زيارة الشرع إلى باريس: رسائل سياسية أم تحركات فردية؟

تثير الزيارة التي بدأها اليوم الأربعاء الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع إلى باريس جدلا واسعا في الساحة السياسية الفرنسية. وبينما ذهبت مارين لوبن زعيمة اليمن المتطرف إلى حد وصف الزيارة بأنها “مستفزة” استبعدت مصادر دبلوماسية توقيع أي اتفاقيات. متوقعة أن تقتصر المحادثات بين الرئيسين على جس نبض الإدارة السورية الجديدة، خاصة في ظل المخاوف من ارتباطها السابق بالتنظيمات المتشددة.
-
هل يقود جنبلاط جهود وساطة للتهدئة بين الشرع والدروز؟
-
هل طلب الشرع مظلة أمنية أميركية قبل حضور قمة بغداد؟
واستنكرت شخصيات وأحزاب فرنسية الزيارة، معتبرة أنه من المستفز أنه يستقبل رئيس منتخب ديمقراطيا ما أسمته “إرهابيا” و”جهاديا سابقا”. باعتبار ماضي الشرع زعيم هيئة تحرير الشام التي قادت الهجوم الذي أطاح بنظام بشار الأسد في نهاية العام الماضي.
وفي المقابل أكد مسؤولون فرنسيون أن “زيارة الشرع إلى باريس ستشكل فرصة لفرنسا لإعادة التأكيد على ضرورة إشراك جميع الأقليات السورية في الحكم. وكذلك الحفاظ على حقوقها وحرياتها”، وفق موقع “مونت كارلو” الدولي.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو لقناة “تي.إف1” التلفزيونية اليوم الأربعاء “نحن لا نكتب شيكا على بياض، وسنحكم على بناء بناء على أفعاله”. مضيفا أن هدف باريس هو ضمان تركيز سوريا على مكافحة حصانة المسؤولين من المحاسبة على أعمال عنف طائفية. بالإضافة إلى انخراطها الفعال في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، متابعا “إذا انهارت سوريا اليوم. فسيكون ذلك بمثابة بسط سجادة حمراء لتنظيم الدولة الإسلامية”.
-
خلاف سياسي في بغداد: نائب يقاضي الشرع بسبب تقاربه مع النظام السوري
-
الشرع يواجه صعوبات في كسب تأييد الغرب بسبب أخطاء سياسية
ووجهت زعيمة التجمع الوطني مارين لوبن انتقادات حادة إلى السلطة السياسية. معتبرة أن توجيه دعوة رسمية إلى الرئيس السوري تصرف غير مسؤول. مضيفة أن “استقبال جهادي سابق في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والقاعدة يثير صدمة واستياء”.
وتابعت أن “زيارة الشرع تأتي في وقت تواصل فيه الميليشيات الإسلامية. التي شنت هجمات دامية في فرنسا وأراقت دماء مواطنينا، ارتكاب المجازر بحق الأقليات”.
واتهمت ماكرون بالإساءة إلى صورة فرنسا وتقويض مصداقية التزامها أمام حلفائها بمحاربة الإسلاموية، وأشارت في منشور على منصة “إكس” إلى أن “الاستخبارات الأميركية. أكدت أن الرئيس السوري الجديد لم يتنصل من ماضيه الجهادي”.
Stupeur et consternation. Recevoir un djihadiste passé par Daesh et Al Qaïda, autoproclamé président de la Syrie, alors même que les milices islamistes qui ont semé la mort parmi nos compatriotes au cours d’attentats sanglants, massacrent les minorités, relève de la provocation… https://t.co/GBRFs2sVp9
— Marine Le Pen (@MLP_officiel) May 6, 2025
بدوره وصف إيريك سيوتي رئيس حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية”. حليف لوبن خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، زيارة الشرع إلى فرنسا بأنها “زلة جسيمة”. فيما نقل “مونت كارلو” عنه قوله إن “الأقليات تتعرض للاضطهاد والإسلاموية تنخر الأمة السورية وتهدد استقرار المنطقة بأسرها”.
أما إكزافييه برتراند الوزير السابق، العضو البارز في حزب “الجمهوريون” فقد أيد زيارة الشرع إلى باريس، قائلا “كنت سأقابل الرئيس السوري. والذين ينتقدون إيمانويل ماكرون لا يفهمون شيئًا عن دور رئيس الدولة”، مضيفا “يجب على دولة عظيمة مثل فرنسا أن تكون قادرة على التحدث مع جميع الأطراف، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسلام والأمن”.
بدورها تبنت ماتيلد بانو رئيسة كتلة حزب “فرنسا الأبية” الموقف نفسه. داعية إلى “إقامة روابط بين باريس ودمشق”، بينما حث النائب باستيان لاشو على “توفير كافة الوسائل لإنجاح انتقال ديمقراطي حقيقي في سوريا مع احترام الحقوق الإنسانية”.
-
في أولى جلسات الحوار الوطني.. الشرع يطالب بوحدة سوريا واحتكار السلاح
-
الشرع يفتح صفحة جديدة مع أوروبا عبر البوابة الفرنسية
ونظم التجمع الفرنسي – العلوي احتجاجا مناهضا للرئيس السوري في وسط باريس اليوم الأربعاء. وكانت المجموعة نفسها قد رفعت شكوى قانونية في 11 أبريل/نيسان إلى المدعي العام في باريس، ضد الشرع وبعض الوزراء السوريين بتهمة الإبادة الجماعية. وجرائم ضد الإنسانية على خلفية مقتل مئات من العلويين في منطقة الساحل بغرب سوريا في أوائل مارس/آذار.
وشكلت الزيارة محور اهتمام الصحافة الفرنسية والأوروبية. وسط تحليلات وآراء متباينة بين مؤيد ومندد بالدعوة التي وجهها ماكرون إلى الشرع. بينما أكد مراقبون أن الاتحاد الأوروبي مطالب بحماية مصالحه في سوريا بما يشمل تأمين موطئ قدم في البلد الذي تحول إلى ساحة لصراعات دولية على تعزيز النفوذ.
ولفت متابعون للشأن الأوروبي أن روسيا حليفة الأسد كانت إلى وقت غير بعيد تسعى إلى القضاء على الشرع، أما في الوقت الراهن فتكثف جهودها من أجل إرساء تعاون مع الإدارة السورية. بما يضمن استعادة نفوذها وحماية مصالحها الاقتصادية .وحضورها العسكري في البلد الذي لا تزال تحتفظ فيه بقواعدها البحرية والجوية.
-
الشرع أراد التطبيع؟ نائب في الكونغرس يكشف المستور
-
تقارير أوروبية: الشرع لن يشارك في قمة المانحين ببروكسل
ورحبت فرنسا بسقوط الأسد وعززت علاقاتها بشكل متزايد مع السلطات الانتقالية في سوريا، وعقد ماكرون في الآونة الأخيرة اجتماعا ثلاثيا عبر رابط فيديو مع الشرع .والرئيس اللبناني جوزيف عون، في إطار جهود لتخفيف التوتر على الحدود.
وعينت فرنسا الشهر الماضي قائما بالأعمال في دمشق مع فريق صغير من الدبلوماسيين في خطوة نحو إعادة فتح سفارتها بشكل كامل.
وتعتقد باريس أنها قادرة على أداء دور في سوريا. إذ قطعت علاقاتها مع الأسد في 2012 ورفضت بعدها استئنافها مع حكومته حتى بعد تعرض جماعات من المعارضة المسلحة لهزيمة نكراء وتركزهم في جيوب بشمال البلاد.
-
اتفاق جديد.. الشرع ومظلوم عبدي يوقعان على دمج قسد في مؤسسات الدولة
-
الشرع يتدخل لاحتواء تداعيات القتل على الهوية بعد انتقادات دولية
واعتادت فرنسا تقليديا على دعم معارضة يغلب عليها العلمانيون في المنفى .وقوات كردية في شمال شرق سوريا، حيث لديها بالفعل قوات خاصة.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، لعبت فرنسا دور الوسيط بين الشرع والأكراد في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة تقليص وجودها .ومع تطلع الرئيس السوري الجديد لإعادة المنطقة إلى سيطرة دمشق المركزية.
وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية إن باريس أجرت محادثات مع الأميركيين. بشأن كيفية التعامل مع انسحاب واشنطن وكيف يمكن لفرنسا أن تضطلع بدور أكبر.
-
تصاعد العنف في اللاذقية.. هل تتمكن قوات الشرع من ضبط السلاح المنفلت؟
-
تجاوب سوري مع الشروط الأميركية.. بداية انفراجة أم مناورة سياسية؟
ومع تقدير البنك الدولي لتكاليف إعادة الإعمار في سوريا بأكثر من 250 مليار دولار، فإن الشرع في أمس الحاجة إلى تخفيف العقوبات لإنعاش اقتصاد منهك بعد حرب أهلية دامت 14 عاما. وخلال تلك الفترة، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات صارمة على حكومة الأسد.
ورفع الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات، في حين من المقرر أن ينقضي أجل الإجراءات. التي تستهدف أفرادا وكيانات في الأول من يونيو/حزيران.
وتأمل سوريا ألا يجدد الاتحاد الأوروبي هذه القرارات .ويتطلب تجديدها موافقة جميع الدول الأعضاء وعددها 27، لكن بإمكان التكتل اللجوء إلى تمديد محدود أو شطب مؤسسات رئيسية مثل المصرف المركزي أو غيره من الكيانات الضرورية للتعافي الاقتصادي. بما يشمل مجالات الطاقة والبنية التحتية والتمويل.
وقال المسؤول في الرئاسة الفرنسية إن “إحدى القضايا الأساسية هي مسألة العقوبات الأميركية. التي لا تزال تؤثر سلبا على قدرة السلطات الانتقالية على الدخول في مسألة إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات الأجنبية”.