مخاوف من دخول الحوثي على خط أزمة «فتنة مأرب»
تسود مخاوف كبيرة في مأرب اليمنية من دخول مليشيات الحوثي على خط أزمة تفجرت بين القبائل والسلطة المحلية في المحافظة.
ومنذ أسبوع، تحتشد قبائل مأرب وعلى رأسها قبيلة عبيدة التي تستوطن مديرية الوادي، حيث تقع حقول النفط والغاز ومنشأة صافر الحيوية، في بلدة “العرقين” في مطارح (تجمع قبلي)، احتجاجا على تحريك أسعار صفيحة البنزين من 3500 ريال (2,5 دولار) إلى 8 آلاف ريال يمني (نحو 5,5 دولار).
وعلى إثر ذلك، اندلعت اشتباكات عنيفة ومتقطعة بين قوات حكومية من جهة والقبائل من جهة أخرى، ما أوقع قتلى وجرحى من الطرفين، إذ تتمسك القبائل بإسقاط ما سمته “الجرعة” (زيادة أسعار البنزين) فيما تصر سلطات مأرب على تحريك أسعار البنزين.
وهددت اللجنة الأمنية والعسكرية بمأرب بوضع قائمة سوداء لـ”العناصر التخريبية”، في إشارة للقبائل، واتهمتها بالوقوف خلف قتل 3 جنود وسائق ناقلة وإحراق شاحنة، وتفجير أنبوب نفط خدمة لجهات معادية لأمن واستقرار المحافظة.
بدورها، نفت القبائل التي تلعب دورا محوريا في الدفاع عن مأرب، تلك التُهم، وحذرت من دخول طرف ثالث على خط الأزمة (الحوثي). كما اشتكت القبائل من سيطرة جماعة الإخوان على المحافظة الغنية بالنفط والغاز وعدم استفادتها من العوائد التي تٌنهب تحت يافطة خضوع الثروة النفطية للسلطة المعترف بها.
ودفع ذلك، رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي للاجتماع في 26 ديسمبر/كانون الأول الجاري، مع الشيخ ناصر بن علي بن عوشان الذي يتصدر هذه الاحتجاجات، لكن الأخير تمسك بإسقاط “الجرعة” قبل تدخل عضو المجلس الرئاسي عثمان مجلي وطلب مهلة زمنية لمعالجة الأوضاع.
ورقة القبلية
وكانت الحكومة اليمنية قررت تحريك سعر اللتر من مادة البنزين إلى (400) ريال للتر الواحد أي ما يعادل 8 آلاف ريال لصفيحة 20 لترا، وهو سعر معمول به في مأرب فقط، حيث تصل الأسعار خارج مأرب إلى 26 ألف ريال يمني أي نحو 17 دولارا لذات الكمية.
وبررت الحكومة اليمنية قرارها، بأنه ضمن إصلاحات واسعة وأن السعر السابق (3500 أي دولارين ونصف) ساهم في ازدهار السوق السوداء وانعدام المادة نتيجة للسحب المكثف من محافظة مأرب إلى خارجها.
وتقول مصادر محلية في مأرب إن مصفاة صافر تنتج من 9 إلى 20 برميلا يوميا يوزع منها تقريبا 20% في مأرب بسعر دولارين ونصف لصفيحة 20 لترا، فيما يذهب الباقي لبيعه في السوق السوداء بسعر يصل 17 دولارا لذات الكمية.
وبحسب المصادر، فإن توزيع المشتقات يتم عبر محطات (بعدد 128 محطة في الوادي) تابعة لنافذين من زعماء القبائل وقيادات إخوانية عليا، لكن 10 محطات فقط هي التي يتم تموينها بالسعر المخفض وتصطف أمامها يوميا طوابير السيارات.
واتهم نشطاء يمنيون الإخوان بإشهار ورقة القبيلة لتعطيل إصلاحات الحكومة اليمنية وخلق ذريعة لتمددهم في مديرية الوادي على حساب قبائل عبيدة التي ترفض أي وجود للقوات العسكرية والأمنية الموالية للإخوان.
وضع خاص لمأرب
من جهته، يرى مسؤول الدائرة السياسية في حزب المؤتمر الشعبي العام في محافظة مأرب، الشيخ عبشل الفتيني أن “المحافظة النفطية ذات أعلى نزوح في اليمن تحتاج إلى وضع خاص، وذلك بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة للمشردين نتيجة لعنف مليشيات الحوثي“.
وقال في تصريحات إن تحريك أسعار البنزين في مأرب شكل صدمة للسكان، ما جعلهم ينظرون إلى الإصلاحات الحكومية بأنها “جرعة سعرية جديدة”.
وأشار إلى أن خروج القبائل أدى إلى وقوع اشتباكات مع ألوية حماية الطرقات، وعززت القبائل صفوفها بالأفراد والأسلحة الخفيفة والثقيلة، لافتا إلى تعرض القبائل لهجوم بطائرة مسيرة أدى لسقوط قتلى وجرحى، وهو ما زاد التوتر.
ولفت إلى أن القبائل في المطارح يتمسكون بإسقاط “الجرعة”، في حين تتمسك الحكومة اليمنية بقرار التحريك وهو ما عقد الأوضاع، مشيرا إلى وجود أياد للإخوان خلف الاحتجاجات القبلية.
وعن مطالب قبائل مأرب، قال الفتيني إنه “يجب أن ترقى لمستوى المطالب الحقيقية والتمثيل في الحكم، وأن تتضمن رفع المرتبات التي باتت لا تساوي شيئا ولا يقتصر الأمر على المطالبة بإسقاط زيادة سعر النفط”.
وطالب الفتيني رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس الحكومة اليمنية، بالنظر في مطالب القبائل بجدية نظرا للظرف الراهن، محذرا من دخول طرف ثالث (إشارة للحوثيين) بهدف تفجير الموقف، وهو ما ظهر في استهداف صهريج مياه عسكري للمنطقة العسكرية السادسة وسقوط 3 جنود قتلى.
ونبه إلى أن الوضع أصبح مقلقا وسط جهود من قبل المجلس الرئاسي الذي قاد وساطة مع شيوخ قبائل عبيدة، مشيرا إلى أن انفجار الوضع في مأرب لن يخدم الجميع وسيصب في مصلحة مليشيات الحوثي التي تتربص بالجميع وتملك أيادي تستهدف تفجير الأوضاع.
من جهته، قال متحدث مطارح قبائل مأرب محمد ميقان، إن الحكومة اليمنية “قامت برفع سعر البنزين من 3500 دولار إلى 9250 ريالا بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2022 قبل أن تتراجع إلى 8 آلاف في قرارها الأخير الأسبوع الماضي”.
وأضاف أن “قبائل مأرب خرجت إلى منطقة العرقين، احتجاجا ضد هذه الجرعة والمطالبة بإعادة السعر القديم، وتخصيص حصة كاملة لمديرية وادي عبيدة المقدرة 300 ألف لتر عبر المحطات المعتمدة”.
ولم يعلق ميقان عن وقوف الإخوان خلف المطارح القبلية، لكنه دعا “المجلس الرئاسي إلى التحرك فورا وتدارك الموقف، وإسقاط الجرعة مراعاة لظروف المواطنين إثر انهيار العملة وارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة”.
“حلول لتفادي الفتنة”
في السياق، وضع رئيس مجلس شباب سبأ في اليمن خالد بقلان مجموعة من التدابير والحلول لتفادي “الفتنة في مأرب والتي تحتاج لمرونة وتعامل مسؤول من قبل المجلس الرئاسي والحكومة مع الرافض لرفع تسعيرة الوقود”.
وأكد أن أول تلك الحلول تبدأ باعتماد “قرار التسعيرة الجديد على أن تقوم السلطة المحلية في مأرب بتغطية فارق السعر لـ3 آلاف برميل يوميا توزع وفق آلية محددة لمحطات شركات النفط وعدد محدد من المحطات المعتمدة في المدينة والوادي”، وذلك من أجل قطع الطريق أمام الفتنة.
ودعا السياسي اليمني إلى “تُشكل لجنة رئاسية لعمل آلية لمراجعة الكمية من البترول المخصص للسوق المحلية في مأرب على أن تقوم بإلغاء كافة الاعتمادات لبعض المشائخ والقيادات الحزبية والعسكرية من هذه الكميات”.
وأكد أهمية “اعتماد 3 آلاف برميل فقط للسوق المحلية على أن تدفع السلطة المحلية الفارق أو تتقاسمه مع الحكومة، لأن اعتماد 9 آلاف برميل يوميا، وهو رقم كبير لا يباع منه سواء 30% منه بالسوق ويذهب الباقي للتهريب والسوق السوداء، ويتسبب في سحب النقد الأجنبي من مناطق الشرعية ويذهب للاستثمار وعمليات غسيل أموال والتطرف”.
وأشار إلى أن “إلزام السلطة المحلية في مأرب لتغطية فارق السعر أو جزء منه سوف يجعلها تضع آلية سليمة لضمان بيعه عبر المحطات للاستهلاك المحلي والحد من تسربه للسوق السوداء”.
ومن شأن خطوة مثل ذلك أن “يضع المسؤولية أمام الجميع ويكشف مدى جدية سلطات مأرب في العمل ضمن الشرعية، أم أنها لجأت لضغط من خلال القبيلة لتحقيق أهدف خاصة”، وفقا لرئيس مجلس شباب سبأ في اليمن خالد بقلان.
دعوة حكومية
في هذا الصدد، دعت الحكومة اليمنية أهالي مأرب لتفويت الفرصة على مليشيات الحوثي الإرهابية، والتي فشلت كل مساعيها ورهاناتها طيلة السنوات الماضية في إسقاط محافظة مأرب عسكرياً، لتلجأ للمؤامرات والدسائس.
وأكدت الحكومة على لسان وزير إعلامها معمر الإرياني، أهمية الاستفادة من دروس الماضي القريب، وعدم الوقوع فريسة لمخططات الحوثي ودسائسه، مستشهدة برفع مليشيات الحوثي 2014, شعار “الجرعة” للانقلاب.
كما أكد ثقة الحكومة اليمنية المطلق في أن مأرب أرض التاريخ والحضارة والكرامة والبطولة وقلعة الصمود والتحدي التي تصدت ببسالة للحوثيين، ستظل بتكاتف ووعي قياداتها ومشايخها وقبائلها وأبنائها، خط الدفاع الأول عن اليمن”.