اخترنا لكم

الاستثمار في الفضاء.. استثمار في العقول والمستقبل

يبين هذا المقال الفوائد والمميزات للاستثمار في الفضاء، ويلقي الضوء على التجربة الناجحة لدولة الإمارات في مجال الاستثمار الفضائي.

حقائق فضائية:

منذ بداية المهمات الفضائية في منتصف القرن الماضي، اكتسب القطاع الفضائي عامةً أهمية كبيرة من النواحي الاستراتيجية والاقتصادية والمجتمعية، فاليوم ثمة سباق دولي على الفضاء تنخرط فيه أكثر من 70 دولة في العالم، لأسباب عديدة وغايات متنوعة.

وقد شهدت الستون عامًا الماضية تطورات فضائية تقنية وعلمية واستكشافية ناجحة، أسهمت جميعها في تحسين حياة البشر، ودعم الأمن الدولي، والإسهام في التقدم التقني، وتعزيز معرفتنا بكوكبنا ومجموعتنا الشمسية، إذ يوجد اليوم نحو 5000 قمر صناعي يعمل في الفضاء، وأُرسل أكثر من 550 رائدًا إلى الفضاء، وأصبح اقتصاد الفضاء يتجاوز 450 مليار دولار سنويًّا، بمعدل نمو يقارب 9 في المئة، ومن المتوقع أن يقارب التريليون دولار في عام 2030، إذ يعمل في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أكثر من 5500 شركة تركز على منتجات وخدمات فضائية.

لماذا الفضاء؟

بالرغم من أن الفضاء يتسم بتكاليف كبيرة، ومخاطر عالية بوجهٍ عام، ويتطلب مهارات تقنية وبشرية متخصصة، فإن الدول تستثمر بسخاء في هذا المجال الحيوي، نظرًا إلى المميزات المتعددة والفريدة التي يوفرها، فعلى سبيل المثال، يوفر الفضاء مميزات وقدرات استراتيجية للدول، خاصة في المجال العسكري، إذ أصبح الفضاء البُعدَ الخامس في مفهوم الحروب الحديثة، كما يوفر الفضاء مميزات اقتصادية، فيدعم الاقتصاد المبني على المعرفة، ويُسهم في الاقتصاد المستدام، ويعمل محرّكًا للأنشطة الاقتصادية العالية التقنية، ويُسهم الفضاء أيضًا في تحسين الحياة المجتمعية للبشر.. إذ توفر البرامج الفضائية الاتصالات، ونقل البيانات، والبث التليفزيوني، والتصوير الفضائي للأرض، والملاحة، والتنبؤ بالطقس، ومراقبة الكوارث الطبيعية، ما أسهم في تحسين الحياة وتسهيلها، فلم يعد بالإمكان الاستغناء عن الخدمات الفضائية في حياتنا اليومية، كما أصبح الفضاء بمفهومه الشامل مصدر إلهام للأجيال الناشئة للإقبال على دراسة العلوم والتكنولوجيا، إذ أصبح وسيلة للإبداع والاختراع، ومُسهمًا في توطين الصناعات ذات التقنيات العالية، ما يُساعد على التطور المستدام للدول، على الصعيدين التقني والصناعي، فقد استُخدمت تقنيات، اختُرعت أصلًا للعمل في البيئة الفضائية، في حل كثير من التحديات التقنية على الأرض، ولا سيّما في مجال الطيران، والاتصالات، والطب، وغيرها.

وتستقطب الأنشطة الفضائية وتستوعب كثيرًا من الكوادر البشرية المؤهلة، ما يُسهم في تخفيف البطالة التقنية.

وأصبح الفضاء منصّة فاعلة، ومشجّعًا للتعاون الدولي والشراكات الاستراتيجية، وخير مثال على ذلك محطة الفضاء الدولية التي تشترك فيها 15 دولة.

ويدعم الفضاء مفهوم القوة الناعمة للدول، ويجسد دبلوماسية شبه فريدة تُعرف بدبلوماسية الفضاء، فقد يحدث اختلاف بين الدول على الأرض، لكنها تتحد وتشترك في مشروعات فضائية.

وأضحى الفضاء مسهمًا رئيسيًّا في تحقيق كثير من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.. ومما لا شك فيه أن الأنشطة الفضائية أصبحت مؤشرًا إلى الحداثة والتقدم والنضوج للدول، ما يُسهم في استقطاب الاستثمار الأجنبي، وزيادة التأثير السياسي لتلك الأنشطة.

ويسهم الفضاء عبر أنشطة الاستكشاف في زيادة معرفة البشرية بالكواكب والنجوم والمجرات، وخير مثال على ذلك مرصد “جيمس ويب” الذي أُطلق أخيرًا، والتقط صورًا مرئيةً لمجرات بعيدة جدًّا لم تكن معروفة سابقًا، ما يُسهم في فهم نشأة الكون.

ويمكن القول، استنادًا إلى تجارب ونتائج ذات مصداقية، إن الاستثمار في الفضاء استثمار ناجح، لكنه طويل المدى، وقد يصل العائد على الاستثمار إلى أضعاف عدة، في مدة قد تمتد ما بين عشر سنوات وعشرين سنة، وغالبًا ما يكون العائد غير مباشر، وقد يكون غير محسوس لبعضهم، ما يُولّد كثيرًا من التساؤلات عن جدوى الاستثمار في مجال الفضاء في كثير من الدول، ولا سيّما تلك التي تعاني تحديات، وتواجه أولويات مجتمعية، وخير مثال على ذلك برنامج الفضاء الهندي، إذ تستثمر الحكومة الهندية بسخاء في مجال الفضاء، بهدف إيجاد حلول مستدامة، مثل استكشاف الثروات الطبيعية، والأراضي الزراعية، وصقل المواهب، ما يُقدم حلولًا مستدامة للعديد من التحديات المجتمعية.

عوامل نجاح البرامج الفضائية:

مما لا شك فيه أن نجاح الاستثمار الفضائي عمومًا، أو ما يُعرف أخيرًا بـ”اقتصاد الفضاء”، يعتمد على عوامل أساسية عدة، منها رؤية قيادية نيّرة، ووجود سياسات واستراتيجيات وتشريعات وخطط فضائية واضحة، ومؤسسات فضائية ناضجة، وكوادر بشرية مؤهلة، وبنية تحتية، وممكّنات ومقوّمات داعمة، وعلاقات وشراكات استراتيجية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.

ويُعدّ برنامج الإمارات الفضائي مثالًا حيًّا، ونموذجًا ناجحًا من حيث النمو والتنوع والحجم، وهو برنامج يُحتذى به من قِبَلِ كثير من الدول، خاصة في منطقتنا العربية، التي تحتاج إلى نهضة علمية وتقنية للحفاظ على مصالحها، وضمان مستقبل أبنائها، واللحاق بالدول المتقدمة علميًّا وتقنيًّا.

وقد خطا عدد من الدول العربية خُطى الإمارات بتأسيس برامج فضائية طموحة، والاستفادة من تجربة الإمارات الناجحة في مجال الفضاء، إذ تتوافر عوامل نجاح عديدة، على رأسها دعم القيادة اللا محدود، وخير مثال على ذلك إعلان صاحب السمو رئيس الدولة أخيرًا تأسيس صندوقا للاستثمار الفضائي بقيمة ثلاثة مليارات درهم، وتمتّع القطاع الفضائي الإماراتي بسياسات واستراتيجيات وتشريعات فضائية حديثة، ووجود مؤسسات فضائية ناضجة مكمّلة لبعضها، وشراكات استراتيجية ناجحة بين القطاعات الحكومية والأكاديمية والخاصة، أثمرت تأسيس عدد من المؤسسات والشركات الفضائية الوطنية، إضافة إلى وجود استدامة للقطاع الفضائي الوطني عبر خطط وبرامج مستقبلية واعدة.

نقلا عن “مفكرو الإمارات”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى