حرب أوكرانيا تستنفد الموارد الروسية.. التفاصيل
تحرص موسكو على ضمان مصالحها ونفوذها في حوض شرق البحر المتوسط، وفق استراتيجية البقاء الدائم الذي يعني فرض حضورها على المشهد الدولي، وتكريس نفوذها ودورها العسكري في المنطقة مقابل الدور الذي يلعبه الغرب، والذي بات يعتمد بشكل كبير على مآل الحرب الروسية في أوكرانيا.
وذكر مقال نشرته جريدة “نوفايا غازيتا” الروسية أنه هناك رابطا أكيدا بين مخرجات الحرب الروسية في أوكرانيا واستمرار النفوذ الروسي في ليبيا ومنطقة البحر المتوسط، مرجحًا أن تلجأ موسكو إلى تطبيق الاستراتيجية نفسها التي تتبعها داخل ليبيا في باقي المناطق التي تسعى لإنشاء موطئ قدم لها في شرق المتوسط.
وقال الباحث في معهد “تشاتام هاوس” البريطاني، غالب دالاي، إن “التواجد البحري الروسي في ليبيا وشرق المتوسط يتوقف على قوة الأسطول في البحر الأسود، ولهذا فإن الحرب بأوكرانيا، التي تستنفذ الموارد الروسية، سيكون لها تأثير مضاعف”.
وتمكَّن الرئيس فلاديمير بوتين من بناء تواجد قوي في شرق المتوسط بفضل إحكام السيطرة على البحر الأسود، ما مكَّنه من تحريك الأصول بين المنطقتين. ونتيجة لذلك، اندمجت المنطقتان إلى فضاء جيوسياسي موحد، له ديناميكيات أمنية متشابكة بشكل متزايد.
الكرملين يحافظ إلى حد كبير على دوره في السياسة الإقليمية والعلاقات مع زعماء الشرق الأوسط، وهو ما يعتبره مظهرًا لمكانة بلاده كقوة عظمى.
ويشير الكاتب إلى عزم موسكو إعادة تحديد دورها في شرق البحر المتوسط ومنطقة البحر الأسود، لا سيما وأن الحرب في أوكرانيا قوضت قدرتها على استعراض النفوذ. فبينما حافظ الكرملين إلى حد كبير على دوره في السياسة الإقليمية والعلاقات مع زعماء الشرق الأوسط، وهو ما يعتبره مظهرًا لمكانة بلاده كقوة عظمى، فإن الصراع الملتهب في أوكرانيا، إلى جانب حرب غزة، قد يغير في نهاية المطاف موقف روسيا.
ورأى أنه دون تحقيق النصر الكامل في أوكرانيا، فمن المرجح أن يتراجع نفوذ روسيا في البحر الأسود والبحر المتوسط والشرق الأوسط بمرور الوقت. ورجح أن يلجأ الكرملين إلى تعميم الاستراتيجية التي يتبعها في ليبيا في باقي المناطق التي يتوق لتعزيز نفوذه بها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي استراتيجية ذات تكلفة منخفضة وتأثير استراتيجي كبير.
وقبل الغزو الشامل لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، برزت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كثاني أهم سوق للأسلحة الروسية. وبرزت روسيا مجدداً كأحد أكبر مصدري الأسلحة في العالم، في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.
لكن الحرب في أوكرانيا أجبرت الصناعة العسكرية في روسيا على التركيز بشكل أساسي على تلبية احتياجات الحرب بدلًا من تصدير الأسلحة إلى الحلفاء، وبالنظر إلى أن تواجد روسيا العسكري ونفوذها في المتوسط يتوقف على قوة أسطولها في البحر الأسود، فإن تداعيات الحرب في أوكرانيا سيكون لها تأثير مضاعف على نفوذ ومكانة موسكو في المتوسط والشرق الأوسط في المستقبل القريب.
وعطلت الحرب في أوكرانيا ما يقرب من ثلث السفن الحربية الروسية في البحر الأسود. علاوة على ذلك، منذ أن أغلقت تركيا مضيق البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية في فبراير/شباط 2022، لم يتمكن الكرملين من تناوب الأصول البحرية بين المنطقتين.
ونجحت روسيا في تغيير ميزان القوى في البحر الأسود، وتعزيز نفوذها في منطقة غرب البلقان وجنوب القوقاز، في العام 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم ذات الأهمية الاستراتيجية. جاء ذلك بعد سيطرتها على أبخازيا الانفصالية الجورجية في أعقاب حرب قصيرة بالعام 2008، بعدها تمكنت من السيطرة على ما يقرب من ثلثي ساحل جورجيا على البحر الأسود.
ومنذ ذلك الوقت، عمل الكرملين على تحديث قاعدة بحرية في ميناء طرطوس في سورية حتى يستوعب سفنًا عسكرية أكبر، والتوسع في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، ثم توجهت إلى تعزيز نفوذها في قاعدة الجفرة في ليبيا، وتحويلها إلى نقطة انطلاق رئيسية لعملياتها في أفريقيا.
واعتمدت رؤية بوتين باستعادة موضع روسيا باعتبارها قوة عالمية طويلًا على الهيمنة على البحر الأسود، وممارسة النفوذ في البحر المتوسط والشرق الأوسط. وربما حقق بوتين نجاحًا كبيرًا في السنوات التي سبقت الحرب الشاملة على أوكرانيا بالعام 2022.
واستمرت روسيا بالتركيز على مبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط، والتي تتنافس مع المبيعات المهيمنة تقليدياً من الغرب. ففي شباط/فبراير 2021، ذكرت “الخدمة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري الفني” أن الصادرات العسكرية إلى الشرق الأوسط بلغت حوالي 6 مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات الخمس الماضية، أو ما بين 40 و50 في المائة من إجمالي الصادرات العسكرية. وبرزت روسيا أيضاً كأكبر مورد للأسلحة للجزائر بحلول عام 2021 – وعلى وجه الخصوص، بتزويدها ببعض أنظمتها الأكثر تقدماً، مثل الطائرات المقاتلة، بما فيها “سوخوي 57”.
وبعد غزو أوكرانيا، ذكرت التقارير نقلاً عن مسؤولين حكوميين أميركيين أن الإمدادات الروسية من الأسلحة أصبحت مقيدة بالعقوبات، وضوابط التصدير. وحظر روسيا من استخدام نظام الدفع “سويفت” وتحوّل تركيزها نحو دعم قواتها في أوكرانيا. والواقع أن المسؤولين في الشرق الأوسط أعربوا سراً عن قلقهم عند بداية غزو أوكرانيا من أن روسيا لن تكون قادرة على الوفاء بالعقود القائمة. وبعد مرور عامين، تأكدت صحة هذه المخاوف بعد أن تلقت المؤسسة العسكرية الروسية هزيمة ساحقة على أيدي الأوكرانيين. الأمر الذي اضطر صناعة الأسلحة الروسية إلى تحويل اهتمامها الكامل نحو الحفاظ على قواتها وإعادة تشكيلها في أوكرانيا.