممرًا بحريًا حيويًا، وتسعى إيران إلى تأمين وجودها بالقرب منه لتعزيز قدرتها على التأثير في حركة الملاحة.
-
الجيش السوداني يسلب أرواح الأطفال والمدنيين في الفاشر ويستهدف مراكز الإيواء
-
مقتل العشرات وتدمير المنازل.. طيران الجيش السوداني يشن غارات جوية على كبكابية
فضلا عن مواجهة النفوذ الغربي والإسرائيلي، حيث تسعى طهران إلى تقويض مصالح الدول الغربية وإسرائيل في المنطقة من خلال تعزيز تحالفاتها مع دول مثل السودان.
لذا يظل التدخل الإيراني في السودان موضوعًا حساسًا يثير جدلاً واسعًا، مع تباين الآراء بين من يرى فيه دعمًا لتعزيز الاستقرار، ومن يعتبره تصعيدًا يؤجج الصراع الداخلي، وفي ظل هذه التطورات، يبقى تحقيق السلام في السودان مرهونًا بوقف التدخلات الخارجية وتغليب الحوار الوطني بين جميع الأطراف.
-
الجيش السوداني ونهج الإخوان المسلمين عملة واحدة في استغلال تعاطف الشعب
-
قائد الجيش السوداني يلتقي الصادق الغرياني مفتي ليبيا الذي يحلل جرائم الإرهاب ويحرم الحج
الدعم العسكري القطري
أفادت تقارير إعلامية، بأن قطر قدمت مساعدات عسكرية للجيش السوداني، بما في ذلك تزويده بست طائرات حربية صينية، ويأتي هذا الدعم في إطار الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؛ مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري في البلاد.
ومن الناحية الرسمية، أعربت دولة قطر عن دعمها الكامل لوحدة واستقلال وسيادة السودان، ورفضها التام لأي تدخل في شؤونه الداخلية، وخلال اجتماع وزاري رفيع المستوى في نيويورك، دعت وزيرة الدولة للتعاون الدولي القطري، لولوة بنت راشد، إلى وقف التدخلات الخارجية التي تسهم في تأجيج الأزمة السودانية.
كما ثمّنت الجهود السياسية التي تقوم بها السعودية من خلال منبر جدة. مجددة دعم دولة قطر له، وامتدحت التحركات التي تقوم بها مصر في هذا الملف.
-
مخاوف غربية من تحويل الجيش السوداني إلى ميليشيا شبيهة بـ”الحشد الشعبي العراقي”
-
الجيش السوداني يقطع رؤوس عناصر من الدعم السريع ويوثقها بطريقة تشبه داعش
تداعيات الدعم العسكري على الصراع الداخلي
ويسهم الدعم العسكري الخارجي، بما في ذلك المساعدات المقدمة من قطر، في تعقيد الصراع الداخلي في السودان، وتعزز هذه المساعدات القدرات العسكرية للأطراف المتنازعة. مما يؤدي إلى تصعيد المواجهات ويصعّب الوصول إلى حلول سلمية.
بالإضافة إلى ذلك، يؤدي هذا الدعم إلى تحويل السودان إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية، مما يطيل أمد النزاع ويزيد من معاناة المدنيين.
-
الجيش السوداني يرفض أي وساطات خارجية لوقف الحرب
-
استخدام الجيش السوداني المسيَّرات الإيرانية يهدد بزعزعة استقرار المنطقة
كما أن تدفق الأسلحة والدعم العسكري إلى أي من الأطراف المتنازعة يؤدي إلى تصعيد المواجهات، ويزيد من معاناة المدنيين، ويعقّد جهود التوصل إلى حلول سلمية.
وفي ظل التباين بين التقارير الإعلامية والمواقف الرسمية. يبقى الدور القطري في الصراع السوداني موضع تساؤل، لذا من الضروري أن تتضافر الجهود الإقليمية والدولية لدعم مبادرات السلام ووقف التدخلات الخارجية، بهدف تحقيق الاستقرار والأمن في السودان.