أمريكا

الانسحاب الأمريكي من النيجر: تداعيات النكسة على النفوذ والتكهنات المستقبلية


قبل يومين، كانت القوات الأمريكية تغادر قاعدتها في النيجر، لتكتب فصلا ختاميا في العلاقة العسكرية مع هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

ليس هذا فحسب، فصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، اعتبرت هذا الانسحاب الذي يأتي قبل الموعد النهائي الذي فرضه المجلس العسكري في 15 سبتمبر/أيلول المقبل، بمثابة “نكسة استراتيجية كبيرة لواشنطن”.

وقالت الصحيفة إن انسحاب القوات الأمريكية، التي بلغ عددها 1100 في النيجر في ذروتها، “يتبع أكثر من عقد من الاستثمار في النيجر، وأشهرا من الجهود غير المثمرة لإعادة البلاد إلى مسار ديمقراطي بعد استيلاء جيشها على السلطة في انقلاب قبل عام”.

ولفتت إلى أن “الوجود العسكري الأمريكي في النيجر كان بمثابة محور جهود واشنطن لمحاربة الإرهاب المتزايد في هذا الجزء من أفريقيا”، مشيرة إلى أن هذا الانسحاب “يأتي في وقت يصل فيه العنف المتطرف في غرب القارة إلى مستويات قياسية وينمو نفوذ روسيا في المنطقة”.

ويقول اللواء كينيث إيكمان، الذي يقود الانسحاب الأمريكي من النيجر، في مقابلة، إن “أمن المنطقة يشكل مصدر قلق بالغا. لقد أصبح التهديد أسوأ، وانتشر وأصبح أكثر حدة. ومن منظور الولايات المتحدة، تم تقليص وصولنا على الرغم من أن أهدافنا لم تتغير”.

وفي حفل أقيم يوم الإثنين الماضي، في حظيرة مطار بمناسبة الانسحاب من قاعدة أغاديز، قرأ المسؤولون النيجريون والأمريكيون بيانا مشتركا باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ووقعوا على وثائق تجعل تسليم القاعدة رسميا.

وذكر مسؤولون أمريكيون أن الطائرات دون طيار التي تستخدمها القوات الخاصة الأمريكية لجمع المعلومات الاستخباراتية حول تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، تم شحنها بالفعل.

كما تمت إزالة معدات ومواد حساسة أخرى من القاعدة، التي اكتمل بناؤها في عام 2019، وتكلف أكثر من 100 مليون دولار.

ولم يبق في القاعدة التي تبلغ مساحتها تسعة أميال مربعة، سوى المطبخ والصالة الرياضية وأماكن النوم.

الأمر لا يتعلق بالنيجر فقط

ويرى إبراهيم يحيى إبراهيم، نائب مدير مشروع الساحل في مجموعة الأزمات الدولية، في حديث مع الصحيفة الأمريكية، أن الأمر  “لا يتعلق بالنيجر وحدها”.

وقال: “عندما حدث الانقلاب في النيجر كان يرمز إلى سقوط آخر دولة ديمقراطية محبوبة للغرب. والآن، يقوض الانسحاب الاستراتيجية الأمريكية ليس فقط للنيجر، ولكن لمنطقة الساحل والمنطقة بأكملها”.

واكتسبت القاعدة الأمريكية في النيجر أهمية متزايدة بالنسبة لاستراتيجية مكافحة الإرهاب، التي بدأت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وتصاعدت أكثر منذ نحو عقد من الزمان، بعد أن استولى المتطرفون والانفصاليون على جزء كبير من مالي المجاورة.

واعتبر كاميرون هدسون، وهو زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، أن هذه القاعدة منحت “نافذة على كل ما كان يحدث في المنطقة”، مستدركا “أما الآن حرفيا ومجازيا، ما نقوم به هو أننا نتحرك إلى الهامش”.

وبعد الانقلاب في النيجر، ضغط المسؤولون الأمريكيون على المجلس العسكري لبدء “استعادة الديمقراطية” وعودة الرئيس محمد بازوم للحكم، وحذروا من أن مساعدة واشنطن معلقة في الميزان.

وفي مارس/آذار الماضي، أعلن المتحدث باسم الحكومة العسكرية في النيجر، أن وجود القوات الأمريكية “غير قانوني”.

وفي الشهر التالي، رحبت النيجر بمدربين عسكريين روس في المطار نفسه في العاصمة حيث كانت القوات الأمريكية متمركزة في ذلك الوقت.

في مقابلة أجريت معه في شهر مايو/أيار الماضي، ألقى رئيس وزراء النيجر علي ماهامان لامين زين باللوم في انهيار العلاقات على الولايات المتحدة.

خروج كامل؟ 

مسؤولان دفاعيان أمريكيان، أكدا لموقع “Defense News” أن “هذا لا يعني أن خروج أمريكا كان كاملا. ولكن القاعدة الجوية 201 كانت الموقع العسكري الأمريكي الأخير في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا بعد أن خرجت القوات من القاعدة الجوية 101 في العاصمة نيامي في يوليو/تموز الماضي”.

وبدأت الشراكة بين الولايات المتحدة والنيجر تتفكك في الصيف الماضي، عندما أطاح الجيش النيجري بسلطات الرئيس بازوم، وشكّل مجلسا عسكريا حاكمًا.

واستغرق الأمر من الولايات المتحدة أشهرا لتسمية ذلك “انقلابا”، وهو مصطلح قانوني يقيد المساعدات الأمريكية والنشاط العسكري.

وبحسب الموقع، حذر العديد من المحللين في واشنطن من أن أمريكا تخسر مسابقة النفوذ في القارة لصالح خصوم مثل روسيا والصين.

وفي أوائل مارس/آذار، حذر رئيس القيادة الأمريكية في أفريقيا، الجنرال مايكل لانجلي، الكونغرس من أن روسيا تعمل بقوة على توسيع موطئ قدم لها بين الدول الأفريقية، مما يترك العديد منها “عند نقطة التحول” للوقوع تحت نفوذها.

وخلال السنوات الماضية، شهد غرب أفريقيا موجة من الانقلابات. وقد قاومت العديد من الحكومات الجديدة، بما في ذلك النيجر، النفوذ الخارجي.

وقد اختارت هذه الحكومات عدم العمل مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، وهي كتلة من البلدان الإقليمية.

كما قطعت العديد من هذه الحكومات علاقاتها مع فرنسا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى