سياسة

مطالبات بتحمّل المصارف اللبنانية خسائر الانهيار


طالب نائب رئيس الوزراء اللبناني سعادة الشامي البنوك اللبنانية أن “تبدأ أولا” في تحمل الخسائر الناجمة عن الانهيار من خلال رؤوس أموالها.

ونفى الشامي في مقابلة مع “رويترز” ، أن تعتمد الدولة على صندوق سيادي أو احتياطيات الذهب لتعويض المودعين الذين فقدوا مدخراتهم.

وأضاف “لن نطبق مبدأ روبن هود بشكل عكسي، ونأخذ من الفقراء لنعطي للأغنياء- هذا غير مقبول”، داعيا البنوك إلى “تقديم تضحيات قبل المس بأي مودع”

وأفاد الشامي بأن الحكومة تهدف إلى إعادة ما يصل إلى 100 ألف دولار من مدخرات المودعين بمرور الوقت، والتي قال إن البنوك اللبنانية تملك أصولا بالعملة الأجنبية لتغطيتها من خلال “احتياطيات البنك المركزي والسيولة في النظام المصرفي وودائع البنوك المراسلة والقروض للقطاع الخاص، من بين أمور أخرى”.

ولم يستطع تحديد ما إذا كانت الأصول المادية للبنوك يمكن أن تسهم في ذلك، لكنه نفى تقارير إعلامية تفيد بأن الحكومة قررت استخدام احتياطيات الذهب لتعويض المودعين.

وقال الشامي إنه منفتح على فكرة إنشاء صندوق ثروة سيادي لإدارة أصول الدولة على نطاق واسع، لكنه يعارض دمج هذه الإيرادات في خطة السداد لأنها لن تكون كافية لسد الفجوة في الخسائر.

وأضاف أنه بدلا من ذلك، ستساهم الحكومة بمبلغ 2.5 مليار دولار في صورة سندات طويلة الأجل يمكن إضافتها إلى الميزانية العمومية للبنك المركزي.

وقال الشامي إن تغيير الخطة التي تقدمت بها الحكومة “غير منطقي” بالنظر إلى الدعم الذي تلقته بالفعل من صندوق النقد والمجتمع الدولي.

وذلك بعد معارضة وزراء محسوبين على “حزب الله” على الخطة الحكومية ومطالبتهم بمراجعتها بعد تشكيل حكومة جديدة، بحيث ان الحكومة الحالية اصبحت حكومة تصريف اعمال فقط مع بدء ولاية المجلس النيابي الجديد.

وأضاف “استنادا إلى حجم الاحتياطيات التي لدينا الآن، وهي عشرة إلى 11 مليار دولار، وبافتراض متوسط إنفاق يتراوح بين 400 و500 مليون دولار شهريا… نجد أن الاحتياطيات قد تنفد خلال بضعة أشهر”.

وذكر الشامي أن السبيل الوحيد للتعافي هو أن يقر مجلس النواب اللبناني بسرعة “حزمة قوانين”- من بينها ضوابط رأس المال وقانون السرية المصرفية المعدل وخطة إعادة الهيكلة المصرفية- التي ستتيح الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي.

وقال إنه سيبدأ الاجتماع مع النواب قريبا لحثهم على إقرار القوانين سريعا، مضيفا أن “التقاعس عن التحرك لم يعد خيارا بالنسبة لنا”.

وشنّت جمعية مصارف لبنان هجوماً شرساً على خطة التعافي التي أقرتها الحكومة، ما استدعى الرد من نائب رئيس الوزراء.

 وحرضت الجمعية في بيان لها المودعين على الدولة باعتبارها “ألغت الودائع بجرة قلم”، في اعتراض منها على ما تضمنته خطة التعافي من إلغاء جزء من التزامات مصرف لبنان لصالح المصارف بالعملات الأجنبية.

وجدّدت جمعية المصارف رفضها لخطة التعافي قائلة إنها “كُتِبت بأموال المودِعين وأموال المصارف، وهي تقف صفّاً واحداً مع المودِعين لرفض هذه الخطة التي لا نهوض فيها سوى في اسمها”.

وبدأ التراجع الاقتصادي في لبنان في عام 2019، لكنه تسارع في ربيع عام 2020 عندما تخلف عن سداد سندات خارجية قيمتها 1.2 مليار دولار. وقال الشامي إن البنك المركزي أنفق منذ ذلك الحين نحو نصف احتياطيات لبنان من النقد الأجنبي لدعم الليرة ودعم السلع، ومنها القمح والأدوية.

رد على خطة الحكومة

 ونشرت المؤسسة البحثية “كلنا إرادة”، ورقة اقتصادية فيما يخص “النقاش حول توزيع خسائر النظام المالي.

 وبحسب المؤسسة، يتسم القطاع المصرفي اللبناني بتركّز شديد في ودائعه، بحيث يستحوذ 1 في المئة من المقيمين بالودائع الكبيرة التي تتخطى قيمتها 200 ألف دولار أميركي. وبالتالي، فأي استعمال لأصول الدولة لإطفاء الخسائر المصرفيّة، وتسديد الودائع، يعني- فضلًا عن تحييد أصحاب الرساميل عن الخسائر- تحويل الثروة المملوكة من الدولة باتجاه الحلقة الضيّقة الأثرى في المجتمع، ما يمثّل خطوة غير منصفة في بلد يتسم أساسًا بتركّز شديد للثروة.

وأشارت الورقة إلى أنّ أكثر من نصف المجتمع بات اليوم خارج النظام المصرفي، واستعمال أصول الدولة على هذا النحو يحرم الاقتصاد المحلّي من موارد شديدة الأهميّة، يُفترض أن يتم توظيفها لنهضة الاقتصاد ككل، لا حصر عوائدها بحلقة ضيّقة من المستفيدين.

وركزت الورقة الورقة على الرد على بعض المغالطات في خطة الحكومة، التي تربط ما بين الخسائر ومسؤوليّة الحكومة عن التعويض على المصارف. فالخسائر المصرفيّة مرتبطة بغالبيّتها الساحقة بالعمليّات التي استهدفت تثبيت سعر الصرف. وهذا ما نتج عنه عجز كبير يُقدّر بنحو 60 مليار دولار. بمعنى آخر، تحاول الورقة هنا الفصل ما بين التزامات الحكومة اللبنانيّة، الناشئة عن الديون السياديّة التي سيتم إعادة هيكلتها، والخسائر المصرفيّة الناتجة عن عمليّات بينيّة، جرت بين مصرف لبنان والمصارف التجاريّة.

ولفتت الدراسة إلى أنّ قيمة الخسائر باتت تتجاوز اليوم حدود 70 مليار دولار، في حين أن كل أملاك الدولة الاستثماريّة والعقاريّة تتراوح قيمتها ما بين 11.6 و21.5 مليار. ولهذا السبب بالتحديد، لا يوجد سبب للتفاؤل بإمكانيّة سداد فجوة الخسائر المصرفيّة، عبر استخدام أصول الدولة على النحو المقترح اليوم.

وطرحت الورقة حلولاً، تبدأ أولًا من احترام تراتبيّة توزيع الخسائر وفقًا للأصول المعترف بها عالميًّا، والتي تبدأ أولًّا بتحميل المساهمين في القطاع المصرفي الشريحة الأولى من الخسائر. ولهذا السبب، تطالب الورقة الحكومة بالالتزام بهذه التراتبيّة، وفق أي مسار يهدف إلى التعامل مع الخسائر القائمة في الميزانيّات. وبعد شطب الرساميل، يُفترض أن يتم فرز الودائع الموجودة وتصنيفها، قبل تحديد طريقة التعامل معها، وفق فئات تلحظ ودائع الأفراد والشركات، وودائع اللبنانيين والأجانب، وودائع الأفراد وصناديق التقاعد، وهكذا دواليك.

وبعد فرز الودائع على هذا النحو، يمكن الانطلاق بعمليّة ردم الفجوة، من خلال العودة لاسترجاع الأرباح الموزعة خلال المراحل السابقة، والفوائد الفاحشة التي تم دفعها سابقًا. كما يمكن إجراء عمليّات اقتصاص مباشرة من الشريحة الأكبر من أموال كبار المودعين، خصوصًا الذي ينتمون إلى فئة المساهمين في المصارف. كما تقترح الورقة إجراء عمليّات ليلرة (تحويل من الدولار إلى الليرة) محدودة النطاق لجزء من الودائع، إضافة إلى تحويل تقسيط بعض الودائع الأخرى بموجب سندات طويلة الأجل، وتحويل جزء من الودائع إلى أسهم في القطاع المصرفي بعد شطب الرساميل القائمة اليوم.

في مقابل توزيع الخسائر على هذا النحو، تفترض الورقة وجوب ضمان أموال صغار المودعين والصناديق التقاعديّة حتّى أقصى حد، انطلاقًا من الموارد المتوفّرة اليوم، اضافة الى المحاسبة التي يُفترض أن تترافق مع أي عمليّة توزيع للخسائر، عبر إخضاع الودائع الكبيرة لعمليّات تدقيق تستهدف البحث عن مصدرها وإمكانيّة انطوائها على عمليّات تبييض أموال وكسب غير مشروع. كما تقترح الورقة إجراء عمليّة تدقيق شاملة للتحويلات التي جرت بعد 17 تشرين الأوّل، لتحديد المودعين النافذين الذي استفادوا من تحويلات استنسابيّة.

 ويعتبر الشامي هو العقل المدبر لخارطة طريق للتعافي الاقتصادي أقرتها الحكومة اللبنانية قبل أن تصبح حكومة تصريف أعمال الشهر الماضي.

وتشمل الخطة العديد من الإجراءات المطلوبة للإفراج عن تمويل دعم من صندوق النقد الدولي.

وتتضمن الخطة مراجعة كاملة للوضع المالي للبنك المركزي من خلال شركة الاستشارات (كي.بي.إم.جي) في الشهرين المقبلين وشطب لاحق “لجزء كبير” من التزاماته بالعملة الأجنبية تجاه البنوك.

محادثات صندوق النقد

وقال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس اليوم الخميس إن الصندوق عين ممثلا مقيما للبنان.

وأضاف رايس الذي لم يحدد من عُين في المنصب، أن صندوق النقد سيواصل محادثاته بشأن برنامج للإصلاح الاقتصادي مع لبنان.

وتوصل صندوق النقد إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع لبنان بشأن تسهيل مالي مدته أربع سنوات في أبريل نيسان. ولا يزال البرنامج معلقا على موافقة المجلس التنفيذي للصندوق، والتي لا يمكن أن تتم إلا بعد سلسلة من الإصلاحات.

وأشاد نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعادة الشامي، الذي كان يتفاوض مع صندوق النقد، بالقرار ووصفه بأنه “خطوة جيدة”.

وقال الشامي لرويترز دون أن يؤكد هوية الممثل “وافقت الحكومة على الفور عندما طُلب منها ذلك. سيجتمع مع جميع المسؤولين على أساس أسبوعي تقريبا وسيقدم تقريرا لواشنطن”. وأضاف أن الممثل، الذي سيصل إلى لبنان هذا الشهر، سيقدم أيضا الدعم الفني.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى