اخترنا لكم

أزمة القيادة في الإخوان


إذا أردنا أن نضع توصيفًا دقيقًا لما تعيشه جماعة الإخوان الإرهابية الآن فلا أقل من وصفها بالجماعة المأزومة، ولعل أزمتها الداخلية أشد بسبب فشلها في اختيار قيادة لها.

طفحت أزمة الإخوان المسلمين على السطح ربما في بدايات العام 2021 بسبب الخلاف على قيادة التنظيم، فعلى مدار عاميين كاملين وتتفاقم هذه الأزمة حتى بات حلها من رابع المستحيلات، خاصة وأنه صدّرت قرارات وترتب عليها أوضاع تنظيمية لا يمكن تجاهلها، وبالتالي بات التقارب بين الجبهات المنشقة صعبًا والاتفاق على قيادة واحدة للتنظيم مستحيلًا.

مؤخرًا كشف محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد عن نيته في الصراع الدائر مع جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير، حيث نصب الأول نفسه قائمًا بأعمال مرشد الإخوان بعد وفاة الثاني قبل أسابيع قليلة، رغم أنه سبق وأعلن في بدايات الخلاف أنه لا يرغب في سلطة وإنما هدفه احترام لوائح التنظيم.

نصب محمود حسين نفسه قائمًا بأعمال مرشد الإخوان مستندًا على نص لائحي في المادة الخامسة التي تعطي الحق بأن يتولى أحد أعضاء مكتب الإرشاد منصب القائم في حل خلوه وتعذر وجود نائب للمرشد، فعل ذلك بعد أن استنزف كل محاولات ضم الجبهة المناوئة له والاتفاق على تسميته، إلا أنه فشل بعد أن اكتشف الإخوان وجود وصيّة تركها خصمه الراحل في لندن.

وصية إبراهيم منير التي تم فتحها في وجود أعضاء شورى الإخوان من هذه الجبهة وبحضور اللجنة الإدارية العليا كشفت عن انحيازه لاختيار قائم بأعمال مرشد الإخوان من غير مجلس الشورى ومن غير اللجنة وبالطبع ليس عضوًا في مكتب إرشاد الإخوان، واتفق الجميع على تنفيذ ما جاء في الوصية، إلا أنهم أرجئوا الإعلان عنها.

إرجاء الإخوان للإعلان عن اسم القائم بعمل مرشد الإخوان يعود في الأساس بأن هذا القيادي، الذي تتكتم الجماعة عليه كان مقيمًا خارج تركيا، وبالتالي ارتأوا أن الإعلان السريع عنه ربما يُعقد من انتقاله لمقر خلافته في إسطنبول! ، فبعد أن وصل في سرية تامة يقوم التنظيم بترتيب أوراق إقامته بعدها يتم الإعلان عنه.

أقسم أعضاء شورى الإخوان واللجنة الإدارية وكل من حضر فتح وصيّة إبراهيم منير، التي سمى فيها خليفته بعدم الإفصاح عن الاسم لحين صدور بيان رسمي، وهو ما زالت تتكتم عليه الجماعة، حتى إن جبهة محمود حسين ذاتها لم تستطع التوصل لاسمه ولا أي بيانات تخصه في ظل التكتم الشديد عليه خاصة وأن الأمر يتعلق بأمنه الشخصي وتحضير انتقاله إلى إسطنبول.

لم يجد محمود حسين نفسه إلا مضطرًا لاستصدار بيان يؤكد فيه على اختياره قائمًا بعمل المرشد، والتأكيد على أن هذا الاختيار يتسق مع المادة اللائحية من النظام الأساسي، ثم شرح بشكل تفصيلي محاولاته رأب الصدع من خلال عرض الأمر على الجبهة المناوئة ومن ثم الخروج في بيان مجمع للإعلان عنه قائمًا بأعمال مرشد الإخوان.

بيان محمود حسين المطول كان سرديًا، حاول من خلاله إقناع التنظيم وأتباعه بصحة اختياره والوقوف أمام أي اختيارات أخرى لجبهة لندن، في ظل التكتم الشديد على القائم الجديد الذي تم تسميته في وصية إبراهيم منير، إلا أن هذا البيان لم يذهب الخوف والقلق من الجبهة الأخرى التي أرادت أن تسير على نفس خطى إبراهيم منير، الذي كان يرى أن أمين عام التنظيم السابق هو الأشد خطرًا على التنظيم من خصوم التنظيم أنفسهم.

لا يمكن اختزال أزمة الإخوان في خلاف على القيادة أو تباين في وجهات النظر حول اختيار القائم بعمل المرشد، فقد كان يحدث هذا الأمر قديمًا ولكن مكتب إرشاد الإخوان في القاهرة كان يقمع أي تمرد بقوة ويكسب أي معركة يخوضها مهما كان صاحبها ومهما كان موقعه التنظيمي، فمن قبل استبعد أحمد السكري، وكيل الجماعة وصنو المؤسس الأول حسن البنا، وحديثًا تم قمع نائبها الأول، محمد حبيب، والوقعتين يدلان على قوة التنظيم في مواجهة الخارجين عليه.

الجماعة مأزومة داخليًا، ولعلها تحمل في رحمها عوامل الانهيار الحقيقي، فخلافات الجماعة بمثابة جنين صغير وضعته الجماعة بالفعل حتى صار أقوى منها، وباتت خلافات التنظيم أكثر ما يميزها، وهنا يمكن القول،: إن عوامل انهيار التنظيم داخلية، وهذا لا ينفي المواجهة الخارجية، ولكن قوة الخلافات البينية وشراستها كفيل بأن يقضي على ما تبقى من التنظيم.

لا يوجد أي أمل لاحتواء أزمة الإخوان الداخلية أو لملمة هذه الخلافات، التي وصلت لكل صف الإخوان وتم البناء عليها في قرارات تنظيمية لا يمكن الرجوع عنها أو التملص منها، لكن الأمل الوحيد لحلها في خروج مرشد الإخوان محمد بديع من السجن، فمع خروجه سوف يبطل الخلاف على منصبه، ولا أعتقد أن ذلك يحدث، وبالتالي سوف تستمر هذه الخلافات وقتًا أطول.

فكما أن وفاة إبراهيم منير، القائم بعمل مرشد الإخوان، جبهة لندن، زادت من حدّية الخلاف، فإن وفاة محمد بديع، إذا حدثت، قد تؤدي إلى تفسخ التنظيم نهائيًا وتقضي على أي أمل متعلق قد يلوح في الأفق بانتهاء الخلافات المرتبطة بتسمية منصب القائم بعمل المرشد، خروج محمد بديع من السجن هو بمثابة الماء الذي يبطل سنة التيمم.

بقاء بديع داخل السجن يعني بقاء الخلاف على ما هو عليه، ولعل خروجه في توقيت ما بعد سنوات عديدة أو مديدة قد لا يُساعد في حل الخلاف بين الجبهتين المتنازعتين، فكلما مر الوقت كلما اتسع الخرق على الراقع وزاد الخلاف أكثر وتشكلت جبهات مناوئة وانصرف جموع الشباب من حول التنظيم وزهد الشيوخ في جماعة كان يصفونها للأتباع بأنها ربانية إذ تفاجئوا بأن الشيطان يجلس على أذنابها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى