إذا ما نظرنا إلى المشهد السياسي العراقي نجد أنه يتسم هذه الأيام بنشاط دبلوماسي لافت في أكثر من اتجاه عربي.
ويتنوع ذلك النشاط على أكثر من مستوى، وهو مؤشر مهم في قراءة توجهات الحكومة العراقية الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي.
فقد تزامنت زيارة الرئيس العراقي برهم صالح إلى دولة الإمارات يوم الخميس الماضي والتي التقى خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مع زيارة كان يقوم بها وزير خارجية العراق فؤاد حسين إلى مصر، حاملاً رسالة من الرئيس العراقي إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. بعد أن كان رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي قد قام بزيارة عمل إلى الكويت في أواخر يناير الماضي.
أما السعودية فقد سجلت علاقاتها مع العراق، مؤخراً، قفزات كبيرة شملت المجالات السياسية والاقتصادية من خلال المجلس التنسيقي المشترك، توجت تلك القفزة بافتتاح معبر عرعر الحدودي أمام التبادل التجاري بين البلدين والذي كان مغلقاً لمدة 30 سنة.
يفترض عملياً أنه لا يوجد شيء غير طبيعي في العلاقات العراقية مع الدول العربية يدعونا إلى الاهتمام بما يحدث من زيارات ومشاورات من منطلق أن العراق عضو مؤسس في النظام الإقليمي العربي “جامعة الدول العربية”، ومن منطلق أنه يمثل العمق العربي الاستراتيجي، إلا أن الأحداث المأساوية التي شهدها العراق منذ عام 2003 كنتيجة طبيعية لتغلغل النظام الإيراني في مفاصل الدولة العراقية “وتجييشه” للمليشيات الموالية له لتهديد أي عودة للعلاقات العراقية الخليجية بالدرجة الأولى والعراقية -العربية بشكل عام، يجعل من تحركات الدبلوماسية العراقية عربياً أمراً غاية في الأهمية، خاصة أن العراق يمر بمرحلة انتقالية خطيرة ستحسمها الانتخابات التشريعية القادمة والمقررة في الـ10 من أكتوبر المقبل.
وشأن كل العلاقات الدولية، فإن التحرك العراقي له أهداف سياسية واقتصادية على الأقل من ناحية أنه من مطالب الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت منذ أكتوبر 2019، والتي أتت بالكاظمي إلى رئاسة حكومة مؤقتة، ولكن ليس هذا كل ما في الأمر، خاصة إذا أدركنا أن التدخل الإيراني هو السبب في كل ما يحصل في العراق من خلافات طائفية وفي توتير علاقات العراق الخارجية بما فيها علاقته مع الغرب والولايات المتحدة، لهذا فإنه من ضمن أهداف التحرك العراقي البحث عن دعم عربي من أجل إعادة ترتيب “البيت السياسي العراقي”، ليعود وطناً لكل العراقيين بعيداً أي حديث عن تقسيمات عرقية أو مناطقية، وهذا هو أحد مساعي رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي، حسبما أعلن في منهاجه السياسي الذي صوت عليه البرلمان العراقي.
هذا التحرك النشط للحكومة الحالية يعبر عن الثقة العراقية بالمساعدة العربية ودعمها لإصلاح الوضع المختل داخلياً، والرغبة الحقيقية من الشعب والحكومة في العودة إلى العمق العربي الاستراتيجي، وأن ما حصل في فترات الحكومات السابقة كان تشويهاً لمكانة العراق الحضارية. كما أنه يعكس حالة من الخذلان العراقي من المواقف الدولية من مسألة الوعود في مساعدة شعبه في مواجهة الإرهاب الداعشي والانتهاكات لسيادته المتكررة من تركيا وإيران.
التحرك العراقي حقق نقطتين لصالحه؛ النقطة الأولى: أنه أشرك أشقاءه العرب قلقه من الوضع الداخلي والإقليمي، وأكد للرأي العام العالمي أنه لا يريد أي صدام سياسي سواء مع النظام الإيراني أو غيره من الدول، بل يسعى نحو البحث عن مصالح دولته وشعبه، أما النقطة الأخرى: أنه من خلال هذا التحرك سوف يعمل على صياغة منظومة علاقات استراتيجية تشمل كل المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية التي من شأنها أن تخفف من تأثيرات الأزمات التي تواجهها الحكومة العراقية، وكذلك تخفف من عبء التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ داخل العراق.