إرادة ملكية مغرب تُحول الطموح إلى نهضة شاملة
لم تكن النتائج التي حققها المنتخب المغربي في مونديال قطر لتأتي من فراغ فوراء تلك الانتصارات وذلك الاداء الذي أبهر العالم وجعل المغرب تحت عيونه، إرادة سياسية ملكية خططت وأدارت منذ سنوات برنامجا شاملا لا يقتصر على النهوض بالرياضة لوحدها.
فكان برنامجا تنمويا شاملا حققت معه المملكة المغربية قفزة نوعية في مختلف المجالات مسنودة كذلك بمسار دبلوماسي ثابت وهادئ بدأت الرباط تجني ثماره.
في الفترة الأخيرة وحين كان المنتخب المغربي يسطر ملحمة كروية في مواجهة كبار المنتخبات الأوروبية. التفتت عيون العالم إلى تلك الانجازات وكيف تحققت ومن أين أتت لتضع كبرى وسائل الإعلام الدولية المغرب البلد الصحراوي في العمق المغاربي والإفريقي تحت المجهر.
فالنتائج المبهرة التي حققها المغرب في مونديال قطر لم تكن الانجاز الوحيد في سياق انجازات رسمت ملامح تحولات اقتصادية وتنموية ونقلة نوعية في أكثر من قطاع رغم التحديات المالية الكبيرة.
ومن بين وسائل الإعلام التي تابعت عن كثب مسيرة تحول لافتة في تاريخ المملكة، موقع ‘دوتشيه فيله’ الألماني الذي سلط الضوء على ما يحققه المغرب من نتائج كبيرة في مجال التحول إلى الطاقة المتجددة. ملقيا نظرة في تقرير مصور على كيفية وصول المملكة لهذه المكانة.
وأشار إلى أن لدى الرباط أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في العالم وواحدة من أكبر مزارع الرياح، فالمغرب خطط مبكرا للتحول إلى الطاقة النظيفة ضمن المقاربة التنموية الشاملة. التي أعلنها العاهل المغربي الملك محمد السادس قبل سنوات للنهوض بالأقاليم الصحراوية. وأعطى دفعة قوية لمشاريع ضخمة تهدف إلى تحويل الصحراء المغربية إلى قطب تنموي عالمي وبما يوفر موارد رزق لمئات آلاف المواطنين في المنطقة.
ويشير تقرير ‘دوتشيه فيله’ إلى أنه في “مدينة ورزازات السياحية المغربية التي تعد بوابة المغرب إلى الصحراء الكبرى، تشكل أكثر من نصف مليون مرآة منصوبة بأنحاء دوائر عملاقة. وتدور هذه المرايا كل بضع دقائق لتوجيه أشعة الشمس بشكل أفضل نحو الأنابيب المليئة بالزيت الاصطناعي، مما يجعله يسخن بشدة متحولا إلى بخار. هذا البخار يستخدمه التوربين لإنتاج طاقة تكفي لـ1.3 مليون شخص وهذا هو مجمع نور ورزازات، أكبر مزرعة للطاقة الشمسية المركزة في العالم”.
على طرف مقابل وفي مدينة طرفاية الساحلية بجنوب شرق المملكة يبرز مشروع آخر ضخم لإنتاج الطاقة النظيفة. إنه مزرعة الرياح التي تتشكل من 131 توربينا لتكون واحدة من أكبر مزارع الرياح في إفريقيا ومشروعا فريدا من نوعه.
ونقل الموقع الإخباري الألماني عن غالية مختاري المحامية والمتخصصة في الطاقة بالمعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي وهو مركز أبحاث مقره مدينة الرباط قولها “نستفيد من أشعة الشمس ومستويات الرياح التي تعد من بين أعلى المستويات لدى أي دولة في العالم”.
وأوضحت أن الأمر يتعلق بإرادة سياسية فالقيادة المغربية تسعى لتسخير الموارد المتجددة. لجعل المغرب رائدا في مجال الحفاظ على البيئة في القارة الإفريقية بينما تضع نصب أعينها تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تدمر المناخ، بنسبة 18.3 بالمئة بحلول عام 2030.
وتجمع مراكز مختصة تتابع نسق التنمية في المغرب على أن المملكة تُظهر قدرة عالية على التحول إلى الطاقة النظيفة وتظهر أيضا إمكانات هائلة في مجال التحول إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي من المتوقع أن يتحول إلى وقود بديل يحل محل النفط والديزل في الصناعات الثقيلة والطيران.
ويقول التقرير إن إنتاج الهيدروجين الأخضر يتطلب كميات هائلة من الطاقة النظيفة وهذا يبدو في الوقت الراهن مسارا طويلا، لكنه ليسا مستحيلا على الرغم من أن الممكلة لا تزال تعاني من نقص كبير في المعروض وعلى الرغم مما يحققه المغرب من مكاسب، وفق تقدير مؤسسة ‘هاينريش بول’ أحد مراكز الأبحاث البيئية الألمانية.
وتذهب المؤسسة الألمانية في تقديراتها إلى أن الطلب المتزايد على الوقود البديل يعزز توسع المغرب في مجال مصادر الطاقة المتجددة.
شركة ‘ارنست ويونغ للاستشارات’ تقول وفق التقرير الألماني “ليس هناك شك في أن المغرب لديه الموارد الطبيعية والدعم التنظيمي والالتزام الحكومي لقيادة الثورة الخضراء في أفريقيا”.
وبالفعل تشير الانجازات الحالية في هذا المجال والتي هي ثمرة مقاربة تنموية شاملة والتي هي أيضا نتاج خطط طموحة، إلى تخطيط محكم وقدرة عالية على استشراف المستقبل والعمل على مواكبة مسار التحول إلى الطاقة النظيفة.
وقد وقعت المملكة في الفترة الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي اتفاق ‘شراكة خضراء’ بما يعزز ويوسع التعاون في مجال مصادر الطاقة المتجددة.
ونقل التقرير الألماني عن مجموعة مراقبة العمل المناخي وهي مجموعة مراقبة علمية مستقلة، قولها إن “المغرب بحاجة إلى مزيد من الدعم الدولي للمضي قدما في مسار إزالة الكربون”.
ورغم الجهود المبذولة والنتائج والمكاسب التي تحققت تعتقد مؤسسة ‘هاينريش بول’ أنه لا يزال أمام المملكة طريق طويل لتحقيق النتائج المرجوة، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي يرتفع فيه الطلب على الطاقة مع النمو السكاني ومع المسار التنموي في المملكة واحتمال تضاعف الاستهلاك لأربع مرات بحلول العام 2050، سيكون سد الطلب على الطاقة في السوق المحلية أحد التحديات القائمة.
إرادة ملكية
ينظر العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى مشاريع الطاقات المتجددة التي أطلقها ودفع بشدة وحزم لتسريع وتيرة انجازها على أنها مسألة مفصلية في تعزيز سيادة المغرب في مجال الطاقة وخفض تكاليف إنتاجها وقد حث الحكومة في اجتماع عقد مؤخرا على تسريع وتيرة تطوير مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة، مؤكدا على وجوب أن تكون المملكة بين اقتصاديات البلدان منخفضة الكربون خلال العقود المقبلة.
وواجه المغرب في السابق انتقادات من منظمات غير حكومية رأت أن تركيزه على مشاريع ضخمة لإنتاج الطاقات المتجددة يأتي على حساب مشاريع صغيرة، لكن تلك الانتقادات كانت في مجملها مجانبة للصواب وواقع الحال، فالرباط لم تسعى فقط لتشكيل مستقبل أخضر من خلال مشروع بناء أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم وأكبر مزرعة للرياح في إفريقيا، بل سعت على مسار مواز لإقامة وتحفيز العديد من المشاريع الصغيرة لمساعدة السكان على التكيف مع التغير المناخي ووفرت لهم مصادر عيش.
ولتعزيز ذلك صادق مجلس النواب المغربي بالإجماع يوم الثلاثاء الماضي على مشروع قانون يتعلق بالإنتاج الذاتي للطاقة.
وخلال تقديم مشروع القانون قالت ليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، إن “هذا المشروع يندرج في إطار تنفيذ التوجيهات الملكية السامية بشأن تسريع الانتقال الطاقي من أجل التنمية المستدامة، خصوصا بعد جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس وذلك من خلال اعتماد مقاربة مستدامة في كافة القطاعات بهدف تطوير اقتصاد وطني منخفض الكاربون وخلق مناخ ملائم للاستثمار والرفع من جاذبية القطاع من أجل خفض فاتورة الطاقة للمواطن والفاتورة الطاقية للبلاد”.
وأوضحت أن هذا المشروع سيوفر فرص عمل جديدة في ميادين التصميم والانجاز خاصة في ما يتعلق بالاستغلال وصيانة محطات الإنتاج وهو ما يخلق دينامية اقتصادية ايجابية.
وأعلنت أن وزارتها قبلت عددا من التعديلات التي اقترحتها الفرق البرلمانية وأبرزها تلك المتعلقة بإصدار النصوص التنظيمية المطلوبة لتطبيق القانون في أجل أقصاه أربع سنوات من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.
ووفق الإجراءات التنظيمية والتعديلية سيسمح للمنتج الذاتي للطاقة ببيع نسبة من فائض الإنتاج تصل إلى 20 بالمائة لمسير الشبكة الكهربائية الوطنية بدل 10 بالمائة التي نص عليها المشروع.
وصلة بين المغرب وعمقه الافريقي
بين الانجاز والدفع للتنمية وتحقيق نهضة في الأقاليم الجنوبية وخطة طموحة لتحويل الصحراء إلى قطب عالمي جاذب للاستثمار تختزل حزما ملكيا وحرصا على تعميم النموذج التنموي. وبين فعل تخريبي تمارسه جبهة البوليساريو الانفصالية لتعطيل مسيرة التنمية التي يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وقفت العديد من دول العالم وبينها الدول الأوروبية الشريك الوازن للمملكة، على حقيقة تحول نوعي من فعل الدولة ونزعة تدميرية لدى الجبهة الانفصالية المدعومة من الجزائر.
وبين هذا وذاك كانت الصحراء المغربية بدورها تحت مجهر العالم في خضم الانجاز الرياضي في مونديال قطر، فسلطت كبرى وسائل الإعلام الدولية في الفترة الأخيرة الضوء على ما بلغته المملكة من مكانة وتطور بعيدا عن الضجيج الإعلامي والدعائي وهو أسلوب تتبعه الدبلوماسية المغربية الهادئة في مقارعة تشويش تقوده البوليساريو والجزائر.
وترى مصادر دبلوماسية غربية أن المشاريع التنموية الضخمة التي أطلقها الملك محمد السادس في السنوات الأخيرة لتحويل الصحراء لقطب عالمي وأتبعها بآلية مراقبة ومحاسبة المسؤولين المقصرين والمتهاونين وجعله الصحراء المغربية نقطة وصل بالعمق الافريقي. كانت مفصلية في سياق تفكيك حزام الدعم الذي كانت تحظى به الجبهة من قبل بعض الدول.
وباتت الجبهة تُواجه عزلة متزايدة بينما يواصل المغرب مسيرة التنمية وإحداث دينامية اقتصادية تعززت بعد اعترافات دولية بمغربية الصحراء وبمقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب حلا واقعيا وأساسا قابلا للتطبيق لتسوية نزاع مستمر منذ عقود.
وخلقت الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء التي كانت مرفوقة بافتتاح العديد من دول العالم قنصليات بمدينة الداخلة، حيوية أكبر باتجاه تعزيز التحول النوعي في الصحراء وجعلها قطبا عالميا جاذبا للاستثمارات.
وقد خصصت المملكة غلافا ماليا ضخما لدفع التنمية في الصحراء قدر في العام 2015 بنحو 80 مليار درهم ما يعادل حينها بسعر صرف الدولار 8 مليارات دولار وتعزيز فرص الاستثمار التي توفرها في قطاعات مختلفة تشمل مشاريع الإعمار والصناعة والصيد البحري والطاقات المتجددة والسياحة وغيرها من مشاريع التنمية الضخمة.
ومن ضمن أحدث المشاريع التي أطلقها المغرب في الصحراء، مشروعا زراعيا طموحا بغلاف مالي قدر بـ234 مليون دولار كان وكالة التنمية الزراعية قد أعلنت عنه في سبتمبر ضمن طلب عروض للشراكة بين الدولة والقطاع الخاص بهدف تحويل 52 كيلومترا مربعا من الأراضي غير المستخدمة قرب الداخلة (في إقليم الصحراء) إلى مزارع” واستصلاح المزيد من الأراضي
وأوضحت وزارة الزراعة المغربية حينها أنها “تسعى إلى جذب استثمار خاص لمشروع تحويل أراض غير مستخدمة إلى مزارع للفاكهة والخضراوات والأعلاف، بقيمة 2.5 مليار درهم (234 مليون دولار)”.
وأضافت “سيمكن المشروع من إنتاج أكثر من 415 ألف طن سنويا من البواكر وإحداث قيمة مضافة تفوق 1 مليار درهم (93 مليون دولار) سنويا وخلق أزيد من 10 آلاف منصب عمل قار”.
وفي 23 أكتوبر 2019، أعلنت الحكومة عن إطلاق 68 مشروعا استثماريا بقيمة 6.1 مليارات دولار، 29 بالمئة منها ستنفذ في إقليم الصحراء المغربية.