عند إعلان استقلال ليبيا عام 1951 حذر أبا ايبان وزير خارجية الكيان الإسرائيلي الأسبق الليبيين قائلا إنهم يتعين عليهم ألا ينسوا أن الاستقلال ليس نهاية نضالاتهم، بل مجرد بدايتها. وقد كان يشير في ذلك بالدرجة الأولى إلى الضعف الشديد في اقتصاديات الدولة الليبية آنذاك واعتمادها بشكل شبه مطلق على المعونات الخارجية.
لكن نظرة متمعنة إلى تسعة وستين عاما (1951 – 2020) من عمر الدولة الليبية تشير إلى أن النضالات الليبية لم تكن تقتصر على الجانب الاقتصادي بل تتعداه إلى مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ لأن كل التقلبات التي حدثت ولا تزال تحدث تشير إلى أن الليبيين لم ينجحوا بعد في أن يحققوا لأنفسهم التوافقات المطلوبة للعيش المشترك في مختلف مجالاته.
فعلى الصعيد الاقتصادي كان متوسط دخل الفرد في ليبيا قبل الاستقلال 35 دولارا سنويا، ولم تكن لليبيا من صادرات سوى جلود الأغنام وزيت الزيتون ونبات الحلفاء، ولم يكن لليبيا بعد نفط ولا غاز، ولذا جاء تحفظ جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأميركية آنذاك على فكرة استقلال ليبيا قائلا إنه يشك في الحكمة من إنشاء دول قزمية غير قادرة اقتصاديا على الحياة. وبالفعل كانت ليبيا قزمية من حيث الموارد الاقتصادية، ومن حيث عدد السكان الذين كان يبلغ تعدادهم نحو مليون نسمة يعيشون على مساحة تقارب المليوني كيلو متر مربع؛ لكن الآباء المؤسسين للدولة الليبية أعلنوا بوضوح رفضهم لهذا الطرح، قائلين إنه إذا كان عدد السكان معيارا أساسيا لبناء الدول، فإن أيسلندا آنذاك كان عدد سكانها يبلغ مائة وعشرين ألف نسمة وكانت رغم ذلك أحد الأعضاء المؤسّسين للأمم المتحدة.
أما من حيث الموارد الاقتصادية فقد أدرك الليبيون أن الثروة الدائمة لديهم تتمثل في الموقع الاستراتيجي الذي تحتله ليبيا بساحل يمتد ألفي كيلو متر على ضفاف البحر المتوسط في قلب إفريقيا وعلى مسافة قريبة من جنوب أوروبا. لذا كانت مسألة القبول بقواعد أجنبية على التراب الليبي آنذاك قرارا اقتصاديا قبل أن يكون سياسيا، يرتبط بتوفير دخل وطني قبل أن يرتبط بأية انحيازات أو تنازلات سياسية كما تورده بعض الروايات السياسية اللاحقة، وهو ما يمكن أن يفسر لنا كيف أن بشير السعداوي باعتباره واحدا من أبرز المناضلين الوطنيين آنذاك كان من أشد المناهضين لأي وجود عسكري أجنبي على التراب الليبي لأنه على حد وصفه لا ينسجم إطلاقا مع السيادة الوطنية، ولكنه رغم ذلك أبلغ مندوب الأمم المتحدة في لقاء خاص جرى بينهما بتاريخ 28/08/1951 أنه في ظل حكومة ليبية ذات مشروعية ومجلس نيابي منتخب يمكنه أن يقبل على مضض بوجود قواعد أجنبية مقابل تقديم المعونات المالية للدولة الليبية الناشئة.
وعلى الصعيد السياسي تكاتف الليبيون شرقا وجنوبا وغربا ضد مشروع بيفن- سفوزا الذي كان يقضي بتقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق حماية دولية: بريطانية شرقا وإيطالية غربا وفرنسية جنوبا، وخرجت مظاهرات شعبية عارمة في طرابلس كبرى المدن الليبية ضد هذا المشروع، وتكللت جهود علي نور الدين العنيزي رفقة أحد أعضاء الوفد السوري في الأمم المتحدة بالنجاح في إقناع مندوب هاييتي السيد أميل سانت لوت بالإدلاء بالصوت الحاسم الذي أدى إلى هزيمة مشروع بيفن – سفوزا.
هذا النضال السياسي الوطني المشترك جاء استمرارا للنضال القتالي ضد المستعمر الأجنبي أسهمت فيه على مر السنين مختلف فئات الشعب الليبي دونما تمييز، وعندما زار أدريات بلت مندوب الأمم المتحدة لدى ليبيا مناطق الأمازيغ عام 1950 وجدهم جميعا كما جاء في مذكراته سواء الذين يتكلمون العربية والأمازيغية معا أو الذين لا يتكلمون سوى الأمازيغية لم يدَعوا إطلاقا أنهم أقلية عرقية أو لغوية.
هذه الروح الوطنية هي القادرة دوما على التغلب على أزمات الحاضر وشق دروب المستقبل، وفي كل الأحوال فالمسألة الأساس تتمثل في التأكيد على قدسية التراب الليبي وعدم التفريط في أي جزء منه لأن الموقع الجغرافي الاستراتيجي الليبي يمثل مثلما أشير الكنز الذي لا يفنى، والبترول الدائم الذي يمكن لليبيين استخدامه ليس كقواعد للقوى الأجنبية كما جرى في الماضي، بل كبوابة عبور تجارية بين أوروبا وإفريقيا، وكمناطق سياحية، وملتقى للمشروعات العلمية والثقافية، ومحطات عبور للطيران المدني وناقلات النفط والسفن التجارية، إلى غير ذلك من المشروعات الوطنية الكبرى التي يمكن أن يؤسّسها الليبيون بأنفسهم أو بشراكات مع بلدان شقيقة وصديقة.
وهكذا يكون كل شبر من أرض ليبيا ثروة سواء وجد فيه النفط والغاز والمعادن أم لم توجد. الثروات الطبيعية محدودة الوجود مكانا وزمانا لكن الموقع الاستراتيجي دائم الوجود، ولهذا فإن لسان حال المواطن الليبي البسيط يقول ببساطة أيضا: رجاء من كل السياسيين المعاصرين أو اللاحقين، ارحموا هذا الشعب من خلال عدم التفريط في مصادر رزقه وارحموا أنفسكم. لا تجعلوا ضغائن الماضي والحاضر سببا في أن ينزوي الليبيون إلى المقاعد الخلفية لكي يتولى قيادة قطار الوطن غرباء لهم مصالحهم وأجنداتهم الخاصة، ويقوموا بتقسيم تراب الوطن إلى مناطق حماية ونفوذ، ونترك للأجيال القادمة وطنا ممزقا يتربع على كل رقعة منه أسياد وأجناد يتعين على هذه الاجيال بذل كل مرتخص وغال من اجل اجلائهم واستعادة سيادة الوطن، خاصة وان القواعد الأجنبية في عالم اليوم لم يعد لها من ثمن؛ بل اصبح يتعين على الدول التي تجثم على أراضيها العساكر والقواعد الأجنبية أن تدفع أتاوات مقابل الحماية الأجنبية المصطنعة.
لقد كان الموقع الاستراتيجي لليبيا منذ البداية محور التنافس الدولي على ليبيا رغم فقرها المدقع قبل اكتشاف النفط في ستينيات القرن الماضي، ورغم أن ليبيا نالت استقلالها منذ نهاية العام 1951، فإنها وهي الوليد الذي كانت الأمم المتحدة قابلته بدون منازع لم تستطع الحصول على عضوية الأمم المتحدة إلا في عام 1955، وقد كان ذلك راجعا بالدرجة الأولى إلى موقف الاتحاد السوفييتي آنذاك الذي كان باعتباره أحد أهم القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية يريد أن يرسي له موطئ قدم في ليبيا، كما عارض بشدة حصول حلفاء الامس ومنافسي اليوم على قواعد عسكرية على التراب الليبي.
هذا الحلم السوفييتي آنذاك والروسي اليوم بدا واضحا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وانشغال الأمم المتحدة في أعقابها بوضع الترتيبات اللازمة بشأن المستعمرات الإيطالية السابقة وعلى رأسها ليبيا بحكم موقعها الاستراتيجي كبوابة لأفريقيا ولجنوب القارة الأوروبية. لقد عبر ستالين في بوتسدام عن رغبة الاتحاد السوفييتي آنذاك في تولي الوصاية على بعض الأقاليم التي كانت بحوزة البلدان المندحرة في الحرب العالمية الثانية، ثم جرى تحديد ذلك صراحة في أن هذه الرغبة تتعلق بإحدى المستعمرات الإيطالية السابقة وعلى الأخص اقليم طرابلس، وفي ضوء ذلك جاء المقترح الفرنسي بأن يتم تقسيم ليبيا إلى أربعة أقاليم تتولى كل واحدة من البلدان المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (الاتحاد السوفييتي – الولايات المتحدة الأميركية – فرنسا – بريطانيا) الوصاية على واحد من هذه الأقاليم الأربعة.
أما إيطاليا الجديدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية فقد كانت تتطلع إلى استعادة سيادتها على طرابلس وغرب برقة، وقد أيد الاتحاد السوفييتي هذه الفكرة على أمل أن يكتسح الحزب الشيوعي الايطالي الصاعد سياسيا آنذاك الانتخابات الايطالية، ويشكل حكومة موالية للاتحاد السوفييتي، بينما جاء موقف الصين متمثلا في منح ليبيا استقلالها، واذا تعذر ذلك توضع تحت وصاية الأمم المتحدة، وأخيرا جاء البيان المشترك لبلدان الحلفاء الأربعة بتاريخ 10/02/1947 متمثلا في تخلي ايطاليا عن مستعمراتها السابقة، واستمرار الانتداب البريطاني على شمال ليبيا والفرنسي على جنوبها، على أن تتواصل المشاورات بين هذه الدول لمدة عام واحد لإيجاد صيغة مشتركة حول مستقبل ليبيا، وإذا لم تنجح القوى الأربع في الاتفاق على صيغة مشتركة بينها يحال موضوع مستقبل ليبيا إلى الأمم المتحدة، على أن يكون أي قرار تتخذه الجمعية العامة بالخصوص ملزما لجميع هذه البلدان الأربعة، كما تم إقرار إيفاد لجنة تقصي حقائق لاستطلاع آراء الليبيين حول مستقبل بلادهم، وهو ما تم بالفعل في فترة لاحقة.
مفاد ذلك أن اشتداد التنافس الدولي على ليبيا قبيل الاستقلال وعدم التوافق بينها على الوصول إلى صيغة مشتركة أسهم بشكل كبير في تسريع عملية الاستقلال، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن في بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين يتمثل في مدى امكانية أن يسهم التنافس الدولي والإقليمي في إعادة استقرار ليبيا وصون وحدتها وسيادتها.
وفيما يختص بالتدخلات العربية في الشأن الليبي، فإن تجارب الأمس بدءا من التدخل المصري في اليمن، ومرورا بالتدخل العراقي في الكويت والتدخل السوري في لبنان لم يقد أي منها إلى شكل مستدام لنفوذ عربي على بلد عربي آخر، ولا يتصور أن تقود التدخلات العربية الحالية في الشأن الليبي أو الشأن اليمني إلى نتيجة مغايرة.
بيد أن التدخل التركي لابد أن يحسب له حساب آخر في ضوء الوجود العثماني في ليبيا بدءا من عام 1551 وانتهاء باتفاقيتي لوزان في 18/10/1912 و 24/06/1923 بين تركيا وايطاليا اللتين تنازلت بمقتضاهما تركيا عن حقوقها في ليبيا لمصلحة ايطاليا. هذا الوجود التركي الذي قارب الأربعة قرون ربما كان الحافز في أن تتقدم تركيا بالاشتراك مع الارجنتين في 11/11/1950 بمشروع قرار أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول مسألة الحدود الليبية في ضوء قرار هذه الجمعية بمنح ليبيا استقلالها في أجل لا يتعدى 01/01/1952. وقد كان قيام تركيا بهذه الخطوة ذا دلالة مهمة لأن بعض هذه الحدود تم وضعها من خلال اتفاقيات كانت تركيا طرفا فيها مثل الاتفاقية مع فرنسا التي كانت تحتل تونس الموقعة بتاريخ 19/05/1910 حول الحدود الليبية التونسية. أما الحدود الجنوبية فهي تستند إلى اتفاقيات فرنسية ايطالية بينما تستند الحدود الشرقية الى اتفاقيات بريطانية ايطالية، كما أن هذا التشابك الطويل الأمد في العلاقات الليبية التركية ربما كان وراء أن تكون تركيا وجهة أول زيارة خارجية يؤديها الملك ادريس عقب الاستقلال، وربما في هذا الإطار أيضا جاء وقوف ليبيا في عهد معمر القذافي مع تركيا إبان غزوها لشمال قبرص عام 1974.
وإزاء التدخل التركي المعاصر في ليبيا وغيره من التدخلات تسود المواقف العاجزة لنجوم السياسة الليبية المعاصرة التي تقوم على الانكفاء إلى الخلف وترك دفة قيادة الشؤون الاستراتيجية الوطنية لقوى خارجية من وراء الحدود أو من وراء البحار، لكي يكمل المحللون السياسيون والعسكريون المشهد مطلقين العنان لعقول لا تكاد تعقل، وألسنة حداد تملأ الفضاءات الالكترونية ضجيجا لمحاولة فهم ما إذا كان هذا التدخل أو ذاك قد تم بضوء أخضر أو أصفر، أو هكذا بدون أية اضواء مرورية من قبل سادة البيت الأبيض.
وبعيدا عن هذا المنطق التحليلي العتيد فإن أي متابع بسيط لشؤون ليبيا ذلك البلد الملتهب الذي تتلاطم حوله الامواج العاتية أن يلاحظ أن الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين تصدوا لمحاولات الوجود الروسي في ليبيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولا يمكن استنتاج أن هذا الموقف قد يتغير الان، كما انهم ليسوا بحاجة الى التعبير عن هذا التصدي من خلال قوى اقليمية سواء كانت تركيا أو غيرها، خاصة وأن العلاقات التركية الأمريكية علاقات معقدة من السذاجة اختزالها في فكرة أن تكون تركيا مجرد كلب حراسة يحمي المصالح الامريكية ويردع المصالح الروسية.
أردوغان يدرك جيدا أن عجلة الزمن لا تعود إلى الوراء، وأن استعادة ما كان يعرف بالخلافة العثمانية أمر غير قابل للتحقق بالنسبة لتركيا مثلما تكون استعادة الماضي مستحيلة بالنسبة لكل امبراطوريات الامس البريطانية منها والفرنسية والألمانية واليابانية والنمساوية – المجرية وغيرها. من هنا يكون الغرض الحقيقي لأردوغان يتمثل في حجز مكان جديد لتركيا في عالم ما بعد ازمة كورونا من خلال الانتشار الاستراتيجي في سوريا والعراق وقطر وليبيا وقبرص والصومال واليمن.
هذه السياسة- مثلها مثل أي سياسة أخرى – تعبير عن القوة؛ فالقوي هو من يسعى دائما إلى محاولة التأثير في الآخرين، أما الضعيف فلا يملك إلا أن يكون ضحية تنافس الأقوياء.
أما حالة الضعف الليبية فهي ليست بدعة، وهي حالة يمكن أن تتعرض لها أي دولة في بعض مراحل حياتها؛ لكن أسوأ ما يمكن أن يحدثه أهل أي بلد ضعيف مرحليا هو اتخاذ قرارات وتنازلات مصيرية خلال مثل هذه الفترات الاستثنائية بغض النظر عن الجهات والأطراف التي تُبرم معها.
كان يمكن للسلطات الليبية مثلا عدم حسم موضوع شريط أوزو من خلال القضاء الاختياري لمحكمة العدل الدولية عام 1990 وترك المسألة معلقة أمام الأجيال القادمة تتعامل معها حسب الظروف والمستجدات السياسية، لكن قرار إحالة الموضوع الى محكمة العدل الدولية في اعقاب الانتكاسة العسكرية في تشاد، والاخفاق في تقديم الدفاع القانوني الناجع وصدور الحكم لصالح تشاد عوامل أنهت إلى الأبد احتمالات تمتع جغرافية ليبيا بموقع استراتيجي هام يزخر بثروات طبيعية هائلة يمكن أن تشكل مصدر دخل مهم لشعب ليبيا خلال مرحلة ما بعد النفط.
فترات الضعف المرحلي أو غير المرحلي لأي بلد يسودها عادة التشرذم والتمزق والتخندق مصحوبة بالتنازع حول مسألة الشرعية؛ لكن الأطراف المتنازعة أو المتناحرة تتناسى أن الشرعية بغض النظر عن مصدرها ليست في حد ذاتها برهانا على الطهر السياسي أو القداسة السياسية لأنها لا تشكل على الاطلاق ضمانا بأن الجهات الشرعية تتخذ دوما أو بالضرورة قرارات شرعية، ويعلم الجميع أن الحزب النازي مثلا وصل إلى سدة الحكم عبر انتخابات برلمانية كان لها وفق المعايير الديمقراطية كل الشرعية، لكن ذلك لم يمنع هتلر وحزبه النازي من اتخاذ قرارات تنتهك كل قواعد الشرعية التي أوصلته إلى السلطة.
وانطلاقا من هذه الإشكالية جاءت عملية الإجراءات الدستورية لعزل الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية إذا ارتكب أعمالا تضر بأمن الدولة وسلامتها رغم اكتسابه الشرعية الديمقراطية عبر العمليات الانتخابية.
من هنا نجد أن التنافس في تقديم تنازلات تخرق السيادة الوطنية من قبل مختلف الأطراف المتنازعة على الشرعية في ليبيا ينسف مشروعيتها من أساسه، وإذا كانت هذه الجهات المتنافسة لا تثق في أن تكون أي من المؤسسات التشريعية أو القضائية الوطنية مرجعية للحصول على شرعية وجودها وقراراتها؛ فإن الاطار الوحيد المتبقي هو عرض قراراتها السياسية ذات العلاقة بالتدخل الاجنبي على استفتاءات وطنية عامة.
وفي هذا المضمار لا بد من تذكير مختلف الاطراف السياسية الحاكمة حاليا في ليبيا بمقولة شهيرة للفيلسوف التشيكي الراحل (ياروسلاف لانجر) في كتابه “حدود السلطة”: “إن السلطات الحاكمة في أي بلد لا بد لها أن تدرك أن اعتلاء سدة السلطة، والسيطرة على مقاليد الأمور لأي شعب مسألة عابرة وهي تماثل تماما من يعتلي ظهر الأسد، فمن الممكن أن يبقى لبعض الوقت في عليائه، لكنه قابل دوما لأن يصبح وبسرعة لا يتوقعها غذاءً شهيا لهذا الأسد.
الله الخالق جل علاه يمهل ولا يهمل، والشعوب التي تسكن ارض الله قد تبدو للطامعين واعوانهم من انتهازيي السياسة هادئة وادعة ولكنها قابلة في أي وقت وحين ان تتحول الى سيل عرم يجرف كل المفرطين في سيادته والمتاجرين بأرزاقه ومقدراته. الشعوب هي التي تصنع العلامات الفارقة في تاريخها، وهي التي ترسم بعرقها ودمها ودموعها الخطوط الحمراء وغير الحمراء في أي مكان من تراب الوطن. خط سرت الأحمر لعام 2020 بالنسبة للشعب الليبي لا يجب له ان يكون الا امتدادا لخط سرت الأحمر الذي دشنه المجاهدون الليبيون في 21 يناير 1922 ( من أجل تحقيق وحدة أراضي الآباء والأجداد) مثلما نص على ذلك القرار الصادر عن مؤتمر سرت، وهو ما يعني ان حدود ليبيا التاريخية شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا هي الخط الأحمر الذي ينبغي ألا يسمح الليبيون لأي معتد اثيم بتجاوزه لأنه ليس مجرد خط من خطوط السياسة؛ بل خط السيادة المقدس للشعب وللوطن.