سياسة

كشف الحقائق: هل يمكن التأكد من العذرية؟


في مجتمعات كثيرة، ولا سيما في الشرق الأوسط، لا يزال يُنظر إلى غشاء البكارة على أنه مقياس للعفة والطهارة، بل وحتى مؤشر لسمعة الأسرة. ومع ذلك، فإن هذا المفهوم الذي ترسخ عبر قرون بفعل العادات والتقاليد، لا يمتلك أساساً علمياً أو طبياً سليماً. فما هو غشاء البكارة حقاً؟ وهل يدل تمزقه أو وجوده على “العذرية”؟ ولماذا ما زالت فكرة الفضيلة مرتبطة بهذا الغشاء الرقيق؟

ما هو غشاء البكارة؟ وما دوره في جسم المرأة؟

غشاء البكارة هو غشاء رقيق موجود عند مدخل المهبل، وليس داخله كما يعتقد البعض. هذا الغشاء ليس له أي وظيفة فسيولوجية معروفة، ويختلف شكله وسماكته من امرأة لأخرى. قد يكون لديه فتحة صغيرة أو عدة فتحات، وقد يكون محاطاً بنسيج مرن يسمح بتمدده دون أن يتمزق.

ويتكون هذا الغشاء خلال فترة النمو الجنيني، وهو ليس دليلاً على عدم ممارسة الجنس، بل هو مجرد أحد تركيبات الجسم الأنثوي التي تختلف بين النساء. وبحسب الدراسات الطبية، فإن أكثر من 50% من النساء لا يعانين من نزيف أثناء أول علاقة جنسية بسبب سمك أو مرونة الغشاء.

هل يمزق غشاء البكارة بالضرورة عند أول علاقة جنسية؟

لا، هذا غير صحيح. فالعديد من النساء لا يشعرن بأي ألم أو نزيف في أول مرة، ويعود السبب إلى:

  • مرونة الغشاء : بعض النساء يولدن بغشاء بكارة مرن جداً يمكن أن يتمدد دون أن يتمزق.
  • وجود فتحة كبيرة أصلاً : في بعض الحالات، تكون الفتحة في الغشاء كبيرة بما فيه الكفاية لتسمح بالإيلاج دون حدوث أي تمزق.
  • الاسترخاء والترطيب الجيد : إذا كانت المرأة مرتاحة نفسياً ومتحفزة، فإن عضلاتها المهبلية تسترخي، مما يقلل بشكل كبير من احتمالية التمزق.

علاوةً على ذلك، فقد لا يحتوي بعض النساء حتى على غشاء بكارتهنّ منذ البداية، أو يكون الغشاء من النوع المعروف بـ “المنفذ”، وهو يشبه الشبكة التي تتيح مرور السدادات الصحية أو الحيض بسهولة.

هل يمكن أن يتمزق غشاء البكارة بدون ممارسة الجنس؟

نعم، ويمكن أن يتمزق هذا الغشاء نتيجة العديد من الأنشطة اليومية، ومنها:

  • ممارسة الرياضة : مثل ركوب الخيل، أو الدراجات الهوائية، أو القفز، أو الرقص.
  • السقوط أو الإصابات : خاصةً في منطقة الحوض.
  • استخدام السدادات القطنية : خصوصاً عند إدخالها بعنف أو دون تحضير كافٍ.
  • الفحص الطبي أو استخدام أدوات طبية : مثل جهاز الموجات فوق الصوتية المهبلية أو أخذ مسحة عنق الرحم.

إذن، فإن تمزق الغشاء لا يعني بالضرورة أن المرأة قد مارست الجنس، ولا وجوده لا يعني أنها لم تمارسه. فهذا الغشاء لا يمكن الاعتماد عليه كمعيار موضوعي أو علمي لتحديد “العذرية”.

هل يحدث الحمل بدون إيلاج كامل؟

قد تتعرض بعض الفتيات للحمل دون إيلاج كامل، ولكن هذه الحالة نادرة جداً. وتحدث عندما:

  • يسكب السائل المنوي بالقرب من فتحة المهبل، ويتمكن بعض الحيوانات المنوية من الدخول.
  • تتزامن العملية مع فترة التبويض لدى المرأة.

ولكن بشكل عام، فإن فرص حدوث الحمل بهذه الطريقة ضئيلة جداً مقارنة بالإيلاج الكامل داخل المهبل.

ما مدى دقة اختبار “فحص البكارة”؟ وهل هو مفيد طبياً؟

“اختبار البكارة” أو “فحص العذرية” هو عملية فحص جسدي يقوم بها طبيب أو متخصص لتحديد ما إذا كانت المرأة قد مارست الجنس سابقاً من خلال النظر إلى حالة غشاء البكارة والمهبل.

لكن المجتمع الطبي العالمي، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية (WHO)، يعتبر هذا الفحص غير دقيق وغير علمي، ويعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان . إذ إن:

  • النتائج غير مضمونة : لا يمكن تحديد ما إذا كانت المرأة قد مارست الجنس من خلال شكل غشاء البكارة فقط.
  • الغشاء يتغير بمرور الوقت : وتؤثر عليه عوامل عديدة غير الجنس.
  • يمكن أن يؤدي إلى تشخيص خاطئ : سواء بتهمة “فقدان العذرية” أو باعتبارها عذراء رغم ممارستها العلاقة الجنسية.

والأسوأ من ذلك، أن هذا الفحص غالباً ما يؤدي إلى آثار نفسية مدمرة على الفتاة أو المرأة، مثل:

  • الاكتئاب.
  • القلق والخوف المستمر.
  • فقدان الثقة بالنفس.
  • الشعور بالعار أو الإذلال.

العادة السرية وغشاء البكارة: هل تؤثر على الغشاء؟

غالباً لا، إلا في حالات استثنائية. فإذا تم ممارسة العادة السرية بإدخال الأصابع بعنف أو بحجم كبير، فقد يؤدي ذلك إلى تمزق جزئي في الغشاء. لكن في معظم الحالات، لا يؤثر هذا السلوك على الغشاء إطلاقاً.

كما أن ممارسة العادة السرية هي سلوك طبيعي وصحي، ويقوم به الكثير من الذكور والإناث حول العالم، ولا يجب أن تُستخدم كمصدر للوصم الاجتماعي أو الذنب.

هل الماء أو الاستحمام يمزق غشاء البكارة؟

لا، الماء ليس له القدرة على تمزق الغشاء، سواء كان ذلك من خلال الاستحمام أو السباحة أو حتى دخول الماء إلى المهبل. لأن المياه ليست ذات حجم أو شكل قادر على الضغط أو التمزق. والأشفار الخارجية تحمي الغشاء من أي تأثير مباشر.

الخلاصة: لماذا يجب أن تتوقف هذه المفاهيم؟

المجتمعات التي تربط الشرف أو العفة بوجود غشاء البكارة أو تمزقه، تعتمد على معلومات خاطئة، وتفرض ظروفاً قاسية على النساء والفتيات، تدفعهن إلى التعرض لضغوط نفسية، وأحياناً إلى إجراء عمليات “ترميم البكارة” بعد الزواج لإرضاء الزوج أو المجتمع.

علينا أن ندرك أن:

  • الصحة الجنسية جزء من الصحة العامة للمرأة .
  • الجسد البشري ليس ملفوظاً، ولا ينبغي معاملته كملف قضائي .

الاحترام الحقيقي للمرأة لا يأتي من تقييمها بمقاييس جسدية هشّة، بل من تقديرها والإقرار بحقها في الحياة بكرامة وحرية، بعيدًا عن التحيزات الثقافية والاجتماعية.

نصيحة أخيرة:

إذا كنتِ أو أي شخص تعرفينه يشعر بالقلق أو الخوف من موضوع غشاء البكارة، ننصحك بالتحدث مع طبيب مختص أو مستشار نفسي، حيث يمكن أن تساعدك المعلومات العلمية والدعم النفسي في تجاوز هذه المخاوف بطريقة صحية وواعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى