كرة القدم من مجرد هواية إلى صناعة تدر أموال
يحصل لاعبو كرة القدم حول العالم على رواتب هائلة، تجعل ممارسة كرة القدم بشكل احترافي واحدة من أفضل الوظائف في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من المبالغ الخرافية التي يتقاضها نجوم الكرة، بعدما تحولت اللعبة إلى صناعة تدر أموالا، إلا أن الأمر لم يكن كذلك في بداية ظهورها، حيث أنها كانت مجرد هواية لا يحصل من يمارسها على مقابل.
من الهواية للاحتراف
ظهرت كرة القدم في بريطانيا في بداية القرن الـ19، وكانت في البداية مجرد لعبة تمارس في الشوارع قبل أن يتم تقنينها وتنظيمها بمرور السنوات.
بداية ظهور الشكل المنظم لكرة القدم كان في المدارس والأندية التي لم تكن تعرف معنى اللاعبين المحترفين، فيتم تشكيل النادي من مجموعة من اللاعبين الموهوبين، الذين يلعبون الكرة كهواية، فيما يعتمدون على وظائف أخرى لكسب الرزق.
وفي عام 1884 فاز بريستون نورث إند على لندن أبتون بارك في كأس الاتحاد الإنجليزي، وبعد اللقاء اشتكى الأخير لاتحاد كرة القدم من أن بريستون كان يضم لاعبين محترفين يحصلون على أجور مقابل اللعب، وهو ما اعترف به النادي.
تصرف بريستون نورث إند قوبل بمعارضة من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، وتم طرده من المنافسة عقابا له، لكن في العام التالي مباشرة غيّر اتحاد الكرة رأيه، واعتبر أنه من مصلحة اللعبة توظيف لاعبين محترفين تحت قيود محددة.
كان من بين تلك القيود، الدفع فقط للاعبين المنتمين للمدينة التي تضم النادي، ويتم اعتبارهم كذلك إذا ولدوا أو عاشوا لمدة عامين في دائرة نصف قطرها 6 أميال من المدينة.
أجور زهيدة
وبناء على القواعد الجديدة، كان بلاكبيرن روفرز أول ناد يسجل نفسه كفريق محترف، وأنفق ما مجموعه 615 جنيها إسترلينيا لدفع أجور لاعبيه في موسم 1885-1886، وهو ما يعادل 83 ألف جنيه إسترليني حاليا وفقا لحسابات التضخم.
في هذا الوقت كان النجوم الكبار يتقاضون 1 جنيها إسترلينيا في الأسبوع (ما يعادل 135 جنيها حاليا)، فيما كان نادي وست بروميتش ألبيون على سبيل يدفع للاعبيه المحترفين 10 شلنات أسبوعيا (1/10 من الجنيه)، دون مكافآت أو نفقات.
وقبيل نهاية القرن الـ19، ظهرت مقترحات لفرض حد أقصى للأجور، بحيث لا يحصل اللاعب على مبلغ يتجاوز 4 جنيهات إسترلينية في الأسبوع، وفي ذلك الوقت، كان معظم اللاعبين محترفين بدوام جزئي، أي أنهم يعملون في وظائف أخرى.
في المقابل كان هناك معارضة لهذا المقترح، حيث أن عددا قليلا من اللاعبين يحصلون على ما يصل إلى 10 جنيهات إسترلينية في الأسبوع، ما يعني أن وضع حد أقصى للرواتب سيشكل تهديدا خطيرا لدخلهم، وهو ما تسبب في ظهور نقابات اللاعبين، التي عملت على الدفاع عن حقوقهم، والسعي لرفع أجورهم.
نقابة اللاعبين كان لها الدور الأبرز في رفع الأجور بشكل مستمر، فضلا عن صرف مكافآت حال تحقيق نتائج إيجابية أو الفوز بألقاب، وذلك بعد صراعات مع عدة جهات، من بينها الأندية، واتحاد كرة القدم، علما بأن الأندية التي كانت مملوكة لشركات صناعية أو رجال أعمال في ذلك الوقت كانت تدفع للاعبيها بسخاء.
ويختلف الأمر في الدول الأخرى التي انتقلت إليها كرة القدم أن قضية رواتب اللاعبين لم تمر بكل تلك المراحل، حيث أن اللعبة ظهرت في الدول الأخرى بعدما أصبحت احترافية أو نصف احترافية.
العرض والطلب
وبعد ظهور عقود الرعاية والإعلانات منذ منتصف القرن الماضي، زادت مصادر دخل الأندية، وهو ما انعكس على الرواتب التي تدفعها للاعبين، وأيضا على المبالغ التي تنفقها لإبرام صفقات جديدة.
مؤخرا نشر الموقع الرسمي لبنك إنجلترا تقريرا يحلل فيه أسباب ارتفاع رواتب لاعبي كرة القدم، وأرجع ذلك لوجود ملايين اللاعبين المحترفين في الوقت الحالي، في الوقت الذي تناقصت فيه المواهب، ليصبح الأمر شبيها بالعرض والطلب في التجارة.
وأشار التقرير إلى تزايد الطلب على لاعبي كرة القدم الموهوبين، لأنهم يرفعون من فرص الفريق في الفوز بالألقاب، ما يعني جني مزيد من المال من حقوق البث ومبيعات المنتجات والتذاكر، وبهذا يكون تقديم أعلى الأجور هو أول ما ينتج عن تنافس الأندية على ضم أفضل اللاعبين.
طوق نجاة
يمكن القول إن ممارسة كرة القدم بشكل احترافي قدمت طوق النجاة لعدد من النجوم الكبار حاليا، على رأسهم الأرجنتيني ليونيل ميسي، نجم باريس سان جيرمان حاليا وقائد برشلونة السابق، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، نجم مانشستر يونايتد، الذين عاشوا فقرا مدقعا في طفولتهم.
ميسي ولد في أسرة فقيرة، وعانى في طفولته من مرض تأخر النمو، وكان يحتاج لحقنة باهظة الثمن من أجل أن ينمو جسده بشكل طبيعي، وتمكن من العلاج وممارسة كرة القدم بعد انضمامه إلى أكاديمية “لاماسيا” التابعة لبرشلونة مطلع الألفية الحالية.
في المقابل فإن والدة رونالدو كانت ترغب في إجهاضه عندما كان جنينا، لعدم قدرة الأسرة على إعالة طفل آخر، قبل أن يصبح هذا الطفل واحدا من رموز كرة القدم، وأحد أغنى اللاعبين ورواد الأعمال في الوقت الحالي.
وبجانب ميسي ورونالدو، روى المئات من نجوم كرة القدم حكاياتهم مع الفقر قبل أن تتسبب “الساحرة المستديرة” في ثرائهم، منهم على سبيل المثال لا الحصر البلجيكي روميلو لوكاكو، والتشيلي أليكسيس سانشيز، والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش، والبرازيلي مارسيلو، وغيرهم.