مقتل “الظواهري”.. مشهد مكرر في الحرب على الإرهاب
وطُويت صفحة أكثر الإرهابيين شهرة في العقدين الأخيرين، الزعيم الثاني لتنظيم “القاعدة” الإرهابي، أيمن الظواهري، أحد مؤسسي التنظيم، والذي قتل في غارة جوية نفذتها مسيّرة أمريكية بالعاصمة الأفغانية كابول.
إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتل زعيم “القاعدة” ترك الأبواب مفتوحة لعديد من التساؤلات عن مستقبل تنظيم هو أقدم وأعتى التنظيمات الإرهابية النشطة، وعن الملابسات التي سبقت ولازمت عملية مقتله.
المتابع للنسخة الثانية من تنظيم “القاعدة” الإرهابي، والتي قادها أيمن الظواهري، بعد مقتل رفيقه أسامة بن لادن في مايو 2011، سيجد أن التنظيم الإرهابي واجه عواصف داخلية وخارجية أفقدته الريادة والسبق في طليعة تنظيمات الإرهاب، إذ كان لـ”الظواهري” تأثير محصور على المستوى الأيديولوجي والتنظيري أكثر منه على مستوى القيادة العملياتية والعسكرية.
وكانت بوادر تلك الصفعات التي تلقاها “القاعدة” عام 2014 مع التراشقات الإعلامية، التي كانت بينه وبين “أبو محمد العدناني”، الناطق باسم تنظيم “داعش” الإرهابي، والذي استنكر تبعية تنظيمه -داعش- لتنظيم “القاعدة”، ناشرًا غسيل “الظواهري” أمام أتباعه وأمام الفصائل الإرهابية المختلفة، التي قاتلت على الأراضي السورية، ومن ثم مبايعة “أبو محمد الجولاني”، قائد ما يسمى “هيئة تحرير الشام”، لـ”الظواهري”، ثم انسلاخه عن بيعته تلك حتى وصلت الحال به إلى أن يصف أحد منظّري الإرهاب “أبو الحارث” -الرفيق السابق للظواهري- بـ”الإمام المسردَب”، دلالة على غيابه عن مشهد الإرهاب العالمي.
كذلك يمكننا القول إن إصدارات مؤسسة “سحاب”، الذراع الإعلامية لتنظيم “القاعدة”، فقدت زخمها في زمن “الظواهري”، الذي كان يكتفي فقط بتسجيل حضوره بين فترة وأخرى.
ولا يمكن لوم فارق الكاريزما بين “بن لادن” و”الظواهري” في ذلك.. فالأمر مرتبط هنا بعوامل عدة شملت الطبيعة البنيوية للتنظيم بعد دخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان عام 2001، ما جعل التنظيم يبسط شبكاته لتأخذ شكلا عنقوديًّا لا مركزيًّا فرضته الظروف الميدانية، فهذا الشكل يُضعف القيادة والسيطرة للقادة الرئيسيين في التنظيم الإرهابي على أفراده وشبكاته، ويؤثر في كفاءة العمليات، إلا أنه يضمن درجة أعلى من الأمن ويقلل فرص اختراق التنظيم وتفكيكه، ليكتفي التنظيم بتوفير مظلة أيديولوجية لتنظيمات وشبكات مختلفة في أصقاع الأرض تدين بالولاء لـ”القاعدة” دون تعليمات مباشرة وتحكُّم من التنظيم المركزي.
إضافة لذلك، كان للاستهداف المتتالي دور في إضعاف سلسلة القيادة للصف الثاني في التنظيم، كاستهداف إسرائيل لـ”أبو محمد المصري” في إيران عام 2020، والذي كان مهيأ هو الآخر لزعامة التنظيم الإرهابي.
ولا ننسى أيضًا مقتل حمزة بن لادن، ابن زعيم التنظيم عام 2019، والذي كانت تعتبره الأوساط الإرهابية شخصية أكثر توافقية، وقيادة شابة جاهزة، فهو يحمل اسم وإرث والده في سباق محموم على زعامة التنظيم مع فصائل مناوئة ازدادت كفاءتها وخبراتها في التعامل مع التنظيمات المسلحة، في حالة اقتصادية مزرية ومصادر تمويل محدودة تفرقت بين أكثر من فصيل وتنظيم وجماعة مسلحة أكلت من الحصة السوقية لـ”لقاعدة”.
ومع ترشيح العديد من الخبراء والباحثين لمحمد صلاح الدين زيدان، الملقب بـ”سيف العدل”، ليتسلم زمام التنظيم في نسخته الثالثة بعد مقتل “الظواهري”، تُثار تساؤلات عن نفوذ إيران في مستقبل التنظيم الإرهابي.
فإيران هي التي آوت “سيف العدل” وتأوي العديد من قيادات الصف الثاني لتنظيم “القاعدة” وعائلاتهم، ومدى تأثير هذا النفوذ على مرجعية “سيف العدل” بين أتباعه المباشرين أولا، وبينه وبين التنظيمات الموالية لتنظيم “القاعدة” على مستوى العالم، وأخيرًا بينه وبين منافسيه من الجماعات والحركات الإرهابية، التي ستجد في ذلك مدخلا لسحب “الشرعية” منه.
ليس تقليلا لأهمية هذا الاستهداف، الذي يشكل ضربة موجعة لتنظيم “القاعدة” قد يترنح بعدها لفترة يعيد فيها ترتيب أوراقه، ولكن العقد الماضي شهد قطفًا لرؤوس كثيرة من زعامات الإرهاب والتطرف العالمي، وما تلبث أن تخرج إدارة أمريكية مختلفة عن سابقتها تبشّر العالم بمقتل زعيم للقاعدة أو خليفة لداعش أو أمير لتنظيم مسلح في عمليات عسكرية بمختلف الأشكال والأنواع والمواقع الجغرافية، لكن أيا منهم لم يعلن انتصاره في حربه على الإرهاب، فالانتصار التكتيكي لا يغطي الفشل الاستراتيجي في مواجهة هذه الظاهرة، التي تحتاج إلى أدوات ومقاربات أكثر بكثير من المقاربة العسكرية للحد منها.