قربان للكنوز.. ذبح الأطفال لفتح المقابر الأثرية يثير الرعب في مصر
حالة من الصدمة المصحوبة بغضب كبير شهدتها مصر على مدى اليومين الماضيين بعد العثور على جثة طفل يبلغ من العمر 8 سنوات مذبوحا ومبتور كفي اليدين، وكشفت التحقيقات فيما بعد أن دافع الجريمة التنقيب غير الشرعي عن الآثار.
الجريمة وقعت في مركز البداري بمحافظة أسيوط في جنوب مصر، حيث تلقت السلطات بلاغا من أب بعثوره على طفله مقتولا بأرض زراعية بعدما تغيب عن المنزل لعدة ساعات.
قال عصام أبو الوفا، والد الطفل الضحية محمد إن ابنه اختفى ثالث أيام عيد الأضحى الماضي بعد تناوله وجبة الغداء مع الأسرة.
أبو الوفا الذي يعمل سائقا يقول لبي بي سي إنه لم يكن متخوفا على ابنه إطلاقا، ولم يتوقع حدوث أي مكروه له لأن أهالي القرية جميعهم يعرفونه جيدا.
أبلغ أبو الوفا الشرطة بعدما طال غياب محمد وعُثر عليه مذبوحا ومقطوع اليدين بإحدى الأراضي الزراعية القريبة من القرية
بحزن يخبرنا أبو الوفا: “الخبر وقع على سمعي كالصاعقة حينما توصلت تحريات الشرطة إلى أن أبناء عمي الذين طالما لعبوا وفرحوا معه، بل وبحثوا عنه معي، هم من ذبحوا طفلي”.
بحسب أبو الوفا فإن المتهمين المقبوض عليهم لا يمكنهم التخطيط وارتكاب الجريمة بهذا الشكل وحدهم، ويقول إنها جرت بإيعاز من ابن عمه الأكبر العائد حديثا من السعودية، وزوجة عمه.
النيابة العامة كشفت في بيان رسمي السبت أن الشرطة توصلت لمرتكبي الجريمة وهم ثلاثة أشقاء وألقت القبض عليهم واعترفوا بأنهم اتفقوا مع منقب غير شرعي عن الآثار بالحصول على كفي الطفل وبيعها له لاستخدامهما كقربان يساعده في الوصول للآثار، وهذا ما دفعهم لارتكاب الجريمة.
العبرة في القصاص
الواقعة أثارت دهشة وغضب المصريين خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث اتفق الجميع على ضرورة إنزال عقاب رادع بمرتكبي الجريمة ليكونوا عبرة، مطالبين بالقصاص بنفس الطريقة.
ورأى البعض أنه عندما “ينتشر الفقر، تنتشر معه كل المصائب”، فيما أرجع آخرون السبب وراء مثل هذه الجرائم إلى “الجهل والطمع”.
ورأى مغردون أن “ثقافة القتل والعنف منتشرة في مصر بسبب ما يتم مشاهدته من أفلام ومسلسلات عنيفة، وكذلك بسبب ألعاب الموبايل والفيديو المليئة بالسلاح والقتل”، ودعا آخرون الآباء إلى الانتباه إلى من يخالط أبناءهم، لمنع تكرار هذه الجرائم.
-
مراهق سوري ينهي حياة جدته.. حيلة «دموع التماسيح» تفضح الجريمة
-
قطع رأس والده ويوثق الجريمة عبر «يوتيوب»
الضحايا والقتلة من دم واحد
وتلقى الشارع المصري صدمة أكبر حينما تبين أن مرتكبي جريمة قتل الطفل وبتر يديه هم أبناء عم والده بحسب ما نشرته وسائل إعلام محلية، حيث إنهم بعد ارتكاب الجريمة ساعدوا والده وأهل القرية في البحث عنه لإبعاد الشبهة عن أنفسهم حتى كشفتهم الشرطة وألقت القبض عليهم.
وفي شهر سبتمبر أيلول من عام 2021 شهدت إحدى قرى مركز ديروط بمحافظة أسيوط أيضا ذبح شاب وتقطيع جثته لتقديمها قربانا للجن لفتح مقبرة أثرية بحسب ما اعترف عمه وأبناء عمه وزوجة عمه للسلطات بعد القبض عليهم واكتشاف أنهم وراء ارتكاب الجريمة.
وتستيقظ مصر كل فترة قد تكون سنة أو عدة سنوات أو حتى عدة أشهر على جريمة مماثلة يكون ضحيتها في الغالب طفل أو طفلة ويكون مرتكب الجريمة الأقارب أو حتى الأب والأم أحيانا، ويتبين من تحريات الشرطة أن السبب في تلك الجرائم البحث المزعوم عن الآثار.
دجالون وطماعون
ووفقا لما تم رصده فإن هناك طقوسا أصبحت معروفة وخاصة في صعيد مصر وهناك شبه إيمان غير قابل للنقاش بها، أنه عند فتح مقبرة فرعونية في رحلة باتت معروفة باسم البحث عن “المساخيط” فلابد من وجود شخص يزعم أنه شيخ متخصص في فك ما يدعي أنه طلاسم فرعونية لفتح المقبرة.
هذا الشخص في معظم الجرائم يتم القبض عليه ويتبين أنه دجال، ومعروف بين الباحثين عن الآثار بـ”شيخ العزيمة” – العزيمة تعني قراءة الطلاسم واستحضار الجن المزعوم حارس المقبرة – وفي سبيل ذلك يطلب هذا الدجال من اللاهثين وراء الآثار أموالا طائلة وإراقة دماء كقرابين وغالبًا ما تكون دماء طيور أو حيوانات وفي بعض الأحيان يطلب دماء بشرية وخاصة دماء أطفال.
وتسببت تلك الممارسات في حصد العديد من أرواح الأطفال والكبار، كما أنه بجانب الإقدام على القتل بدعوى تقديم القرابين فهناك العديد ممن فقدو أرواحهم خلال التنقيب عن الآثار بشكل غير مشروع، حيث ينقب كثيرون بدون معدات أو دراسات علمية فينهار الحفر عليهم. وأعلنت السلطات عن عدة حوادث من هذا النوع. ولا يقتصر الأمر على محافظات بعينها بل إنه يحدث في القاهرة نفسها، كما أنه لا يرتبط بفئة بعينها فقد وصل الأمر لمحاكمة وإدانة رجل أعمال شهير لاشتراكه في شبكة تنقيب عن الآثار بالاشتراك مع نائب برلماني سابق معروف إعلاميا بـ”نائب الجن والعفاريت” لزعمه قدرته على تسخيرهم لفتح المقابر الأثرية.
الحضارة المصرية بريئة
ويرى الدكتور أحمد بدران أستاذ الآثار والحضارة المصرية القديمة بجامعة القاهرة، أن تقديم ما يعرف بالقربان للجن أو الرصد شائع خاصة في صعيد مصر، وذلك بسبب حلم الثراء السريع عن طريق الحفر خلسة للبحث عن الآثار.
وأوضح لبي بي سي أن السبب في هذا بعض الدجالين والمشعوذين أو ما يطلق عليهم الروحانيين أو”شيوخ نصابين” يقومون بإيهام الضحية بوجود كنز أو مقبرة تحت منزله عليها حارس من الجن أو رصد ولابد من تسييل دم بشري حتى يفتح الحارس أو الجن أو الرصد باب المقبرة.
ونوه بدران إلى أن حادثة أسيوط تأتي في هذا الإطار وسبقها العديد من الضحايا وعادة يكونون من الأطفال مثلما حدث من قبل في الفيوم، حينما أراد أب تقديم طفلهُ قربانا فرفضت الأم فقتلها بديلاً عن الطفل.
وشرح أن “هذا الموضوع ليس له أي أساس من الصحة ولا يرتبط بمصر القديمة لأن المصري القديم أخفى أماكن الدفن التي تحتوي على الأساس والمتاع الجنائزي بعيداً عن العيون بغرض تأمينها ضد السرقة، لكنه لم يسخر جناً أو رصداً لحراستها والدليل على ذلك المقابر التي نقوم باكتشافها وفتحها من خلال الحفائر العلمية والتنقيب الأثري بدون قرابين أو إراقة دماء”.
وشدد بدران على أن “علاج الظاهرة يتمثل في رفع الوعي لدى الناس وتغليظ العقوبات القانونية ومواجهة النصابين أو من يطلق عليهم الروحانيين والمشعوذين والدجالين. وأن يسلط الإعلام الضوء على هذا الموضوع لرفع الوعي لدى الناس”.
-
وفاة غامضة: امرأة تموت مختنقة في سريرها.. الأسباب قيد التحقيق
-
علماء الآثار وعلوم الجينات يكتشفون آثار جينية فريدة في “مغارة الحمام” بالمغرب
الردع القانوني
ويوجد في مصر قانون كامل لحماية الآثار برقم 117 لسنة 1983 والمعدل برقم 91 لسنة 2018 كذلك تنص المادة “49” من الدستور المصري على أن “تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها وصيانتها وترميمها واسترداد ما استولي عليه منها وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه، كما تحظر إهداء أو مبادلة أي شئ منها، وإن الاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم”.
كذلك تنص المادة 42 من قانون العقوبات المصري على أنه “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه كل من: سرق أثرًا أو جزءًا من أثر مملوك لدولة أو قام بإخفائه أو اشترك فى شىء من ذلك”.
ويرى بعض خبراء القانون أن العقوبة لم تعد تتلاءم مع جرائم التنقيب عن الآثار بشكلها الحالي وكواليسها التي تشتمل على جرائم تصل للقتل.
ولكن القضاء المصري ذهب إلى عقوبات أشد تطبيقا لمواد أخرى في قانون العقوبات على الجرائم الجنائية المقترنة بجرائم التنقيب عن الآثار.
وأبرز مثال على ذلك واقعة شهدتها محافظة الجيزة عام 2023 حينما اغتصب دجال طفلة في منزلها أمام والدها بدعوى أن الجن يأمره بذلك لفتح مقبرة أثرية أسفل المنزل، وقُبض على الأب والدجال وانقضت الدعوى بوفاتهما.