ظل صوت المقرئ المغربي الراحل عبد الرحمن بن موسى يُشنّف أسماع المغاربة لنصف قرن من الزمن، فهو واحد من الأصوات القرآنية المميزة التي فرضت بصمتها لدى الجمهور المغربي والعربي، نظرًا لعذوبة صوته وطريقة تلاوته للقرآن.
تعرّف المغاربة على صوت المقرئ عبدالرحمن بن موسى لأول مرة عبر أثير الإذاعة الوطنية (حكومية)، خلال افتتاح مراسيم الأعياد والحفلات الدينية والوطنية في البلاد. وفي بداية الستينيات من القرن الماضي، اختارته القناة المغربية الرسمية وجهًا مميزًا لافتتاح البث واختتامه بآيات من الذكر الحكيم.
استطاع عبدالرحمن بن موسى – الملقب بمقرئ المغرب الأول – بصوته الشجي وتلاوته العطرة أن يدخل قلوب المستمعين دون استئذان منذ زمن بعيد، وإلى حدود اليوم مازال صوته يأخذ الألباب.
وُلد عبدالرحمن بن موسى في مدينة سلا، ضواحي العاصمة المغربية الرباط، سنة 1908، نشأ في بيت علم، حيث كان والده العلامة أحمد بن موسى فقيهًا ومحدثًا. وفي مرحلة مبكرة من طفولته أبدى ولعًا بالقرآن الكريم فحفظه على الطريقة المغربية التقليدية.
تتلمذ عبدالرحمن بن موسى، والذي حباه الله بصوت جميل، على يد مجموعة من الشيوخ البارزين في المملكة أمثال أبي شعيب الدكالي، ومحمد بن العربي العلوي.
وكانت المساجد في مدينة سلا المكان الطبيعي لانطلاق عبدالرحمن بن موسى. حيث تميز بقراءته على رواية الإمام ورش عن نافع. كما حافظ على خصائص القراءة المغربية المتميزة بمقاماتها ونغماتها الفنية ذات الطابع الأندلسي.
عُرف عبدالرحمن بن موسى منذ صغره بتواضعه الشديد، وبساطة عيشه. وهمته العالية في الحفظ والتعلم، إذ كان يجوب المساجد. والمصليات، والزوايا، يقرأ القرآن في كل مناسبة، ويمدح الرسول الكريم.
يحكي بعض المقربين من عبدالرحمن بن موسى أن المقرئ الراحل كان يتمتع بذاكرة قوية. كما كان له خط جميل استغله في كتابة بعض الوثائق. ومنها كان يتعيّش قبل أن ينتقل إلى القصر الملكي في الرباط.
وبفضل موهبته لفت عبدالرحمن بن موسى أنظار البلاط الملكي في عهد الملك الراحل محمد الخامس.
يروي حفيد عبدالرحمن بن موسى كيف ولج جده إلى القصر الملكي، قائلاً: “في يوم من أيام رمضان. اتصل به قاضي المحكمة .وأخبره بأن دوره قد أتى لكي يؤم بالملك الراحل محمد الخامس (جد العاهل المغربي الملك محمد السادس)”.
بعد ذلك استدعاه الملك الراحل للقصر وطلب منه الاستقرار به فلبّى طلبه. كان عبدالرحمن بن موسى يؤدي الصلاة في رمضان بالملك وأبنائه. كما كلّفه الملك محمد الخامس بتدريس ولي العهد آنذاك الحسن الثاني.
وحتى يكون الشيخ أكثر قربًا من المدرسة المولوية .التي يدرس فيها أهدى له الملك الراحل بيتًا في القصر الملكي، بحسب تصريحات بعض المقربين منه.
وكشف الصديق معنينو، مدير التلفزيون المغربي السابق، في تصريحات سابقة. أن الملك الراحل محمد الخامس كان يستدعي عبدالرحمن بن موسى ليجلس إلى جانبه .ويتلو عليه القرآن كلما اشتدت عليه الأمور.
ومنذ عقود طويلة وحتى اليوم لا يزال صوت المقرئ عبدالرحمن بن موسى حاضرًا بقوة في التلفزيون الرسمي (القناة السادسة)، وأمواج إذاعة “محمد السادس للقرآن الكريم”.
ومع حلول شهر رمضان، يصبح صوت المقرئ عبدالرحمن بن موسى أكثر تداولاً. فكثيرًا ما يتم بث مقاطع مسجلة من تلاوته النادرة قبيل صلاة المغرب.
توفي المقرئ عبدالرحمن بن موسى، يوم الـ 24 فبراير 1997. عن سن ناهز التاسعة والثمانين، تاركًا خلفه مسارًا ملهمًا.