لكن حين يرتبط الأمر بالداخل القطري والإنسان الذي لا حقوق له هناك، تغلق تلك المنصات الإعلامية القطرية أبوابها وتشرع في عملية تجاوز هاتيك الأخبار، ضاربة بشعار المهنية الصحفية الذي ترفعه عرض الحائط.
ومن الطبيعي القول بأن مسألة حقوق الإنسان بقطر تتجاوز في شكلها ومضمونها قضايا الإعلام أو سرديات الأخبار، لأن الأمر متعلق بحياة عشرات الألوف من البشر الذين يعيشون في قطر تحت نير عبودية فريدة من نوعها، سواء كانوا من العمالة الوافدة ومن مختلف الجنسيات، أو حتى مواطنين أصليين تم إسقاط الجنسية القطرية عنهم ظلماً وعدواناً بحسب الكثير من المنظمات الحقوقية المعروفة.
ولعل سائلاً يسأل: ما الذي يمنع الحكومة القطرية – التي تمتلك المال الوفير والإعلام ذا الانتشار الواسع والرشاوى الدائمة ذات الأثر السلبي في تزييف الواقع – من معالجة هذا الملف الإنساني الحساس والمزعج لنظام قطر الحاكم صباحاً ومساءً؟، والجواب بدون شك لا يكمن فقط في كنه النفاق السياسي والتناقض الإعلامي الذي تنتهجه الدوحة منذ انقلاب الابن على أبيه منتصف تسعينيات القرن الماضي، بل إضافة إلى ذلك تداخل شؤون الحكم القطري بعضها ببعض لدرجة ممارسة الحكومة القطرية نفسها أو مقربين منها لانتهاكات بحق الإنسان العامل أو المقيم أو حتى المواطن.
فحمد بن خليفة آنف الذكر دشن عهد انقلابه المشؤوم على والده فيما مضى بسحب الجنسية القطرية من مئات المواطنين القطريين الذين لاذنب لهم إلا تأييدهم لشرعية الأمير السابق، وعاقب حمد وقتها أبناء قبيلة الغفران عقاباً أدى لتشريد عشرات الأسر وحرمانهم من أبسط الحقوق التي كفلتها شرعة حقوق الإنسان في العالم، ولا أقول هنا الدستور القطري لأن هذا الدستور غير موجود أبداً، فتوجهات الحمدين ومزاج من يتبع لهم الحمدان من قوى الشر في المنطقة هي الأسلوب الذي تسير عليه قطر كدولة .
ومع حصول قطر في عهد حمد أيضاً على حق تنظيم كأس العالم ٢٠٢٠ بطرق مشبوهة اعترف بها الكثير من مسؤولي الفيفا السابقين والحاليين، جلبت الحكومة جيوشاً من العمال الآسيويين وغير الآسيويين، كي تسابق الزمن – كما تزعم – في بناء الملاعب والمرافق العملاقة التي ستستضيف البطولة الكروية الشهيرة، ومنذ ذلك الحين بدأت الشهادات الموثقة والتقارير المؤكدة تشرح للعالم بأسره بؤس من تم جلبهم، ومن ثم وضعهم في ظروف لا تليق بالآدميين.
والوجه القبيح في قطر والذي تريد الحكومة أن تخفيه، يكمن في تسول هؤلاء العمال المحرومين من أجورهم في شوارع المدن القطرية بحثاً عن شيء يسدون به رمقهم، ناهيك عن ضربهم وتعذيبهم في كثير من الأحيان، وإخفائهم قسرياً على يد أجهزة أمن قطرية متورطة، وفي مقدمتها جهازان أمنيان يتبعان للأمير الحالي تميم بشكل مباشر.
وإذا كان الحال هكذا في الشوارع القطرية، فإن المنازل ليست بأفضل حال، فالعاملات هناك تعرضن للأذى الجسدي واللفظي على مدار الساعة، و بعضهن تم اغتصابهن بشكل دوري من قبل أرباب البيوت، وهذه الوقائع على الرغم من قساوتها، أفردت لها ثلاث مراصد حقوقية عالمية صفحات يطول شرحها في هذا المقال أو حتى سرد متونها على عجل، فضلاً عن اعتراف رسمي قطري خجول ببعضها عندما تم نشر الحقائق للرأي العام العالمي خلال الأعوام القليلة الماضية.
والأسواء من كل ما أوردنا هو حرص النظام القطري على طمس الأدلة التي تؤرخ لهذه الانتهاكات اليومية بحق الإنسان في قطر بغض النظر عن جنسه أو جنسيته التي يحملها، وليست حادثة التعدي على المسافرات الأستراليات جنسياً وبشكل عنيف غير مسبوق في مطار الدوحة ببعيدة عن ملف حقوق الإنسان في قطر، و المثير في ذلك مسارعة وزير الداخلية القطري شخصياً وهو يرأس الحكومة في الوقت نفسه، إلى احتواء الفضيحة و إرسال خطاب إلى ذوي المسافرات، يعد فيه بالتعويض المالي السخي إذا تم نسيان الحادثة، وعدم التوجه بها إلى المحاكم الدولية أو المحلية .
نقلا عن العين الإخبارية