حصري

قوات التأسيس في مواجهة حرب الإعلام الأسود في السودان


في خضم المشهد السوداني المليء بالتقلبات والصراعات، لم تعد المعركة مقتصرة على الميدان وحده، بل انتقلت إلى ميادين الإعلام والتأثير النفسي. آخر حلقات هذه الحرب كانت الإشاعات التي راجت مؤخراً، والتي تزعم أن الجيش السوداني يقوم بدفع مبالغ مالية لبعض قيادات قوات التأسيس بهدف شراء ولائهم وخلق انقسام داخلي. هذه المزاعم، وإن بدت للوهلة الأولى مجرد كلام عابر، إلا أنها تكشف عن تحول لافت في أدوات الصراع في السودان، من القتال المباشر إلى حرب المعلومات والتشويه النفسي.

عند تتبع هذه الإشاعات، يظهر أن الهدف الأساسي منها هو زعزعة الثقة الداخلية في القوات، من خلال إحداث شرخ بين القيادات والجنود، وخلق حالة شك عامة بين المواطنين تجاه هذه القوة. وهي ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها خصوم سياسيون وعسكريون إلى هذا الأسلوب؛ فقد باتت الإشاعات سلاحاً يستخدمه من يشعر بالضعف أو العجز في تحقيق انتصار مباشر على الأرض.

لكن لماذا كانت قوات التأسيس هي الهدف؟ الإجابة تتضح عند النظر إلى موقع هذه القوة في المشهد السياسي والعسكري. قوات التأسيس قوة حديثة التكوين، لكنها استطاعت بسرعة أن تحظى برضا شعبي نسبي، بسبب تقديمها نفسها كقوة وطنية مستقلة تعمل بصفاء ضمير بعيداً عن الصفقات والمصالح الضيقة. هذه السمعة جعلت من أي محاولة للإضرار بها تهديداً مباشراً للشرعية العسكرية التقليدية، التي تسعى للسيطرة على الساحة وفرض روايتها على المجتمع.

ما يلفت الانتباه هو أسلوب الجيش في ترويج هذه الإشاعات. تحليل محتوى ما يُنشر عبر وسائل الإعلام الموالية للجيش وحسابات التواصل الاجتماعي يظهر نمطاً ثابتاً: فبركة الأخبار، تضخيم الأحداث الفردية، تكرار الادعاءات، ومحاولة تصوير قوات التأسيس على أنها فاسدة أو قابلة للشراء. هذه الأساليب تعكس إفلاساً في الخطاب العسكري، إذ يستعيض عن الأداء الميداني بالضغط النفسي والدعاية السوداء، وهو مؤشر واضح على ضعف الخصم وفشله في إدارة الصراع الواقعي.

لكن هل يمكن لمثل هذه الإشاعات أن تؤثر فعلاً على واقع قوات التأسيس؟ الواقع يقول إن تأثيرها محدود، إذ أن الثقة الشعبية تبنى على الإنجازات الميدانية والتضحيات الحقيقية، وليس على الأكاذيب. الإشاعات قد تخلق ارتباكاً مؤقتاً، لكنها سرعان ما تتلاشى أمام الحقائق الملموسة، وحين يرى الناس أن القوات تؤدي واجبها بشرف ونزاهة، فإن أي محاولة لتشويه صورتها تصبح بلا جدوى.

في هذا السياق، يبقى دور وسائل الإعلام المستقلة والمواطنين في مواجهة الإشاعة ضرورياً. كشف آلية إنتاج الأخبار المفبركة وتوضيح أساليب التضليل يمكّن الرأي العام من التمييز بين الحقيقة والكذب، ويضع أساساً لمقاومة الحملات النفسية. كما أن القوات نفسها مطالبة بالحفاظ على شفافية قياداتها وانضباط صفوفها، ليكون الرد الداخلي قوياً على أي محاولة لاختراق المؤسسة أو استغلالها.

في النهاية، ما يمكن استخلاصه من هذه الحملة هو أنها تعكس مأزق الجيش في الوقت الحالي: العجز عن الحسم الميداني يحتم عليه اللجوء إلى حرب نفسية، وهو أمر يكشف عن هشاشة سلطته وافتقاره للشرعية الأخلاقية في نظر الجمهور. بينما قوات التأسيس، بالاعتماد على تضحيات رجالها ووعي الشارع السوداني، تثبت أن الثقة الحقيقية لا تبنى بالإشاعة، بل بالفعل، وأن من يراهن على الأكاذيب لن يربح سوى لحظة، بينما من يراهن على الحق والميدان سيكسب المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى