رئيس لبنان الجديد يلتزم بتعزيز سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها
أعلن الرئيس اللبناني المنتخب جوزاف عون اليوم الخميس بدء مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، متعهدا بالعمل على تأكيد “حق” الدولة في احتكار حمل السلاح وبناء وطن يكون الجميع فيه “تحت سقف القانون والقضاء”.
وفي خطاب القسم الذي تلى أداءه اليمين الدستورية في مقر البرلمان، قال عون “عهدي إلى اللبنانيين أينما كانوا، وليسمع العالم كله، اليوم تبدأ مرحلة جديدة من تاريخ لبنان”.
ووجّه عون الذي يحظى بدعم خارجي خصوصا من الولايات المتحدة والسعودية، ونال تأييد 99 نائبا من إجمالي 128 هم أعضاء البرلمان، في خطابه رسائل الى الداخل والخارج. وقوطع مرارا بتصفيق حار من النواب، باستثناء نواب حزب الله.
وقال عون “إذا أردنا أن نبني وطنا فعلينا أن نكون جميعا تحت سقف القانون والقضاء”، متعهدا العمل على منع التدخل في عمل القضاء، مضيفا “لا صيف ولا شتاء تحت سقف واحد بعد الآن. ولا مافيات أو بؤر أمنية ولا تهريب أو تبييض أموال أو تجارة مخدرات..ولا حمايات أو محسوبيات ولا حصانات لفاسد أو مجرم أو مرتكب”.
وتابع عون الوافد الى عالم السياسة من قيادة الجيش “عهدي أن أدعو الى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة.. على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية، أكرّر الدولة اللبنانية، من إزالة الإحتلال الإسرائيلي وردع عدوانه”.
وأضاف “عهدي أن أمارس دوري كقائد أعلى للقوات المسلحة ورئيس للمجلس الأعلى للدفاع، بحيث أعمل من خلالهما على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح”.
وتعهّد كذلك ببناء دولة “تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويساهم في تثبيتها جنوبا وترسيمها شرقا وشمالا وبحرا ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب.. ويطبّق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة” الموقّع بين لبنان وإسرائيل عام 1949 و”يمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الاراضي اللبنانية”.
وجاء انتخاب عون بعد أكثر من شهر على سريان وقف لإطلاق النار أعقب حربا بين إسرائيل حزب الله استمرت أكثر من عام. وأضعفت الحرب الحزب الذي كان يعتبر أبرز قوة عسكرية وسياسية في لبنان، والذي خسر أيضا حليفه بشار الأسد الذي سقط حكمه في سوريا المجاورة.
وتشرف الولايات المتحدة مع فرنسا والأمم المتحدة على آلية تطبيق وقف إطلاق النار الذي يتضمن انتشار الجيش اللبناني قرب الحدود وسحب حزب الله قواته إلى شمال نهر الليطاني، أي على بعد ثلاثين كيلومترا من الحدود، وتفكيك أيّ بنية تحتية عسكرية فيها. ويفترض أن يتأكد الجيش اللبناني من تفكيك هذه المواقع.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، قال عون “آن الآوان أن نراهن على لبنان في استثمارنا وبعلاقاتنا الخارجية، لا أن نراهن على الخارج في الاستقواء على بعضنا البعض”، متعهدا بإقامة “أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة انطلاقا من أن لبنان عربي الانتماء والهوية”.
واعتبر أن ثمة “فرصة تاريخية لبدء حوار جدي وندي مع الدولة السورية لمعالجة كافة المسائل العالقة معها”، بعد شهر من وصول سلطة جديدة الى دمشق.
وبعد الانتهاء من إلقاء كلمته في مجلس النواب، تلقى عون ورئيس البرلمان نبيه بري التهاني من النواب والسفراء الذين حضروا جلسة الانتخاب، قبل أن يتوجه برفقة الحرس الجمهوري الى القصر الرئاسي في منطقة بعبدا قرب بيروت.
ولدى وصوله الى القصر، أطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيبا به، في وقت أطلقت البواخر الراسية في مرفأ بيروت صفاراتها احتفاء.
ومن شأن انتخاب رئيس بعد الأزمات المتتالية التي مرّ بها لبنان منذ العام 2019، أن يؤشر إلى بداية مرحلة من الاستقرار.
ووفقًا للدستور اللبناني، تنص المادة 49 على أنه يُمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى، مثل قائد الجيش، خلال مدة قيامهم بوظيفتهم، بالإضافة إلى السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليًا عن وظيفتهم.
وعارض حزب الله وحلفاؤه بشدة ترشيح عون، لكن جلسة انتخابه أتت بعد حرب مدمّرة أضعفت الحزب الذي كان يعتبر أبرز قوة عسكرية وسياسية في لبنان، وبعد سقوط حليفه حكم بشار الأسد في سوريا المجاورة.
وكان عدد من النواب تحدّثوا في مستهل الجلسة الأولى عن سبب معارضتهم لانتخاب عون، مشيرين الى أنهم لا يعترضون على شخصه، إنما على خرق الدستور الذي يحظّر انتخاب أي موظف من الفئة الأولى للرئاسة وهو في الخدمة. كما انتقدوا “إملاء” اسم عون من جانب دول أجنبية، وفق قولهم.
ورأت النائبة المستقلة حليمة قعقور أنه “لا يمكن أن نبرّر تعديل الدستور”. وأضافت “لا أحد يملي علينا، لا ننتقل من وصاية الى وصاية، لا سورية ولا إيرانية ولا أميركية…”.
ووصف النائب المستقل الياس الجرادي الجلسة بأنها “جلسة تجرّع الكأس الدستورية المرّة”، معتبرا أن التصويت لعون سيكون “على حطام الدستور”، لكنه ضروري لحماية لبنان والعودة لبناء الدولة.
وأعلنت كتل نيابية عدة دعمها لعون خلال الساعات الماضية، فيما أكدت كتلة التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، صهر الرئيس السابق، رفضها التصويت له. وكان بري رفع الجلسة لمدة ساعتين لإفساح المجال أمام إجراء مشاورات، وفق ما قال عدد من النواب.
وقالت النائبة المستقلة نجاة صليبا “ثمة مشاورات تجري حاليا انطلاقا من أهمية اللحظة ووجود إرادة جامعة لوصول قائد الجيش الى الرئاسة”، مضيفة ” نأمل أن يعيدوا النظر في خيارهم ويعودوا لانتخابه في الجلسة المقبلة”.
وهنأت دول ومنظمات وحركات عربية بانتخاب جوزيف عون رئيسا جديدا للبنان بعد فراغ رئاسي دام 800 يوم.
وعلى صعيد الدول، بعث العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز برقية تهنئة لعون بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية وأدائه اليمين الدستورية.
وأعرب الملك سلمان في البرقية “عن أصدق التهاني وأطيب التمنيات بالتوفيق والسداد للرئيس اللبناني، ولشعب الجمهورية اللبنانية الشقيق المزيد من التقدم والازدهار”، كما بعث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برقية تهنئة مماثلة.
وفي الدوحة، هنأ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بانتخاب عون رئيسا وقال في منشور عبر حسابه على منصة “إكس” “أُبارك للرئيس اللبناني العماد جوزيف عون انتخابه رئيسا جديدا للجمهورية، وللشعب اللبناني الشقيق”.
وأعرب الأمير تميم عن أمله أن “تمثل هذه الخطوة بداية مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار” للبنان.
وتعهد بأن “قطر ستظل دائما داعمة للبنان وشعبه في مسيرتهم نحو مستقبل مشرق”.
وعلى النحو ذاته، قالت الخارجية القطرية في بيان، إن بلادها “ترحب بانتخاب مجلس النواب اللبناني” عون رئيسا.
وأعربت عن تمنيات قطر للرئيس اللبناني الجديد “التوفيق في مهام منصبه وللعلاقات بين البلدين المزيد من التطوير”. كما تطلعت إلى أن “يسهم إنهاء الشغور الرئاسي في إرساء الأمن والاستقرار في لبنان وتحقيق تطلعات شعبه في التقدم والتنمية والازدهار”.
وفي الأردن قدم الملك عبدالله الثاني التهنئة لعون، قائلا في منشور عبر منصة “إكس” “مبارك للبنان الشقيق وشعبه العزيز انتخاب العماد جوزاف عون رئيسا”.
وأضاف “أجدد التأكيد على دعم الأردن للبنان في تعزيز أمنه واستقراره وازدهاره ودوره في محيطه العربي”، متمنيا “التوفيق للرئيس عون في خدمة بلده وشعبه”.
وفي رام الله، هنأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر برقية عون بانتخابه رئيسا للبنان، متمنيا “التوفيق والسداد له بقيادة لبنان”، وفق وكالة الأنباء الرسمية “وفا”.
بدورها أعربت وزارة الخارجية العراقية عن ترحيب بلادها بانتخاب عون رئيسا للجمهورية اللبنانية مشيدة “بهذه الخطوة المهمة نحو تعزيز الاستقرار السياسي في لبنان”.
وأضافت “نبارك هذا الإنجاز ونأمل أن تسهم قيادة الرئيس عون في تحقيق تطلعات الشعب اللبناني الشقيق نحو مستقبل مشرق يسوده التقدم والازدهار”.
بدوره تمنّى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كل النجاح للرئيس اللبناني واتفق معه خلال مكالمة هاتفية على أن يزور لبنان قريبا جدا، وفق ما أعلن قصر الإليزيه.
وقالت الرئاسة الفرنسية إن “رئيس الدولة أبلغ الرئيس عون بأنّ فرنسا ستواصل جهودها الرامية للتوصل سريعا إلى تشكيل حكومة قادرة على جمع اللبنانيين وتلبية تطلعاتهم واحتياجاتهم وإجراء الإصلاحات اللازمة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار والاستقرار والأمن وسيادة لبنان”.
وهنّأت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عون، معتبرة أنّ انتخابه يمثل “فرصة لإجراء إصلاحات” في هذا البلد المأزوم والخارج لتوّه من حرب مدمرة بين إسرائيل وحزب الله.
وهنأ الاتحاد الأوروبي عون بانتخابه رئيسا للبنان وذلك في منشور للممثلة السامية للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس، على منصة “إكس”.
وقالت كالاس إن “هذه الخطوة المهمة في لبنان تمثل لحظة أمل” واختتمت بالقول “نتطلع إلى تشكيل سريع لحكومة لبنانية قادرة على المضي قدما في أجندة الإصلاح”.
ورحّب الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن بانتخاب جوزاف عون رئيسا للبنان الخميس، معتبرا أنّ قائد الجيش هو “الزعيم المناسب لهذه الفترة”.
وقال بايدن في بيان إن “عون سيوفر قيادة حاسمة في الإشراف على وقف إطلاق النار الساري بين إسرائيل وحزب الله.
وعلى مستوى المنظمات والحركات العربية، كتب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، في منشور عبر منصة “إكس” مقدما “صادق التهنئة للبنان على انتخاب الرئيس عون رئيسا جديدا للبلاد بعد طول انتظار”.
وأضاف “كل التمنيات الطيبة للرئيس الجديد بالتوفيق في مهامه الجديدة ولشعب لبنان بالسلام والاستقرار والرفاه”.
من جانبه، بارك الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي عبر بيان، للشعب اللبناني الشقيق على انتخاب البرلمان عون رئيسا للجمهورية اللبنانية.
وأعرب البديوي عن التطلع لأن تسهم هذه الخطوة في “استعادة الأمن والسلام في لبنان، وتحقيق تطلعات الشعب اللبناني في الاستقرار والرخاء والتنمية”. كما تمنى أن “يشهد عهد الرئيس عون تعزيز العلاقات التاريخية بين مجلس التعاون الخليجي ولبنان”.