سياسة

من باماكو إلى نيامي.. كيف تقلّصت خريطة النفوذ الفرنسي في أفريقيا؟


بفوزه، تتجه الأنظار إلى الحسن واتارا، الرئيس الإيفواري آخر حلفاء فرنسا بغرب أفريقيا وما إن كان مد القطيعة سيجرف القاعدة الخلفية لباريس.

والإثنين، أُعيد انتخاب الحسن وتارا رئيسا لكوت ديفوار لولاية رابعة بغالبية ساحقة، بعد عملية اقتراع استُبعدت منها أبرز شخصيتين معارضتين.

ويعتبر خبراء متخصصون في الشأن الأفريقي والعلاقات الفرنسية–الإيفوارية أن إعادة انتخاب واتارا لولاية رابعة، تعيد تثبيت موقعه كأقوى شريك سياسي لباريس في القارة السمراء، في وقت يتقلص فيه النفوذ الفرنسي بشكل غير مسبوق خصوصا بمنطقة الساحل.

كما يعتقدون أن بقاء واتارا في الحكم لا يرتبط فقط بالبعد السياسي، بل بالمصالح الاقتصادية والعسكرية التي تجعل كوت ديفوار آخر موقع متقدم لفرنسا في غرب أفريقيا، بعد خسارتها مالي وبوركينا فاسو والنيجر لصالح النفوذ الروسي.

«الضمانة الأخيرة»

يرى أوليفييه كوتشينوت، الباحث المتخصص في غرب أفريقيا بمعهد الدراسات السياسية في بوردو، أن العلاقات بين الحسن واتارا والطبقة السياسية الفرنسية ليست مجرد علاقة دبلوماسية عادية، بل هي “شبكة مصالح تمتد لخمسة عقود”.

ويقول كوتشينوت، في حديث لـ”العين الإخبارية”، إن “واتارا ليس مجرد حليف لفرنسا، بل يحتفظ بعلاقة مباشرة مع جميع الرؤساء الفرنسيين المتعاقبين: من نيكولا ساركوزي إلى فرانسوا هولاند، ثم إيمانويل ماكرون”. 

وتابع:” بالنسبة لباريس، هو شريك موثوق يمكن التحدث معه في ملفات الهجرة والإرهاب والاستثمارات”.

وأشار كوتشينوت إلى أن مكانة واتارا لم تتشكل بعد وصوله للرئاسة فقط، بل منذ عمله سابقا مديرا تنفيذيا في صندوق النقد الدولي، ما جعله جزءًا من الدوائر المالية الغربية.

وبحسب الخبير، فإنه “بينما خرجت فرنسا سياسيا وعسكريا من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بقيت كوت ديفوار آخر قاعدة خلفية”.

ولفت إلى أن “الجيش الفرنسي ما زال يحتفظ بقوات ومقار لوجستية في أبيدجان (مدينة إيفوارية)، والشركات الفرنسية هي المستثمر الأول في البلاد، من الاتصالات إلى الطاقة والموانئ”.

واعتبر  كوتشينوت أن باريس تدرك أن رحيل واتارا سيعني دخول أبيدجان مرحلة من عدم اليقين، مشيرا إلى أن “فرنسا تخشى سيناريو شبيه بمالي: تغيير سلطة، صعود نخب جديدة معادية للوجود الفرنسي، وانفتاح على روسيا أو الصين”. 

وخلص إلى أنه “لذلك ترى باريس أن استمرار واتارا هو حل استراتيجي، حتى لو واجه انتقادات داخلية بشأن مدة البقاء في الحكم”.

مد القطيعة

على الجانب الآخر، يقول إيف كوامي كوبي الباحث في جامعة فليكس هوفويه-بوانيي في أبيدجان، إن”الفرنسيين ينظرون إلى واتارا كحليف استراتيجي، لكن غالبية الشباب الإيفواري باتوا ينظرون إليه كرمز للنفوذ الفرنسي القديم”. 

وأضاف: “الاقتصاد الإيفواري يعتمد بقوة على الاستثمارات الفرنسية، لكن المزاج الشعبي تغيّر. هناك طبقة اجتماعية جديدة مستعدة للذهاب نحو شركاء آخرين بمن فيهم روسيا والصين”.

وحول مستقبل العلاقات بين فرنسا وكوت ديفوار، توقع الخبير أن “تستمر طالما بقي واتارا”.

لكن المشكلة- كما يعتقد كوبي- “ليست اليوم، بل في اليوم التالي لرحيله واتارا” عن الحكم.

وحذر من أن “أفريقيا تتحول، والجيل الجديد في كوت ديفوار لا يريد علاقة أبوية مع باريس، بل علاقة متكافئة. إذا لم تغير فرنسا أسلوبها، ستخسر كوت ديفوار كما خسرت مالي والنيجر”.

استثمارات

تحتفظ الشركات الفرنسية بأكبر محفظة استثمارات في كوت ديفوار، بما يشمل: شركات الاتصالات والطاقة، والموانئ والمطارات، والبنية التحتية، والمصارف والبنوك.

كما تبقى باريس الشريك العسكري الأول، وتستخدم أبيدجان كنقطة ارتكاز لقواتها المنسحبة من مالي والنيجر.

زر الذهاب إلى الأعلى