بسحب بعض قواتها من غزة.. إسرائيل تبدأ مرحلة ثالثة من الحرب
بدأت إسرائيل اليوم الاثنين في سحب بعض قواتها من غزة وتسريح قدر من جنود الاحتياط للعودة للحياة المدنية في انعطافة في الحرب وصفها مسؤول أميركي بأنها تشير إلى “تحول تدريجي نحو عمليات أقل كثافة” واعتبرتها مصادر عسكرية إسرائيلية تحولا نحو مرحلة جديدة في العمليات.
لكن الجيش الإسرائيلي أقر في الوقت ذاته بأن واحدا على الأقل من كل ستة جنود قتل في الحرب وكثير منهم بنيران صديقة منذ بدء العدوان على قطاع غزة.
وقال مسؤول إسرائيلي الاثنين، إن إسرائيل تسحب بعض قواتها من غزة في إطار التحول إلى عمليات أكثر استهدافا ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتعيد قدرا من جنود الاحتياط إلى الحياة المدنية لمساعدة الاقتصاد مع دخول العام الجديد الذي قد تستمر فيه الحرب لفترة طويلة.
وأعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري ليل الأحد الاثنين أنّ الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة ستستمر “طيلة” العام 2024. وقال “على الجيش الإسرائيلي أن يضع مخططاته مسبقا لأنه سيُطلب منّا تنفيذ مهام ومعارك إضافية طيلة هذه السنة”.
وشدّد على أنه سيتحتم تجنيد عشرات الآلاف من عناصر الاحتياط لمواصلة القتال، إلا أنّ عددا منهم سيأخذ فترة استراحة من الحرب للاستعداد “لعمليات قتالية مطوّلة”.
وأوضح هاغاري أن “بعض جنود الاحتياط سيعودون إلى عائلاتهم ووظائفهم خلال هذا الأسبوع”، ما “سيمكّنهم من استعادة قواهم للمشاركة في الأنشطة المستقبلية خلال العام 2024”.
وأضاف أن “ذلك سيخفف إلى حد كبير العبء عن الاقتصاد”، مشيرا إلى أنّ الجيش يخطط لنشر قواته في الأشهر المقبلة.
وقال مسؤول أميركي لرويترز اليوم الاثنين إن قرار إسرائيل سحب بعض قواتها من غزة هو على ما يبدو بداية تحول تدريجي إلى عمليات أقل كثافة في شمال القطاع الفلسطيني، على الرغم من استمرار القتال هناك.
وقال سكان إن إسرائيل سحبت دباباتها من بعض أحياء مدينة غزة الاثنين في الوقت الذي أعلنت فيه خططا لتغيير أساليبها وتقليص عدد جنودها، لكن القتال احتدم في أماكن أخرى من القطاع وسط قصف مكثف.
وأضاف المسؤول الأميركي “يبدو أن هذا هو بداية التحول التدريجي نحو عمليات أقل كثافة في الشمال والتي كنا نشجعها، وهو ما يعكس النجاح الذي حققه الجيش الإسرائيلي في تفكيك القدرات العسكرية لحماس هناك. غير أنني أود أن أحذر من استمرار القتال في الشمال وهذا لا يعكس حدوث أي تغيير للوضع في الجنوب”.
واندلعت الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول مع شن حماس هجوما غير مسبوق داخل إسرائيل تسبب بمقتل 1140 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.
وتعهدت إسرائيل بـ”القضاء” على حركة حماس ويشن الجيش منذ ذلك الحين حملة قصف مدمرة على قطاع غزة وعمليات برية، ما تسبب بسقوط 21978 قتيلا على الأقلّ، معظمهم نساء وأطفال، وفق وزارة الصحّة التابعة لحماس، وهي أعلى حصيلة لأي عملية إسرائيلية حتى الآن.
ومنذ بدء العملية البرية في غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول، قُتل 172 جندياً إسرائيليا داخل قطاع غزة، بعضهم بنيران “صديقة”، وفق الجيش.
وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي، إن الحرب ستستمر في القطاع الفلسطيني حتى القضاء على حماس، مضيفا أن بعض الألوية الخمسة المنسحبة ستسعد لاحتمال احتدام القتال على جبهة ثانية ضد جماعة حزب الله في لبنان.
ومنذ شن الهجوم على غزة بعد هجوم حماس عبر الحدود، قال مسؤولون إسرائيليون إنهم خططوا لشن الهجوم على ثلاث مراحل رئيسية. وتمثلت المرحلة الأولى في القصف المكثف لفتح طرق لدخول القوات البرية ودفع المدنيين إلى الإخلاء وتمثلت الثانية في الغزو البري الذي بدأ في 27 أكتوبر/تشرين الأول.
وقال المسؤول الإسرائيلي الذي طلب عدم نشر هويته نظرا لحساسية الموضوع، إن الجيش الإسرائيلي يتجه صوب المرحلة الثالثة من الحرب بعد اجتياح الدبابات والقوات في الوقت الراهن لجزء كبير من قطاع غزة وتأكيد سيطرته إلى حد كبير على الرغم من استمرار المسلحين الفلسطينيين في نصب الكمائن من الأنفاق والمخابئ المخفية.
وتابع “سيستغرق ذلك ستة أشهر على الأقل وسيتضمن عمليات تطهير مكثفة ضد الإرهابيين. لا أحد يتحدث عن إطلاق حمام السلام من الشجاعية” في إشارة إلى منطقة في غزة دمرها القتال.
وبالإضافة إلى 1200 شخص قتلوا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، احتجزت حماس نحو 240 رهينة. وتقول إسرائيل إنها عازمة على استعادة الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة وعددهم 129. وحفزت جهود الهدنة التي تتوسط فيها قطر ومصر احتمال إطلاق سراح بعضهم.
ويبدو أن هذا التحول يأتي استجابة للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، أكبر حليف لإسرائيل، لمراجعة التكتيكات وبذل المزيد من الجهد لحماية غير المقاتلين.
تعزيز الاقتصاد
وعبأت إسرائيل 300 ألف جندي احتياطي للحرب، أي ما يتراوح بين نحو عشرة بالمئة إلى 15 بالمئة من قوتها العاملة. وتم تسريح البعض بسرعة، لكن مصادر حكومية قالت إن ما بين 200 ألف و250 ألف شخص ما زالوا يؤدون الخدمة العسكرية ويتغيبون عن الوظائف أو الدراسة.
وقال المسؤول إن اثنين من الألوية التي سيتم سحبها يتألفان من جنود احتياط، ووصف الخطوة بأنها تهدف إلى “إعادة تنشيط الاقتصاد الإسرائيلي”. وذكرت وسائل إعلام محلية أن عدة فرق عسكرية منتشرة في أنحاء قطاع غزة.
وأضاف أن بعض القوات التي انسحبت من غزة في الجنوب ستكون مستعدة للخدمة على الحدود الشمالية مع لبنان حيث يتبادل مقاتلو جماعة حزب الله اللبنانية إطلاق النار مع إسرائيل تضامنا مع الفلسطينيين.
وحذرت إسرائيل من أنه إذا لم يتراجع حزب الله فإن حربا شاملة تلوح في الأفق في لبنان. وتحظى كل من حماس وحزب الله بدعم إيران التي تنفذ جماعات مسلحة متحالفة معها في سوريا والعراق واليمن أيضا هجمات بعيدة المدى ضد إسرائيل.
وقال المسؤول “لن يُسمح للوضع على الجبهة اللبنانية بالاستمرار. إن فترة الستة أشهر القادمة هي لحظة حرجة”، مضيفا أن إسرائيل ستنقل رسالة مماثلة إلى مبعوث أميركي يقوم برحلات مكوكية إلى بيروت.
وفي غزة، أحدثت الحرب بين إسرائيل وحماس دمارا غير مسبوق. وأعلنت وزارة الصحة عن مقتل ما يقرب من 22 ألف شخص، كثير منهم من المدنيين. وتقول إسرائيل إنها قتلت أكثر من ثمانية آلاف مقاتل فلسطيني، وهو ما يشير إلى أن حماس، وفقا لروايتها الخاصة، تحتفظ بعناصرها الأساسية. وكان التقدير الإسرائيلي قبل الحرب هو أن الجماعة تضم حوالي 30 ألف مقاتل.
وأعلن الجيش الإسرائيلي يوم السبت أنه سيسحب بعض جنود الاحتياط في إطار ما وصفه قائده الأعلى اللفتنانت جنرال هرتسي هاليفي بأنه “إعادة تشكيل” للقوات.
وقال هاليفي للجنود يوم الثلاثاء “منذ اللحظات الأولى لهذه الحرب قلنا إنها ستستغرق وقتا طويلا”، مضيفا “هل سنتمكن في نهاية المطاف من القول إنه لم يعد هناك أعداء حول دولة إسرائيل؟ أعتقد أن هذا طموح مبالغ فيه، لكننا سنحقق وضعا أمنيا مختلفا – آمنا ومستقرا قدر الإمكان أيضا”.