تصريحات فرنسا بالمغرب تبدد أوهام جبهة بوليساريو
بددت تصريحات أدلى بها السفير الفرنسي لدى الرباط كريستوف لوكورتييه مؤخرا، أوهام جبهة بوليساريو تمام كما بددت اسبانيا آمال الجبهة الانفصالية بالتراجع عن موقفها الداعم لمغربية الصحراء.
وأثارت تصريحات لوكورتييه التي أكد فيها دعم بلاده لمسار الحكم الذاتي أساسا واقعيا لإنهاء النزاع المفتعل في الصحراء، غضب بوليساريو التي نددت بشدة بما جاء على لسانه خلال ندوة نظمتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – الرباط أكدال، حول موضوع “العلاقات الفرنسية المغربية: رهانات وآفاق”.
وكانت الجبهة الانفصالية تراهن على موقف فرنسي يتماهى مع طروحاتها خاصة بعد تشكيل حكومة جديدة بعض من أعضائها كانوا رافضين لمقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب في العام 2007، لكن تلك الشخصيات وبينها رئيس الوزراء غابريال أتال ووزير الخارجية ستيفان سيجورنيه وبتكليف شخصي من الرئيس امانويل ماكرون يعمل (سيجورنيه) على تصحيح مسار العلاقات المغربية الفرنسية انطلاقا من دعم بلاده للمبادرة المغربية.
وتشير تصريحات لوكورتييه التي قال فيها إن بلاده “وقفت في صف المغرب منذ بداية نزاع الصحراء” المفتعل، مضيفا “وبل وقامت بتسليحه وتدخل الجيش الفرنسي ضد الجبهة أكثر من مرة”، إلى أن فرنسا أقرب من أي وقت مضى للاعتراف رسميا بمغربية الصحراء وهي خطوة متوقعة على نطاق واسع لعدة أسباب.
أولا باريس لا يمكن أن تمضي في مسار معاكس لحلفائها الأوروبيين مثل مدريد وغيرها من العواصم الأوروبية والولايات المتحدة التي اعترفت بمغربية الصحراء وبمقترح الحكم الذاتي سبيلا وحيدا لإنهاء النزاع المفتعل.
ثانيا تجد فرنسا نفسها بعد انحسار نفوذها في منطقة الساحل الافريقي أمام حتمية تعزيز علاقاتها مع المغرب خاصة بعد المبادرة التي قدمها العاهل المغربي الملك محمد السادس لولوج الدول الافريقية للأطلسي.
ثالثا فرنسا أصبحت أكثر ادراكا وواقعية أن مصالحها مع المغرب وأن الاستمرار في موقفها السلبي السابق من نزاع الصحراء يجعلها تخسر شريكا وحليفا مهما في المنطقة.
رابعا باتت باريس تنظر لجبهة بوليساريو كعنصر مربك لمصالحها وللاستقرار في المنطقة وأنها حركة ميليشاوية لا مشروعية ولا أهلية لها لتطالب بتقرير المصير لبضعة آلاف من الصحراويين معظمهم محتجزين في تندوف ويؤيدون مسار العيش في كنف دولة لا في كنف ميليشيا.
وعلى هذا الأساس أصابت تصريحات لوكورتييه وقبله تصريحات سيجورنيه، بوليساريو بحالة غضب هستيرية هاجمت معها فرنسا بشدة حدّ الشتيمة في خروج عن الأعراف التي كانت تتبعها في محاولات استقطاب التعاطف الفرنسي معها.
ومن المتوقع أن تعطي الانتقادات التي وجهتها الجبهة الانفصالية بما تضمنته من عبارات مسيئة للدولة الفرنسية، دفعة أقوى للموقف الفرنسي باتجاه الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء.
واتهمت الجبهة باريس بـ”منع استتباب السلام والاستقرار في منطقة شمال غرب إفريقيا”. كما اتهمتها بـ”التواطؤ المكشوف مع المغرب”. وادعت أن ذلك “يشكل عقبة تحول دون وحدة شعوب المغرب الكبير والتعاون والتكامل بين بلدانه”.
وكانت بوليساريو تشير على ما يبدو في هذا السياق إلى أن موقف فرنسا من شأنه أن يوتر العلاقات مع الجزائر الداعمة والحاضنة للانفصاليين.
واعتبرت الجبهة أن تصريحات السفير الفرنسي لدى الرباط الذي تولى مهامهم في ديسمبر من العام الماضي “خطيرة”، مضيفة أن فرنسا هي “المسؤولة عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت وما زالت ترتكب ضدها وأنها المعرقل الرئيسي لمجهودات المنتظم الدولى لإنهاء صراع الصحراء”.
واتهمتها كذلك بممارسة سياسة الهيمنة، متمنية أن تتجاوز باريس هذه السياسة التي وصفتها بـ”البالية” وأن تساعد في “إحلال السلام”، معتبرة أن مواصلة باريس دعم الرباط “ستكون له عواقب وخيمة على دول وشعوب المنطقة المغاربية”.
وكان لوكورتييه قد قال في مداخلته خلال ندوة نظمتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – الرباط أكدال الأسبوع الماضي، إن فرنسا عازمة على إعادة إحياء علاقتها مع المغرب، مضيفا أن ذلك نجلى من خلال اعلانها عن نواياها في أكثر من مناسبة تجاه المملكة.
وقال “الزهور التي تظهر في البداية ستتحول في ما بعد إلى فواكه”، مستحضرا قول الشاعر الفرنسي فرنسوا دي ماليرب “والفواكه ستحقق وعد الزهور”، موضحا أن بلاده تدرك جيدا أهمية ملف الصحراء بالنسبة للمغرب، في إشارة إلى إعلان الملك محمد السادس أن المملكة تنظر لعلاقتها الخارجية من منظور مغربية الصحراء.
ولتأكيد موقف بلاده من مبادرة المغرب، قال السفير الفرنسي لدى الرباط إن بلاده كانت أول من قدم موقفا متقدما وول دولة تعلن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي بالأمم المتحدة. كما أنها بادرت مبكرا بافتتاح مدارس في مدينتي الداخل والعيون بالأقاليم الجنوبية للمملكة وتنظم مؤسساتها الثقافية الرسمية جولة لمدة شهر بتلك الأقاليم.
لوكورتييه أوضح عرض ضمنا أيضا إلى حالة التردد التي طبعت الدبلوماسية الفرنسية في ما يتعلق بمغربية الصحراء قائلا، إن باريس لم تعط “ما يكفي من الإشارات وكان ينبغي أن نعبّر بطريقة أكبر عن مواقفنا في الماضي”، تابعا “لكن فرنسا اليوم اختارت التقدم، لأن “هذا سؤال وجودي للمغرب” كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الفرنسي، مؤكدا أن “حديث مسؤول بهذا المستوى (ستيفان سيجورنيه) بشكل علني بمثل هذه المفاهيم، ليس عبثا”.
وتأتي هذه التصريحات في سياق تقارب لافت بين المغرب وفرنسا بعدما أبدت الأخيرة اهتماما كبيرا بتصحيح مسار العلاقات وإزالة ما وصفته بـ”سوء الفهم”، في إشارة واضحة إلى عزمها طي صفحة الأزمة الصامتة التي بدأت بملف خفض التأشيرات للمغاربة وتوسعت لاحقا إلى برود لأشهر طويلة بسبب التردد الفرنسي في الاعتراف بمغربية الصحراء وبسبب حملات معادية للمملكة في المؤسسات الأوروبية كانت تقف خلفها شخصيات فرنسية ولوبيات مؤيدة للجزائر.