سياسة

شبح غزة: كيف أفلت السنوار من الرادار الأمريكي؟


نجاح رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار في الهرب من الموت أو الوقوع في أيدي القوات الإسرائيلية، حرم الدولة العبرية من إعلانها تحقيق نصر عسكري في حرب غزة، التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين ودمرت القطاع الفلسطيني.

وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن الإسرائيليين والأمريكيين اعتقدوا أنهم حصلوا في يناير/كانون الثاني الماضي على فرصة لمطاردة الرجل الذي وصف بأنه أحد أكثر الرجال المطلوبين في العالم، فشنت قوات الكوماندوز الإسرائيلية غارة على مجمع أنفاق جنوب غزة بناء على معلومات استخباراتية قالت إن السنوار كان مختبئا هناك.

لكن اتضح أن السنوار غادر المخبأ الواقع تحت مدينة خان يونس قبل أيام قليلة فقط، تاركا وراءه وثائق وأكواما من الشيكل الإسرائيلي تعادل نحو مليون دولار.

ومنذ ذلك الوقت، استمر البحث في غياب الأدلة القاطعة على مكان وجود الرجل الذي أصبح أشبه بـ«الشبح» منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فلم يظهر مطلقا في الأماكن العامة، فيما بات نادرا ما يطلق رسائل لأتباعه.

أسلوب جديد

وقال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن السنوار الذي يعد الشخصية الأهم في حماس، تخلى منذ فترة طويلة عن الاتصالات الإلكترونية، معربين عن اعتقادهم بأنه يظل على اتصال بالحركة من خلال شبكة من الرسل البشريين في نظام لا تزال طريقة عمله تمثل «لغزا لإسرائيل، مع كونها أكثر تعقيدا وأكثر إحباطا للمسؤولين في واشنطن وتل أبيب».

ويقول الدبلوماسيون المشاركون في مفاوضات وقف إطلاق النار إن ممثلي حماس يصرون على أنهم بحاجة إلى رأي السنوار قبل اتخاذ قرارات رئيسية في المحادثات، كما أنه الشخص الوحيد القادر على ضمان تنفيذ أي قرار يتم التوصل إليه، باعتباره الزعيم الأكثر احتراما لحماس وفقا لـ«نيويورك تايمز».

وتكشف المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع أكثر من 20 مسؤولا في إسرائيل والولايات المتحدة، أن كلا البلدين ضخ موارد هائلة للعثور على السنوار الذي أنشأ جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) وحدة خاصة لاعتراض اتصالاته، كما كُلفت وكالات التجسس الأمريكية بالأمر ذاته.

وقدمت واشنطن رادارا يخترق الأرض لمساعدة إسرائيل في رسم خرائط مئات الأميال من الأنفاق التي يعتقدون أنها تحت غزة مع صور جديدة مقترنة بالمخابرات الإسرائيلية التي تم جمعها من مقاتلي حماس الأسرى وكميات كبيرة من الوثائق لبناء صورة أكثر اكتمالاً لشبكة الأنفاق للبحث عن السنوار وغيره من قادة حماس.

وقالمسؤول إسرائيلي كبير إن الدعم الاستخباراتي الأمريكي كان «لا يقدر بثمن».

تأثير دراماتيكي

وقد يحمل اغتيال أو أسر السنوار تأثيرا دراماتيكيا على الحرب، ويعتقد الأمريكيون أنه سيمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة إعلان نصر عسكري، ما قد يجعله أكثر استعدادا لإنهاء العمليات العسكرية في غزة.

ومع ذلك يبقى تأثير ذلك على مفاوضات إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين غير واضح، فقد يؤدي موت أو أسر السنوار إلى جعل من يخلفه أقل استعدادا لإبرام صفقة مع تل أبيب.

وقال مسؤولون إن التواصل مع السنوار أصبح أكثر صعوبة، حيث اعتاد الرد على الرسائل في غضون أيام، لكن مؤخرا أصبح الأمر يحتاج إلى وقت أطول، وأن بعض نوابه كانوا أحيانا وكلاء له في المفاوضات.

وتولى السنوار (61 عامًا) منصب رئيس المكتب السياسي، وهو المنصب الأعلى سياسيا في حماس في أوائل أغسطس/آب الماضي عقب اغتيال سلفه إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران.

ومع ذلك، كان السنوار يعتبر منذ فترة طويلة الزعيم الفعلي للحركة حتى لو كان قادة الحركة المقيمون في قطر يحملون ألقابا ومناصب رسمية، لكن الضغوط جعلت من الصعب عليه التواصل مع القادة العسكريين وتوجيه العمليات اليومية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه رغم ذلك، فإن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أنه لا يزال لديه القدرة على فرض أوامره.

وبعد أسابيع من هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وافقت لجنة خاصة من كبار المسؤولين في الاستخبارات والجيش الإسرائيليين على قائمة قتل كبار قادة حماس والمسؤولين السياسيين وهو ما حدث على مدار الأشهر الماضية.

ومع كل اغتيال، يضع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت علامة “X” فوق اسم الشخصية المستهدفة على الرسم التخطيطي لقادة حماس الذي يحتفظ به، ولا يزال السنوار الذي يعد الهدف الأهم حرا طليقا.

السنوار قبل الحرب

وقبل الحرب، كان للسنوار حضور شامخ في غزة حيث أجرى مقابلات، وأشرف على تدريبات عسكرية، وظهر على شاشة التلفزيون لتقديم جائزة لعرض يصور هجوم حماس على إسرائيل لـ7 أكتوبر/تشرين الأول.

وخلال الأسابيع الأولى من الحرب، اعتقد مسؤولو الاستخبارات والجيش الإسرائيليون أن السنوار كان يعيش في شبكة من الأنفاق تحت مدينة غزة، وخلال غارة مبكرة عثر الجنود على مقطع فيديو للرجل أثناء نقل عائلته إلى مخبأ مختلف، ويعتقد المسؤولون أن السنوار احتفظ بعائلته معه لـ6 أشهر على الأقل.

وفي ذلك الوقت، كان السنوار لا يزال يستخدم الهواتف الخلوية والفضائية، وكان يتحدث من وقت لآخر إلى مسؤولي حماس في الدوحة، حين تمكنت وكالات التجسس الأمريكية والإسرائيلية من اعتراض بعض الاتصالات، لكنها فشلت في تحديد موقعه.

ومع نفاد الوقود في غزة، دفع غالانت إلى شحنات جديدة إلى غزة لتشغيل المولدات اللازمة لإبقاء شبكات الهاتف الخلوي قيد التشغيل حتى تتمكن عمليات التنصت الإسرائيلية من الاستمرار.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وصف أسير إسرائيلي محرر كيف خاطب السنوار عددا كبيرا من الأسرى باللغة العبرية التي تعلمها خلال سنوات سجنه.

وقال المسؤولون الإسرائيليون إن جميع عملاء حماس المختبئين تحت الأرض، حتى السنوار، يجب أن يخرجوا أحيانا من الأنفاق لأسباب صحية، لكن شبكة الأنفاق واسعة ومعقدة للغاية، كما أن عناصر الحركة لديهم معلومات استخباراتية تمكن الرجل من الخروج دون اكتشافه.

وفي النهاية، انتقل السنوار إلى مسقط رأسه في خان يونس وربما سافر أحيانا إلى رفح عبر الأنفاق. وحين اقتحمت القوات الإسرائيلية النفق في خان يونس في 31 يناير/كانون الثاني كان قد فر.

وظل السنوار متقدما بخطوة واحدة على مطارديه، الذين أدلوا أحيانا بتعليقات متباهية حول مدى قربهم من العثور عليه.

ونقلت «نيويورك تايمز» عن مصدر مطلع طلب عدم الكشف عن هويته قوله إن واشنطن وتل أبيب لديهما مصلحة مشتركة في تحديد مكان عناصر حماس والأسرى، بينهم أمريكيون، لكن العلاقة غير متوازنة حيث تأخذ إسرائيل أكثر مما تعطي.

كان نفوذ السنوار قد نما بشكل مطرد داخل حماس بعد انضمامه للحركة على يد مؤسسها الشيخ أحمد ياسين في الثمانينيات، حيث تولى منصب رئيس وحدة الأمن الداخلي المكلفة بالعثور على الجواسيس ومعاقبة الفلسطينيين المتعاونين مع إسرائيل.

وأمضى سنوات في سجون إسرائيل قبل إطلاق سراحه في 2011، ضمن صفقة تبادل مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وفي 2017 جرى اختياره زعيما للحركة في غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى