إن إقناع البعض في العالم العربي ممكن يعتقدون أن حكومة إيران الحالية ليست عدواً يهدد أمن واستقرار المنطقة.
هي مهمة شبه مستحيلة أحياناً، فعلى الرغم من شواهد الدمار الذي خلفته تدخلات طهران في دول منكوبة مثل لبنان وسوريا واليمن والعراق، ينحاز البعض إلى إرهاب إيران ويؤيد سلوك مليشياتها المتطرفة.
وعند رؤية هذا العجز الإيراني العسكري والسياسي في مواجهة الضربات التي تقوم بها إسرائيل ضد الأهداف العسكرية والنووية داخل وخارج إيران، يدرك العقلاء أن طهران تعرف حدودها جيداً، وهي تتقن لغة نشر الفوضى في بلدان عربية من خلال الوكلاء والأذرع التابعة لها.
ولن أخوض كثيراً في مسألة، هل تؤيد كعربي قصف تل أبيب لجماعات إيرانية مسلحة في سوريا والعراق أو غيرها، أو حتى التفجير الإسرائيلي لجزء مهم من منشأة نطنز المعروفة في إيران؟ بل سأذهب إلى ما هو أعمق من ذلك، عبر مقاربة تلك الأحداث من زاوية مصالحنا كعرب تعرضوا ويتعرضون لأذى إيران كل يوم.
فالسوريون هجروا وطنهم نتيجة إرهاب المليشيات الإيرانية التي تحتل دولتهم، وتمنع حصول أي حل سياسي عادل وشامل بين الحكومة والمعارضة، والعراقيون متعطشون لإصلاح علاقتهم مع أشقائهم العرب، لا سيما الخليجيين منهم، بعد أن سامتهم إيران سوء العذاب سياسياً واقتصادياً وأمنياً وحتى اجتماعياً.
وفي لبنان أصبحت مليشيا حزب الله الإيرانية، خطراً محدقاً يهدد بقاء لبنان ككيان متماسك أو دولة مستقلة، والأزمة المعيشية في بيروت وبقية المحافظات اللبنانية لم تعد تخفى على أحد، والحكومة في هذا البلد يُمنع تشكيلها بأمر من إيران.
وأما في الخاصرة الجنوبية لدول الخليج العربي، فإن اليمن لا يزال يرزح تحت نير التصرفات العبثية للمليشيات الحوثية الانقلابية والمدعومة من إيران، والذي يعرفه القاصي والداني أن حسن إيرلو سفير إيران لدى المليشيات هو الحاكم العسكري للمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية في اليمن.
ومع أن الدول الغربية اليوم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة جو بايدن، تبدي حرصاً شديداً على إحياء الاتفاق النووي المشؤوم مع إيران، وتحاول تلك الدول تجاوز الحديث عن الممارسات الإيرانية الأخرى، وهذا التجاوز لا يرضي دول الإقليم التي تبدي تخوفها من إنجاز أي اتفاق مبتور، ستعمد – ربما – أي إدارة أمريكية أخرى مقبلة إلى التنصل منه كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب.
والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: هل الحكومة الإيرانية قابلة للإصلاح ومن الممكن التفاهم معها بحكم الجغرافيا وعلاقات حسن الجوار؟ الجواب بطبيعة الحال يطول شرحه، لكن الواضح أن أداء النظام الإيراني غير مبشر، وأن الجناح الإصلاحي في إيران على الرغم من كلامه الدبلوماسي المعسول، أثبت أنه يدور في فلك الولي الفقيه، وتجربة حسن روحاني في الرئاسة شر دليل على ذلك.
وأي تعاطٍ مع مسألة الصراع الإسرائيلي الإيراني الراهن من بوابة أن إيران قادرة على الرد، هو تعاطٍ ساذج ويرتقي لمستوى التسطيح للفهم والعقول، فالإيرانيون يقرون في بعض الأوقات بأثر تلك الهجمات الإسرائيلية عليهم، ويتمسكون بعبارتهم الشهيرة: سنرد في الوقت المناسب والمكان والمناسب، وتلك العبارة ثبت زيفها وعدم تنفيذ مضمونها من قبل صانع القرار الإيراني، لأن أي حرب بين إسرائيل وإيران ستكون محسومة لصالح إسرائيل بشهادة المسؤولين الإيرانيين أنفسهم.