اخترنا لكم

روسيا.. رهانات وحسابات قمة السبع الكبرى


تمضي روسيا بمخططها الاستراتيجي والعسكري في أوكرانيا، مع التركيز على إنجاز الأهداف الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي الممتد.

هذا ما أقره العسكريون الروس بتأكيد أن الصراع في أوكرانيا قد يمتد لفترة زمنية طويلة. وهو ما أكده أيضا الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف بأن الأزمة حول أوكرانيا ستطول في ظل أجواء التوتر بين روسيا وبين الدول الغربية، وافتقاد الثقة بين الجانبين، وانفتاح المشهد السياسي والعسكري على خيارات متعددة، ليس من بينها إنهاء الحرب في المدى القصير، وترقب كل طرف لسلوك الآخر، وهو ما برز في فعاليات ومخرجات قمة السبع، التي أقرت زيادة المساعدات الإنسانية لمواجهة أزمة الجوع العالمية، والعمل على خطة طوارئ لتقليل الطلب على الطاقة، والإعلان عن حظر استيراد الذهب الروسي في إطار عقوبات جديدة على موسكو، وتقديم مساعدة جديدة لأوكرانيا مع وضع خطط مستقبلية “سيتم تقديم 29 مليار ونصف المليار دولار لأوكرانيا من ميزانية العام 2022” لإعادة إعمارها على الأمد الطويل.

إضافة إلى الضغط على روسيا لاستمرار سداد ديونها، وسط غياب البراهين على تلقي المستثمرين، الذين يحملون سنداتها الدولية للمدفوعات، ما ينذر بأن يكون التخلف الأول لروسيا عن السداد خلال عقود.

وتسعى روسيا في المقابل للوفاء بمدفوعات مستحقة عن سندات بقيمة 40 مليار دولار، والذي أثار عقوبات شاملة عزلت روسيا بشكل فعال عن النظام المالي العالمي، وأبعدت الكثير من المستثمرين عن أصولها، في ظل التوقع باحتمالات ارتفاع أسعار الطاقة حال قررت روسيا وقف ضخ الغاز إلى ألمانيا، عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1″، الذي قلصت روسيا كمية الغاز التي تضخها من خلاله بنسبة 60%.

المعنى وراء ذلك أن هناك رهانات متبادلة على اتساع أمد المواجهة بين الجانبين اقتصاديا واستراتيجيا في ظل تطورات حقيقية تجري على قدم وساق، منها التأهب العسكري، والانتقال من استخدام القوة التقليدية وترسانة من الأسلحة إلى استخدام موظفٍ وموجَّهٍ للأسلحة النوعية التي قد تطور من العمل العسكري، وتمدده بدليل تلويح الرئيس الروسي بوتين مجددًا بقبضة روسيا الصاروخية الطويلة، وإعلانه أن الصاروخ طويل الأمد من طراز “سارمات” سوف يدخل الخدمة في القوات المسلحة الروسية نهاية العام الجاري.

في هذه الأجواء الروسية تواصلت المواجهات مع أوكرانيا على محاور القتال في إقليمَيْ لوهانسك ودونيتسك، رغم إعلان موسكو المتكرر اقتراب القوات في إقليم لوهانسك من فرض سيطرة مطلقة على مدينة سيفيرودونيتسك الاستراتيجية، وهي المعقل الأخير للمقاومة الأوكرانية.

فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها صدّت هجومًا للجيش الأوكراني على جزيرة زمييني، وفي المقابل نفذت القوات الأوكرانية هجومًا استهدف استعادة السيطرة على الجزيرة عبر ضربات جوية ومدفعية مكثفة تلتها محاولة إنزال.

ويرتبط بالتطور الجاري عسكريا، إعلان الولايات المتحدة أنها ستزوِّد أوكرانيا بأنظمة “هيمارس”، التي يصل مداها إلى 80 كيلومترا. وهي ليست أنظمة بعيدة المدى تصل إلى مئات من الكيلومترات، لكنها أسلحة فعالة يفوق مداها أسلحة الجيش الروسي، وقد تزامن هذا التطور مع إعلان أوكرانيا انضمام المدافع الألمانية ذاتية الدفع “بانزرهاوبيتز 2000” إلى ترسانتها، بعد وصول 12 من طراز “سيزار” الفرنسي، في حين يتم انتظار ستة أشهر أخرى وعد بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته لكييف في 16 يونيو الجاري، ويرتبط ذلك بما خرجت به مؤخرا قمَّتا اجتماع الدول الصناعية السبع الكبرى وحلف الناتو لزيادة الضغط على روسيا، ولدعم أوكرانيا سياسيا واستراتيجيا، خاصة أن التحالف الدفاعي الغربي قدم في قمة الناتو مفهوما استراتيجيا جديدا شمل روسيا والصين معا في سابقة من نوعها.

ويلاحظ أن الصين وروسيا كانت في مرمى قمة مجموعة السبع، التي نظرت للممارسات الصينية في المسائل الاقتصادية والتجارية، إذ أطلقت شراكة في البنى التحتية مخصصة للدول الأقل تطورًا، وذلك بهدف مواجهة الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها الصين في سائر أنحاء العالم، مع التعويل على الدور الأمريكي دائما، حيث سعى الرئيس جو بايدن لبناء استراتيجية مقابلة خلال قمتي مجموعة السبع وحلف الناتو، رغم الوضع المتردي له في الداخل الأمريكي، حيث تتوقع معاهد استطلاعات رأي أمريكية أن يوجِّه الناخبون صفعة للديمقراطيين خلال انتخابات نوفمبر النصفية.

ومن التحديات الأخرى التي تواجه الدول الأوروبية، في إطار مواجهة التصعيد الروسي، المحافظة على الاندفاع في حلف شمال الأطلسي، فتركيا لا تزال تعطل انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، فيما تدعم الولايات المتحدة انضمامهما بقوة.

وإلى جانب الوضع مع روسيا، يريد الرئيس “بايدن” أن يجد دعما لأولويته الاستراتيجية الكبرى، وهي تشكيل جبهة موحدة في وجه الصين.. كما تريد الدول الصناعية الكبرى إطلاق شراكة حول المنشآت مع الدول النامية، التي تشهد استثمارات صينية ضخمة.

وقد أقرت القمة الأوروبية مؤخرا قبول ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، حيث سيفتح هذا التطور الباب أمام الدول المرشحة، والمدرجة منذ سنوات على لائحة الانتظار، كألبانيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وصربيا، من أجل تطمينها إزاء المخاوف من تهميش ترشيحاتها.

وجرت الموافقة على طلب ترشيح أوكرانيا ومولدوفا لعضوية النادي الأوروبي في فترة قياسية لا تتجاوز 3 أشهر.

تجدر الإشارة إلى أن بين البلدان، التي لا تزال تواجه تجميد انضمامها إلى الاتحاد، ألبانيا ومقدونيا الشمالية، وذلك بسبب النزاع القائم بين الأخيرة وبلغاريا، التي ترفض تحريك ملف الانضمام قبل حسم خلافاتها التاريخية مع مقدونيا.. وزاد تعقيد هذا الملف الوضع السياسي المضطرب في بلغاريا، ما دفع بعض الدول الأعضاء في الاتحاد إلى اقتراح فصل الترشيح والاكتفاء بمواصلة المفاوضات مع ألبانيا.

لكن دولا أخرى أبدت تعاطفا مع مقدونيا الشمالية، التي بذلت جهودا لتسوية نزاعها مع اليونان، وقبلت بتغيير اسمها لكي تنضم إلى الاتحاد الأوروبي.

يشار إلى أن صربيا صوّتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة العملية الروسية، لكنها امتنعت حتى الآن عن تطبيق العقوبات الأوروبية ضد موسكو.

وتصر هذه الدول على أن تعلن صربيا موقفا واضحا من الحرب بتبنيها العقوبات على روسيا كشرط لتحريك ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.. لكن لا يبدو أن صربيا على استعداد لتبنّي العقوبات الأوروبية، لا سيما وأن موسكو ضمنت لها أفضل سعر للغاز في أوروبا.

في المجمل ستستمر الأزمة الروسية-الأوكرانية في تشعُّب ملفاتها وقضاياها المتعددة، وقد يتم التوصل إلى حلول وسط، في ظل توافقات محدودة، ونقاط قبول، فيما ستظل الأزمة الرئيسة قائمة، بينما الترتيبات الأمنية تجري على قدم وساق دون التوصل إلى مقاربة واحدة ترضى بها الأطراف المعنية للأزمة.

نقلا عن العين الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى