نيران الحوثي تنزف دماء الصحافة في اليمن
5 أعوام قضاها الصحفي اليمني محمد الصلاحي داخل أقبية مليشيات الحوثي، واجه خلالها تعذيبا وحشيا في محاولة لكسر إرادته وإسكات صوته.
أطلق الحوثيون سراح الصلاحي في يوليو/ تموز 2023، فيما ما زالت تعتقل آخرين حتى اليوم، منهم من يحتفل بـ”اليوم العالمي لحرية الصحافة” للعام الـ10 على التوالي في معتقلات الجماعة التي يصف زعيمها الصحفيين بأنهم “أكثر خطرًا من الخونة والمقاتلين”.
ويقول الصلاحي: “أنا اليوم في موقع مختلف تمامًا عما كنت عليه العام الماضي، فقبل عام، كنت أرزح تحت وطأة اختطاف قاسٍ في أقبية وسجون مليشيات الحوثي، عشتُ خلالها 5 سنوات عجاف من المعاناة والألم في تلك السجون المظلمة”.
رحلة شاقة تحت النار
ولم تكن السنوات التي قضاها الصلاحي في معتقلات الحوثي مجرد أيام عابرة، بل كانت رحلة شاقة، أفقدته حريته، وحرمته من أبسط حقوقه كإنسان، ومن التواصل مع عائلته، وأصدقائه، فضلا عن شتى صنوف التعذيب الجسدي والنفسي.
“إيمان الصحفي اليمني برسالة صحابة الجلالة، لم يتغير أو يتبدل رغم القمع الحوثي، وانتهاك حرية الصحافة والترهيب”، يقول الصلاحي، ويضيف أيضا: “تجربتي هي تجربة مئات الصحفيين المختطفين في سجون الحوثي، الذين يواجهون يومياً مخاطر جسيمة وإرهابا متعمدا وتعذيبا مستمرا”.
وفي كلّ يوم، يُسجنُ صحفيون، ويُعتدى عليهم، ويصل الأمر، إلى حد التصفية والقتل لمجرد أنهم يمارسون الحق في التعبير عن آرائهم ونقل الحقيقة، كما يؤكد الصلاحي.
وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة، وجّه الصلاحي نداء إلى جميع حكومات العالم، وإلى المنظمات الحقوقية والإنسانية، للتصدي لموجة القمع التي تمارسها مليشيات الحوثي ضد الصحافة في اليمن لا سيما في الشمال.
وقال إن “اليوم العالمي لحرية الصحافة، مناسبة لاستذكار كفاح الصحفيين في سبيل إيصال الحقيقة، ونضالهم ضد قوى الظلم والقمع”.
1700 انتهاك
ومنذ أن شنت مليشيات الحوثي حربها في 21 سبتمبر/أيلول 2014، تعرض 45 صحفيا للقتل، ووثقت أكثر من 1700 حالة انتهاك واعتداء، وتوقف 165 وسيلة إعلام، وحجب قرابة 200 موقع إلكتروني محلي وعربي ودولي، وفق إحصائية رصدتها نقابة الصحفيين اليمنيين.
النقابة أكدت بمناسبة اليوم العالمي للصحافة في بيان طالعته “العين الإخبارية” أن الصحفيين في اليمن يعملون في بيئة عدائية جراء تعامل أطراف الحرب معهم باعتبارهم أعداء، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي الإرهابية.
وقالت إن “الصورة الأكثر إيلامًا تلك الملاحقات والمضايقات والتهديدات التي يتلقاها الصحفيون يوميًا، وأرغمت المئات منهم مغادرة المدن إلى الأرياف أو إلى مدن أخرى، وأجبرت آخرين على مغادرة البلد، وتركت هذه الهجرات حالة شتات مرهقة وندوبًا غائرة في أرواح ووجدان الصحفيين ناهيك عن المئات الذين يقطنون مقهورين تحت سطوة الحوثيين بلا عمل وفي ظل قيود قمعية لا تطاق”.
وتستمر مليشيات الحوثي باعتقال 3 صحفيين يقبعون في سجونها بصنعاء، وهم؛ وحيد الصوفي، ونبيل السداوي، وعبدالله النبهاني، فيما ما زال الصحفي اليمني محمد المقرمي، مخفيا لدى تنظيم القاعدة الإرهابي في حضرموت منذ عام 2015، في ظروف غامضة، وفقا لذات المصدر.
وطالبت نقابة الصحفيين اليمنيين بالإفراج الفوري عن جميع المختطفين، وحمّلت مليشيات الحوثي مسئولية التعنت، وعدم الاستجابة للمطالب الحقوقية والنقابية المحلية والعربية والدولية بالإفراج عن الصحفيين والكف عن التعامل مع الصحفيين بقسوة وعدوانية.
وأكدت أن كل الجرائم المرتكبة من كل الأطراف بحق الصحافة والصحفيين لن تسقط بالتقادم، ولا بد لأعداء الصحافة أن يواجهوا العدالة في يوم قريب، ولن يفلتوا من العقاب.
نزيف في 10 أعوام
وتزامنا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، طالبت 40 منظمة إقليمية ومحلية معنية بحريات الرأي والتعبير وحقوق الإنسان في بيان مشترك، جميع أطراف الصراع في اليمن باحترام حرية الصحافة والإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفيين المعتقلين على خلفية نشاطهم الإعلامي.
وكشف البيان أنه على مدى عشر أعوم مضت “تزايدت الانتهاكات والممارسات التعسفية ضد الصحفيين ووصل إجمالي هذه الانتهاكات منذ بداية العام 2015 وحتى أبريل/نيسان 2024 إلى 2536 انتهاكًا من بينها 54 حالة قتل لصحفيين وصحفيات”.
وقال البيان الذي اطلعت على نسخة منه، إن الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيين والإعلاميين جعلتهم يدفعون ثمنًا باهظًا كي يمارسوا مهنتهم، وينقلوا الأحداث في ظل إفلات المجرمين من العقاب، وتوسعت دائرة استهداف الصحفيين لتصل إلى أهاليهم كوسيلة للضغط عليهم، ومحاولة لإسكات أصواتهم، والتضييق على مساحة حرية الرأي والتعبير.
واعتبر البيان الانتهاكات التعسفية بمختلف أنواعها التي تمارس ضد الصحفيين والعاملين في اليمن أنها “تشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، ولقواعد القانون الدولي الإنساني”.
وانتقد البيان “الدور المحدود للمجتمع الدولي الذي يغلب تعامله السياسي في الملف اليمني على بقية الجوانب الأخرى؛ لإرضاء أطراف الصراع، ما ساهم في إفلات المجرمين من العقاب وزاد عدد الانتهاكات إلى جانب غياب الإرادة السياسية المحلية وضعف السلطة القضائية في اليمن، وغياب الإجراءات الفاعلة تجاه مرتكبي الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبتهم على أفعالهم”.
ودعا البيان المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لزيارة السجون في اليمن ومقابلة الصحفيين للاطلاع عن قرب على وضعهم فيها، وحث على إجراء تحقيق فوري وجاد من أجل إيجاد آليات عملية وفعالة تنهي بشكل حاسم حالات الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.
كما طالب بالضغط على مليشيات الحوثي لوقف الانتهاكات المستمرة بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية العاملة في نطاق سيطرتها.
مخاطر هائلة
في السياق، أشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي باليمن رشاد العليمي بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحاف بدفاع الأسرة الصحفية اليمنية وتضحياتها في مواجهة انتهاكات الحوثيين.
وأشار العليمي إلى “التزام الأسرة الصحفية اليمنية بقيم الدولة والمواطنة المتساوية، ومقاومة انتهاكات المليشيات الحوثية الممنهجة ضد الحقوق والحريات العامة”.
من جهته، قال السفير الأمريكي لدى اليمن، ستيفن فاجن إن “الصحفيين في اليمن يواجهون مخاطر هائلة لمجرد إيصالهم للأخبار، وأن تقارير الصحفيين ضرورية؛ لأنها تقدم معلومات للمجتمع الدولي”.
وأشار إلى أن أعمال الصحفيين تدعم الجهود الرامية لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، وأن العالم يرى من خلال أعينهم العواقب الحقيقية للصراع في اليمن.
وأشاد بالدور الحيوي للصحفيين الذين يكتبون عن الواقع القاسي للصراع الدائر في البلاد، بما في ذلك الاعتقالات غير القانونية والتحديات البيئية والاقتصادية، والتهديدات التي تتعرض لها حياة الإنسان اليمني وحقوق الإنسان، مؤكدا دعم بلاده الثابت لحرية الصحافة في اليمن كركيزة أساسية للديمقراطية.