السماء البلجيكية تضيق على المقاتلات الأمريكية الجديدة
تواجه بلجيكا أزمة غير متوقعة بعد استلامها أولى طائراتها من الجيل الخامس “إف-35″، في مشهد يختزل التحديث العسكري في الدول الصغيرة.
فبينما احتفلت بروكسل بوصول أربع طائرات إف-35 إلى قاعدة فلورينس الجوية في إقليم والونيا ضمن صفقة تشمل 34 طائرة مبدئيًا (ارتفعت لاحقًا إلى 45)، سرعان ما اتضح أن المجال الجوي البلجيكي المحدود لا يسمح بتنفيذ مناورات جوية واسعة أو تدريبات بسرعات الطائرة الهائلة وتقنياتها المتقدمة.
واعترف وزير الدفاع البلجيكي، ثيو فرانكن، أمام البرلمان، بأن “المجال الجوي المتاح ببساطة غير كافٍ لتنفيذ تدريبات إف-35″، في إشارة إلى مأزق لوجستي حقيقي تعانيه بلاده، بحسب مجلة “ناشيونال إنترست”.
ولحل هذه المعضلة، اتجهت بلجيكا نحو خيارين متوازيين، الأول يتمثل في تدريب الطيارين والفنيين في الولايات المتحدة داخل قاعدة لوك الجوية بولاية أريزونا، التي تمتلك واحدة من أوسع مناطق التدريب في العالم، إذ يمتد ميدان باري غولد ووتر، على أكثر من 1.7 مليون فدان (نحو 6800 كيلومتر مربع).
والثاني في الاستعانة بالمجال الجوي لدول حلف شمال الأطلسي “الناتو” المجاورة مثل هولندا وإيطاليا والنرويج لإجراء المناورات العملية، في نموذج متكرر من التعاون العسكري العابر للحدود.
ولا تُعد هذه الخطوة جديدة تمامًا على بروكسل، فقد واجهت وضعًا مشابهًا مع مقاتلات إف-16 في الماضي، لكن الفارق أن إف-35 تتطلب مساحات أوسع وأنظمة محاكاة أكثر تقدمًا لمواكبة تقنياتها.
انتقادات فرنسية
ولم تخلُ القضية من الجدل الأوروبي، إذ سخرت وسائل إعلام فرنسية من “الموقف البلجيكي الغريب”، واعتبرت الأمر “مفارقة تكنولوجية في بلد بلا سماء كافية”.
كما هاجم إيريك ترابيي، الرئيس التنفيذي لشركة داسو للطيران، خيار بروكسل بشراء الطائرات الأمريكية بدلا من دعم المشروع الأوروبي للمقاتلة من الجيل السادس (FCAS)، الذي تتعاون فيه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.
وترى باريس أن اعتماد دول الاتحاد على الطائرات الأمريكية يقوض طموح الاستقلال الدفاعي الأوروبي، بينما تحاول بلجيكا الحفاظ على توازن دقيق بين التزاماتها داخل “الناتو”، وبين سعيها للانضمام كمشارك ثانوي في المشروع الأوروبي المشترك.
تحديث شامل
وتشكل صفقة إف-35 جزءًا من خطة تحديث كبرى للقوات الجوية البلجيكية، التي تعتزم إحلال المقاتلات الجديدة محل أسطولها القديم من إف-16 الذي يخدم منذ سبعينيات القرن الماضي.
ومن الملاحظ أن يجري تصنيع بعض طائرات إف-35 البلجيكية في إيطاليا داخل منشآت شركة ليوناردو، وليس في مصنع لوكهيد مارتن بولاية تكساس، في دليل على الطابع العابر للحدود الصناعية في هذه الصفقة.
وفي النهاية، تطرح التجربة البلجيكية سؤالًا يتجاوز حدودها الجغرافية، كيف يمكن لدول صغيرة المساحة أن تستثمر في مقاتلات تفوق سرعة الصوت تتطلب بيئات تدريب شاسعة وأنظمة تكامل معقدة؟
وخلص التقرير إلى أن تجربة بلجيكا قد تتحول إلى نموذج مستقبلي لدول أوروبية أخرى، لتكشف أن التحديات في عصر الطائرات الذكية لا تُقاس فقط بالتكنولوجيا، بل أيضًا بالمساحة التي تسمح لك بالتحليق بحرية.
