الجيش الأوكراني يواجه تحدياً جديداً: النقص العددي
يكافح الجيش الأوكراني لسد النقص في الجنود الناجم عن استمرار القتال في الوقت الذي تتقدم فيه القوات الروسية ببطء شرق البلاد.
ففي 11 يناير/كانون الثاني الماضي، أصدر القائد العام للقوات الأوكرانية أوليكساندر سيرسكي أمراً بنقل أكثر من 5000 فرد من القوات الجوية إلى القوات البرية، وهو ما أثار المخاوف من أن تضحي أوكرانيا بمتخصصين مدربين تدريباً عالياً للانضمام إلى القتال في الخطوط الأمامية إلا أن سيرسكي أصر على أنه لن ينقل أفرادا “لا يمكن تعويضهم”.
وفي واشنطن، بدأت الإدارة الأمريكية الجديدة تراقب هذه القضية، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال جلسة تأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ إن “المشكلة التي تواجهها أوكرانيا ليست نفاد أموالها، بل نفاد الأوكرانيين” وذلك وفقا لما ذكرته مجلة “بوليتيكو” الأمريكية.
ويرهق هذا الوضع الجيش الأوكراني، في ظل ارتفاع عدد الجنود غير المدربين والمرهقين وصعوبة تجنيد قوات جديدة واعتقال ضباط محترفين، الأمر الذي تحول إلى مشكلة سياسية بالنسبة لكييف التي تحاول أن تثبت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب منطقية الاستمرار في دعمها بدلا من الضغط لإنهاء الحرب سريعا.
وتثير المشكلات في الخطوط الأمامية تساؤلات حول جودة القيادة العسكرية الأوكرانية، التي تحاول الانتقال من قوة جامدة على الطراز السوفياتي إلى قوة قائمة على المبادئ الغربية في الوقت الذي تخوض فيه حربا وجودية.
وقال جلين غرانت، وهو ضابط سابق في الجيش البريطاني وخبير دفاع في مؤسسة الأمن البلطيقية التي تراقب الإصلاحات العسكرية في أوكرانيا خلال العقد الماضي إن “الحرب الحديثة تتطور بسرعة.. إنها تقنية ومعقدة ولا يمكن التنبؤ بها وتتطلب ضباطًا يتمتعون بروح المبادرة وعلى استعداد لتحمل المخاطر، وقادرين على مناقشة القضية والتعامل مع الجنود الذين قد يكونون أكثر مهارة منهم،”.
وأضاف “أن القادة الضعفاء يكرهون هؤلاء الأشخاص ويحاولون إما إسكاتهم بالبيروقراطية والتنمر أو إبعادهم تمامًا.. إن فرق التفتيش هي أسوأ شر للجيش لأنها تريد الامتثال على الطريقة السوفياتية، وهذا من شأنه أن يجعل أوكرانيا تخسر الحرب”.
وفي بريد إلكتروني لـ”بوليتيكو”، قالت الخدمة الصحفية لهيئة الأركان العامة الأوكرانية، التي تشرف على الإدارة العملياتية للقوات المسلحة إن “أحد المبادئ الأساسية هو قيمة حياة الأفراد، مما يضمن جاهزية القتال على المدى الطويل واستقرار الجماعة”.
ورغم أن القيادة العليا رفضت مناقشة أي مشكلات يواجهها الجيش الأوكراني علنًا، لكنها اعترفت بوجود حالات فرار قالت إنها تتم معالجتها.
وقالت هيئة الأركان العامة “يتطلب الأمر نهجًا منهجيًا يغطي الجوانب الإدارية والنفسية” وأضافت أن كييف تهدف إلى تعزيز التواصل والثقة بين القيادة والجنود، فضلاً عن التدريب والدعم الطبي والنفسي لقواتها.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن كييف خسرت أكثر من 43 ألف جندي قُتلوا في المعارك وأصيب أكثر من 370 ألفا ما يقرب من 3 سنوات من الحرب.
وفي حين لا تعلن روسيا خسائرها، فإن سيرسكي قدر أنه في عام 2024 وحده، قُتل 150 ألف جندي روسي وأُصيب أكثر من 400 آخرين.
وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية إن موسكو خسرت منذ بداية الحرب نحو 818 ألفا و740 جنديًا بين قتيل وجريح.
وعلى الرغم من أن سيرسكي قال إن خسائر روسيا كانت “أعلى بعدة مرات” من خسائر أوكرانيا، إلا أن التأثير محسوس على الجبهة.
من جانبها، قالت أولينا تريجوب، المديرة التنفيذية للجنة مكافحة الفساد المستقلة وعضو لجنة مكافحة الفساد العامة التابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية “مثل أي صراع يستمر لأكثر من عام، كلما طالت الحرب، قل عدد الجنود المحترفين على الخطوط الأمامية.. وفي الوقت نفسه، هناك حاجة متزايدة لتجنيد وتدريب مدنيين غالبا ما يكونوا غير مستعدين جسديا ونفسيا ويستغرق تكيفهم بعض الوقت”.
ويأتي نقص الجنود في الوقت الذي تكافح فيه أوكرانيا لإبطاء تقدم الروس الذي يضيقون الآن قبضتهم على المركز اللوجستي الشرقي في بوكروفسك وهو ما يثير المزيد من الاتهامات ضد القيادة العليا.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال سيرهي فيليمونوف، قائد كتيبة “ذئاب دافنشي” المنفصلة للجيش الأوكراني عبر “تليغرام” إن “السبب الرئيسي للكارثة في بوكروفسك هو القيادة العليا، التي تضع مهام غير واقعية للوحدات ولا يفهمون قدرات الوحدات ولا يعرفون الوضع على خط المواجهة”.
وفي تصريحات لصحيفة “برافدا” الأوكرانية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال تاراس شموت، الخبير العسكري الأوكراني البارز “على الورق، هناك الكثير من الناس والأسلحة والمعدات على خط المواجهة لكن الجبهة تنهار ليس لأن الناس لا يقاتلون، بل لأن هناك فوضى في القيادة”.
ومؤخرًا، اعتقلت أجهزة الأمن الأوكرانية اثنين من جنرالات الجيش الأوكراني للاشتباه في “عدم كفاية الحماية لمنطقة خاركيف” خلال هجوم روسي العام الماضي، كما تم اعتقال القائد السابق للواء 155 بتهمة إخفاء حالات الفرار أثناء التدريب في فرنسا.
وقال رومان كوستينكو، وهو محارب عسكري ونائب أوكراني معارض وأمين لجنة الدفاع في البرلمان “إن مثل هذه الإجراءات لا تقوض الثقة في الجيش أثناء الحرب فحسب، بل تشكل أيضًا تهديدات مباشرة لقدرات الدفاع في البلاد”.
وهناك أيضا انتقادات لكيفية دمج الجيش للمجندين الجدد حيث يرى البعض ضرورة اختلاطهم بالوحدات المخضرمة لتدريبهم لكن هناك شكاوى من أن القيادة العليا تضع الجنود الجدد في الألوية الجديدة ثم تلقي بالوحدات عديمة الخبرة في أشد المعارك سخونة مما يؤدي إلى إخفاقات على الجبهة.