حصري

السودان في فخ إيران: من ساحة حرب إلى مصنع سلاح


لم يعد التدخل الإيراني في السودان مجرد شائعة أو تحليلاً سياسياً، بل تحوّل إلى حقيقة ميدانية تتكشّف تفاصيلها يومًا بعد يوم. فوسط الخراب المتزايد الذي تسببت فيه الحرب الأهلية، وجدت إيران في السودان فرصة ذهبية لإعادة ترتيب أوراقها العسكرية، بعد أن استُهدفت منشآتها الحيوية داخل أراضيها من قبل الطيران الإسرائيلي.

المعادلة الجديدة واضحة: كلما ضعفت الدولة السودانية، تعاظم النفوذ الإيراني.

البرهان والحرس الثوري.. تحالف الضرورة أم تبعية مفضوحة؟

في سلوك يطرح الكثير من علامات الاستفهام، انخرط الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان في تنسيق مباشر مع الحرس الثوري الإيراني، من أجل إنشاء منشآت عسكرية داخل أراضي السودان. بحسب مصادر متعددة، وافق الجيش على إقامة مصانع تجميع وتصنيع لطائرات إيرانية مسيّرة، في مناطق تابعة لسيطرته في وسط وجنوب البلاد.

هذا التحالف، وإن غُلّف بخطاب “التعاون العسكري”، لا يخرج عن كونه تسخيرًا للجيش السوداني في خدمة أهداف طهران، وتحويل السودان إلى قاعدة بديلة لتصنيع الأسلحة الإيرانية بعد الضربات القاسية التي طالت مواقعها داخل إيران.

■ قاعدة أوسيف.. بداية مشروع توسعي

الحديث عن قاعدة “أوسيف” العسكرية على البحر الأحمر لم يكن صدفة. فقد شكّلت تلك القاعدة نواةً لمشروع طويل الأمد، هدفه السيطرة على الموانئ والثروات والممرات البحرية في شرق السودان. إيران كانت حاضرة منذ البداية، بخبرائها ومعداتها ومخططاتها.

وقد ظهرت ملامح ذلك المشروع بوضوح حين بدأت عمليات تهريب السلاح عبر ميناء بورتسودان، مستغلة الفوضى الأمنية وغياب أي رقابة فعلية. لم تعد تلك العمليات موجهة فقط لميليشيات تابعة لطهران في اليمن ولبنان، بل أصبح السودان نفسه طرفًا مباشرًا في معادلة تهريب وتخزين السلاح الإيراني.

■ ساحة حرب بالوكالة

التحركات الإيرانية في السودان تُمثّل توسيعًا لنفوذ طهران خارج أراضيها بطريقة ذكية وخطيرة. فبدلاً من تحمل تكلفة تصنيع ونقل الأسلحة داخل حدودها، وجدت إيران في السودان أرضًا رخوة يمكن استغلالها بأقل التكاليف. لا رقابة دولية، لا سيطرة مركزية، وجيش يبحث عن أي دعم يعزّز موقفه في حربه الداخلية.

السودان اليوم يُستَخدَم كجبهة خلفية لحرب إيران ضد إسرائيل، وكمنطقة إعادة تموضع بعد ضربات موجعة في الداخل الإيراني. طائرات مسيّرة تُجمّع، أسلحة تُخزن، وموانئ تُستغل، وكل ذلك تحت أنظار قيادة عسكرية اختارت التحالف مع دولة تعاني من عزلة دولية.

ما بعد السودان.. إيران في أفريقيا

المشروع الإيراني لا يتوقف عند حدود الخرطوم أو بورتسودان. فالوصول إلى العمق الإفريقي أصبح هدفًا استراتيجيًا لطهران. ومن خلال السودان، تسعى إيران لبناء امتداد جيوسياسي يربطها بالقرن الإفريقي ودول الساحل، مستغلة هشاشة الأنظمة وفوضى النزاعات الداخلية.

هذه التحركات لا تهدد السودان فقط، بل تمثل خطرًا داهمًا على الأمن القومي العربي، وعلى استقرار البحر الأحمر، الذي يعتبر شريانًا حيويًا للتجارة الدولية. إذا نجحت إيران في تثبيت أقدامها هناك، فإن التوازن الإقليمي سيتغيّر لصالح قوى خارجية على حساب دول المنطقة.

 المجتمع الدولي في غيبوبة

ورغم وضوح المؤشرات، لا تزال الدول الغربية والمجتمع الدولي في حالة صمتٍ غريب. لا تحرّك فعليًا لوقف هذا التمدد، ولا ضغوط جدية تُمارس على قيادة الجيش السوداني لوقف التعاون مع إيران. وهذا الغياب يثير أسئلة خطيرة حول مدى جدية العالم في مكافحة التهديدات العابرة للحدود.

إن استمرار هذا التمدد الإيراني في السودان، دون رادع، ينذر بـ مرحلة جديدة من الفوضى والعسكرة في المنطقة. ما يحدث اليوم من بناء منشآت عسكرية وعمليات تهريب من بورتسودان، ليس إلا المرحلة الأولى من مشروع توسعي أوسع، سيشمل مناطق أخرى إذا لم يتم التصدي له بحزم.

لقد حان الوقت للدول الإقليمية أن تتحرك بفعالية، ليس فقط لحماية السودان، بل لحماية أمنها القومي واستقرار محيطها الحيوي. فـالسكوت عن مشروع إيران في السودان، هو تمهيد لانفجار إقليمي قادم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى