مجتمع

انتحار طفل في العراق يثير التساؤلات حول الأسباب والدوافع


أقدم طفل عمره 11 عامًا فقط، على الانتحار شنقًا، في مدينة بغداد، بسبب معاناته من ضغوط نفسية.

وشنق الطفل نفسه بحبل معلق بمروحة سقفية داخل منزله في حي منطقة الأمين شرقي بغداد، وفق موقع “شفق نيوز” الإخباري المحلي.

ونقل الموقع عن مصدر أمني قوله، إن الحادثة وقعت مساء أمس الثلاثاء، بسبب معاناة الطفل، وهو طالب مدرسة، من ضغوط نفسية وفق ادعاء ذويه.

ولم يتم الكشف عن هوية الطفل المولود عام 2014، كما لم تتضح طبيعة الضغوط التي قادت طفل بعمره الصغير للانتحار.

لكن السلطات الأمنية التي باشرت الحادثة، نقلت الجثة إلى دائرة الطب العدلي لاستكمال الإجراءات القانونية، وفتحت تحقيقًا لتحديد سبب الوفاة.

وشهد العراق في الأيام القليلة الماضية عدة حوادث انتحار يومية في مناطق مختلفة من البلاد، بالتزامن مع تسجيل حوادث انتحار في المحافظات العراقية على مدار العام.

بين دهاليز العقائد الدينية والأفكار المتشددة يشهد العراق صراعاً خفياً يهدد بتقويض المجتمع ويضعه أمام تحديات تثير قلقاً أمنيّاً ودينياً في البلاد.

جماعةٌ متطرفة تحمل طقوساً تجعل الموت قرباناً والانتحار تضحية.. وقودها شبّانٌ غُسِلت أدمغتهم وحُرّفت معتقداتهم
في العمق .. إنها جماعة “القربان” أو العلاهية السرية كما يسميها أتباعها.

من هم “القربانيون”؟

ظهرت جماعة “القربان” في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار منذ حوالي 3 سنوات وسرعان ما انتشرت في محافظات الجنوب والوسط العراقي.. الجماعة ترفض علناً التعريف بقائدها أو مرجعها الديني ولا حتى مصادر تمويلها ووفقاً لمصادر عراقية تتبنى الجماعة معتقدات غريبة تُركّز على الإيمان بالله واعتبار الإمام علي بن أبي طالب ولي أمر المسلمين دون الاعتراف بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وترفض السنن الإسلامية التقليدية وتتبنى طقوسا خاصة بها أثارت جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي في العراق وخارجه.

تختلف الروايات بشأن عقيدة المنتمين لهذه الجماعة بين من يقول إنهم يؤلهون الإمام علي وهو مصدر اشتقاق اسمها “العلاهية” وبين من يقول إن الجماعة تُروج لفكرة تضحية أتباعها بأنفسهم في طقوس انتحار طوعي تقرباً إلى الإمام علي.

يؤمن أتباع “القربان” بأن التضحية بأنفسهم هي الطريقة المثلى للالتحاق بالإمام علي في الجنة وفي كل عام خاصة في شهر محرم تجري الجماعة “قرعة” لتحديد الشخص الذي سيضحي بحياته حيث يلتزم الشخص المختار بإنهاء حياته طواعية في طقوس غريبة تشمل إشعال الشموع وقراءة الأدعية قبل أن يشنقوا أنفسهم بصمت دون مساعدة من أحد .. أما عملية دفن المنتحر فتتم بسريّة تامّة بدون تغسيل وتكفين لأنهم يعتبرون المنتحر شهيداً ويذهب للجنة مباشرة.

وفي حال عدم تنفيذه للانتحار يتم الإجهاز عليه من باقي أعضاء المجموعة لأنه خالف القوانين فقد نذر نفسه من البداية لهذه الجماعة.

مخاوف متزايدة من تأثير الجماعة

تنتشر هذه الظاهرة بشكل متسارع بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم في حدود العشرينيات خاصة في المناطق النائية التي ينتشر فيها الفقر والجهل والبطالة.

تشير الإحصائيات الرسمية إلى تسجيل أكثر من 2000 حالة انتحار في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يعكس الخطر المتزايد لهذه الجماعات وعلى سبيل المثال في محافظة البصرة وحدها تم تسجيل 150 حالة انتحار خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024 وكانت معظم الحالات من الشباب خصوصا بين 18 و35 عاماً.

ورغم محاولات الحكومة العراقية ملاحقة الجماعة واعتقالها العشرات من أعضائها فإن نجاح هذه الحركات السرية في الانتشار يعود إلى أساليبها في التنظيم السري حيث يستخدم “القربانيون” منصات مغلقة على تطبيقات مثل “تليغرام” للتواصل وتحديد مواعيد طقوسهم، ما يجعل من الصعب تتبع تحركاتهم أو وقف أنشطتهم وهذا التنظيم الخفي يجعل من الصعب على السلطات الإيقاع بهم فحتى لو تم اعتقال أحد الأعضاء لا تُحقق هذه العمليات نتائج فعّالة على مستوى تفكيك الجماعة.. كونها تنظيما “خيطيا” على غرار جميع الأحزاب والتنظيمات السرية، حيث لا يعرف الفرد المنتمي للمجموعة أحدا سوى الشخص الذي جنده.

مقتدى الصدر يدخل على الخط

في تطور لافت.. مؤخراً دعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إلى محاربة هذه الجماعة واصفاً إياها بأنها “منحرفة” وأدان الطقوس الانتحارية التي تمارسها.. الصدر طالب الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات حاسمة ضد هذه الجماعة وذهب إلى أبعد من ذلك حين دعا السلطات الإيرانية إلى تسليم أعضاء الجماعة الفارين إليها.

هذا التصريح جاء في وقت حساس بعد أن كشفت العديد من التقارير أن عدداً من قادة الجماعة بمن فيهم مؤسسها عبد علي الحسني ويلقب بالمولى يقيمون في إيران وخاصة في مدينة مشهد وفقاً لمصادر عراقية.

 ثمّة من يرى الوجود الإيراني في القضية يعقد الوضع حيث يربط بعض المحللين العلاقات بين إيرانيين وجماعة “القربان” بأجندات إقليمية قد تكون بعيدة المدى وما يزيد الأمر تعقيداً هو أن هذه الجماعات التي تجد مأوى في إيران قد تكون نواة لظهور خلايا نائمة قد تؤثر على الاستقرار في العراق خصوصاً في المناطق الأكثر فقراً وجهلاً.

وفي ظل هذا المشهد المعقد يجمع الخبراء على أن جماعة “القربان” تبدو كقنبلة موقوتة تهدد النسيج الاجتماعي والأمني في العراق وتعزز مخاوف تفشي هذه الظاهرة وتحولها إلى خطر عابر للحدود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى