سياسة

هل تسلل الخطاب الإخواني إلى سيناريوهات هوليوود؟


كشفت المحامية والباحثة الأمريكية ديبورا ويس، في دراسة أجرتها أخيرًا بعنوان “Islamist Influence in Hollywood”، كيف تحاول جماعة الإخوان المسلمين استغلال الصناعة الفنية لنشر سرديتها المشفرة.

وقالت ويس: “لا رصاص ولا تفجيرات ولا صخب شعارات، ما يحدث هو اختراق ناعم، تمارسه جماعة الإخوان المسلمين داخل الصناعة الفنية الأضخم في العالم، حيث تتحوّل الكاميرا من أداة فنّ إلى أداة دعوة، ومنصة لبث سردية مشفّرة، وفق (العين الإخبارية).

وبحسب ويس، فإنّ جماعة الإخوان تمارس ما تصفه بـ “عمليات التأثير الناعمة”، حيث تصبح السينما والتلفزيون ومنصات الإعلام أدوات لخدمة سردية تسعى إلى إعادة تعريف الجماعة في المخيلة الغربية، لا باعتبارها تيارًا عقائديًا متشددًا، بل كممثل للتسامح والاعتدال. والهدف هو غسل ذاك الربط القديم بينها وبين العنف، وتقديمها في هيئة الضحية.  

وتابعت ويس: “لكنّ هذه العمليات لا تمرّ عبر صالات التحرير أو مؤتمرات النقاش المفتوح، بل تجري خلف كواليس الإنتاج، عبر واجهات مدنية وحقوقية، بعضها يظهر كمنظمة ثقافية، وبعضها الآخر كهيئة حقوقية أو منصة لتعليم السيناريو و”محو الصور النمطية”. هناك تُعاد كتابة الحكايات، وتُمنح الشخصيات أسماء جديدة، وتُحذف مشاهد، وتُضاف أخرى، كل ذلك من أجل تمرير الرسالة بسلاسة لا تثير الشك”.

وأشارت ويس إلى وثيقة داخلية خطيرة بعنوان “المذكرة التفسيرية”، تعود إلى عام 1991، أعدّها قياديون من الإخوان في أمريكا، وقد قُدّمت لاحقًا كدليل إدانة في قضية “مؤسسة الأرض المقدّسة” المتصلة بتمويل الإرهاب. تقول الوثيقة بوضوح غير قابل للتأويل: “مهمتنا في أمريكا هي تدمير حضارتها من الداخل، بأيدي أبنائها، وبمساعدة المؤمنين، حتى تسود شريعة الله”، هذه الخطة تنفذ عبر أدوات دقيقة: تشكيل تحالفات مع تيارات اليسار، واختراق الإعلام، والتأثير على التعليم، والوصول إلى النخب الثقافية.

وحددت ويس (3) أدوات رئيسية تستخدمها الجماعة للاختراق الثقافي في أمريكا، هي: الرقابة الناعمة، حيث لا يُسمح بظهور الجماعة في صورة سلبية. وإذا حدث، تُطلق حملات تصف العمل بـ “العنصري” و”المشوّه لصورة المسلمين”، رغم أنّ النقد غالبًا ما يستهدف سلوكًا أو فكرًا سياسيًا، لا عقيدة دينية. والشكوى تتحول إلى ضغوط، والضغوط إلى حذف وتعديل.

ومن الأدوات أيضًا التضليل المعلوماتي، حيث تُقدَّم الجماعة للمؤلفين والمنتجين على أنّها حركة إصلاحية، عبر ورش عمل واستشارات مغلفة بالابتسامة والانفتاح، لكنّها تُخفي وراءها خطابًا إيديولوجيًا صارمًا، وهكذا لا يعود الجمهور يرى الإخوان كتيار سياسي، بل كأبرياء يُساء فهمهم.

أمّا بما يتعلق بالاختراق المؤسساتي، وفق ويس، فقد تمّ تدريب عدد من الشباب وتأهيلهم وتقديمهم لصناعة الترفيه الأمريكية، يظهرون كمبدعين موهوبين، بينما يحملون في جيوبهم سردية جاهزة يُعاد بثها على هيئة فيلم أو مسلسل أو وثائقي.

وأكدت ويس أنّ الأمر لا يقتصر على الأفلام الوثائقية أو السياسية، بل يتسلل التأثير إلى الكوميديا، والدراما العائلية، وحتى أفلام الأطفال، والضغوط لا تأتي من الداخل الأمريكي فقط، بل من تهديدات دولية بالمقاطعة، وحرمان الأفلام من العرض في بلدان ذات أغلبية مسلمة.

وتعتمد الجماعة ـ كما تصفها ويس ـ على ارتداء عباءة “الضحية الدائمة”، فتتحول إلى منبر يستدر العطف ويُقصي النقد. وأيّ عمل فني يقترب من بنية الإخوان، يُتهم بالإسلاموفوبيا، حتى لو كان مجرد تحليل سياسي أو كان تفكيكًا لفكرة تنظيمية، وهكذا تُغلق المساحة أمام الحوار، ويُكمّم النقاش، ويصبح مجرد السؤال شبهة.

وتخلص ديبورا ويس في دراستها إلى أنّ كل منصة ثقافية يمكن أن تُستثمر في معركة سردية تخدم التنظيم، وأنّ أيّ فضاء ثقافي يبدو متنوعًا، لكنّه في الواقع محكوم بسردية واحدة، تُجمّل صورة الجماعة، وتُقصي خصومها.

والأخطر، كما تؤكد الباحثة، أنّ جيلًا كاملًا من الشباب الغربي نشأ على هذه السردية المشوشة، التي لا تفرّق بين الدين كعقيدة، والتنظيم كأداة سياسية. وأصبحوا يرون الإخوان كمجموعة إصلاحية، لا كحركة ذات أذرع متشابكة في مناطق النزاع، ولا كتنظيم تربطه صلات فكرية وتنظيمية بجماعات أكثر تطرفًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى