اخترنا لكم

الاتفاق النووي وأغراضه “الفاسدة”


المفاوضات حول “الاتفاق النووي” بين طهران وواشنطن تتعثر من جديد، لأن المقاصد غير المعلنة “صغيرة وفاسدة”.

المعلن في المفاوضات يقول من جهة الولايات المتحدة “إن الهدف هو منع إيران من حيازة سلاح نووي”. بينما الحقيقة هي أن أغراضًا ومصالح صغيرة هي ما ظل يشغل اهتمامات “البيت الأبيض”، عنوانها السابق قبل اندلاع الأزمة في أوكرانيا: عقود الشركات الغربية وتمويلاتها من أموال إيران المحتجزة، لتكون استئنافًا لموطئ قدم سابق. وعنوانها الراهن في خضم الصراع مع روسيا: النفط والغاز الإيراني.

تقول إيران، من جانبها، إنها لا تريد حيازة سلاح نووي، وإنما ضمانات اقتصادية وسياسية “أقوى” بعدم عودة العقوبات مرة أخرى.

الهدف الحقيقي، هو أنه إذا كان على إيران أن تقايض مشروعها النووي بأي شيء، فإنه يجب أن يكون مضمونًا بما لا رجعة فيه، وألا يعوق تدخلاتها في المنطقة عائق.

التفاوت بين الأقوال والمقاصد قليل الأهمية بالنسبة للطرفين. إنه جزء من المخادعات المألوفة. بالنسبة للغرب فإن الأمر يشبه “الدفاع عن حقوق الإنسان”، بينما المقصود صفقات تجارية أفضل. وبالنسبة لإيران فإن الأمر يشبه “الدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية” بينما المقصود تمزيقها بمشروع طائفي.

الأغراض الصغيرة هي ما جعل الولايات المتحدة تتجاهل حقيقة أن امتلاك إيران لأسلحة نووية ليس أكثر ضررًا أو خطرًا من أعمالها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

انظر إلى لبنان. هذا بلد ينهار على رؤوس أبنائه، بسبب كتيبة “الحرس الثوري” المسماة “حزب الله” الإرهابي، التي تسيطر على قراره السيادي. ثم انظر إلى اليمن. إنه بلد يغرق في واحدة من أكبر المآسي الإنسانية، بسبب رغبة الجماعة الإرهابية الحوثية في الاستيلاء على السلطة عنوة، لتكون امتدادًا لإيران، وتسيطر على مداخل البحر الأحمر.

ثم انظر إلى ما تتعرض له الولايات المتحدة نفسها من تهديدات من قبل المليشيات التابعة لإيران.. لتعرف، من بعد ذلك، أن “الشغل الشاغل” الثانوي، المتعلق بالصفقات أو النفط، هو ما يحرك سياسة التفاوض مع إيران، وليس “منع إيران من حيازة سلاح نووي”. هذه خدعة. إنها غطاء لشيء آخر.

بكل تأكيد، ثمة مغزى وراء الحرص على هذا المنع، إلا أن مشاغله الصغيرة الأخرى، ظلت هي الهدف.

ما لم تلاحظه واشنطن أن إيران أفلتت كليا من قبضة الطموحات التاريخية الأمريكية باستعادة النفوذ في إيران. هذا الهدف، إذا جاز له أن يتحقق، فلا سبيل له إلا بتغيير النظام، وليس عقد الصفقات معه. إيران-الواقع بعيدًا عن إيران-الأوهام الأمريكية.

النفط والغاز الإيراني يبدوان “حاجة أكيدة” بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. ولكن السؤال البسيط هو: هل حقا؟ هل هناك نقص في تلبية احتياجات السوق أصلا؟

لا ضرورة لتسأل عما إذا كان هناك غرض آخر.. أصغر، لأنه مكشوف إلى درجة تثير الضحك. إنه دفع الأسعار إلى الانهيار، لكي تتحمل الدول المنتِجة كلفة التضخم، الذي تسبب فيه إنفاق الدول الغربية 15 تريليون دولار على إغلاقات وباء كورونا.

الأمن بالنسبة لإيران أهم من الاقتصاد. وهذا ما يجعل المقايضة صعبة بالنسبة لطهران، وتتطلب “ضمانات قوية”.

طهران تريد هذه الضمانات، وتريد أن تحافظ على أسرار مخادعاتها أيضًا، لتكون نوعًا من ضمانات أخرى. هذا هو السبب الذي يجعلها تطلب وقف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن برامجها السرية التي اكتشفت في ثلاثة مواقع غير معلنة.

عندما ترتفع معدلات التضخم والبطالة والفقر وتنخفض القدرة الشرائية لثلاثة أرباع السكان في إيران، وتتراجع معدلات النمو إلى ما دون الصفر، فهذه أمور لا بد أن تُقلق أي حكومة “طبيعية”. إلا أنها لا تقلق أحدًا في إيران. إنها أقل أهمية من قدرتها على بناء قوة عسكرية، أو توظيف مليشيات في الخارج.

الإنفاق يذهب في هذا الاتجاه، وليس في اتجاه معالجة المشكلات الاقتصادية. وما لم توفر العودة إلى الاتفاق النووي، ضمانات أمنية، تحت تسمية “ضمانات اقتصادية أقوى”، فإن الصفقة كلها لن تعود قابلة للنقاش.

المقاصد الصغيرة والفاسدة، هي ما يدفع إلى تعثر خطوات الطرفين كلما بدا أنهما حققا “تقدما”. والمفاوضات قد تتوقف أو تُستأنف، إلا أن لعبة المخادعات مستمرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى