اخترنا لكم

التوافق والتجاذب في التطورات الليبية


تشهد التطورات الليبية مزيدا من المنعطفات المتعلقة بالوضع الداخلي وتفاعلات الأحداث الدولية.. في ظل تعيين مبعوث أممي جديد، ليكون ترتيبه الثامن في ليبيا منذ بداية الأزمة في 2011.

وعكست عملية تعيين مبعوث أممي جديد في ليبيا دلالاتٍ، أهمها وجود دعم أمريكي واضح للمبعوث الجديد “عبد الله باتيلي”.

وهو ما انعكس في تصريحات السفير الأمريكي لدى ليبيا “ريتشارد نورلاند”، والذي دعا القوى الداخلية والخارجية للتعاون مع المبعوث الجديد، لوضع خارطة طريق بشأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في ظل وجود ملفات متشابكة، تتمثل في القاعدة الدستورية التي لا تزال موضع خلاف داخلي كبير.

ومن المفترض أن يعمل المبعوث الجديد على محاولة التوصل إلى قاعدة دستورية تمهد الطريق نحو الانتخابات، فضلاً عن التحديات المتعلقة بحالة الانقسام السياسي الراهن بوجود حكومتين متنافستين داخل ليبيا.. إلى جانب ملف المليشيات المسلحة والمرتزِقة، الذي يعد الأكثر تعقيدا في أزمة ليبيا.

الواقع أنه توجد ترتيبات جديدة يجري التحضير لها، ربما تدفع لضمان استمرارية حكومة “الدبيبة” في السلطة وإجراء تعديلات عليها، مع التضحية بحكومة “باشاغا”، عبر إعادة هيكلة شبكة التحالفات الداخلية.. كما لا يزال الموقف الدولي، خاصةً الأمريكي، غير واضح إزاء هذه التطورات.

بيد أنه من المرجح أن يتحول الملف الليبي إلى أحد أبرز أوراق التنافس بين روسيا والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، وهو ما سيؤثر كثيرا في مسار الحركة في الداخل الليبي، حيث لا يمتلك مجلس النواب الليبي الحق في إدخال تعديلات على مشروع دستور 2017، وبالتالي فأي توافقات يتم التوصل إليها مع ما يسمى “المجلس الأعلى للدولة” في هذا الشأن، ويتم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بناء عليها، سيتم الطعن عليها وستكون باطلة، ومن ثم تعيد تأجيج المشهد من جديد.

وهناك شكوك عديدة بشأن أسباب التمسك بمشروع الدستور الذي تم وضعه عام 2017 من قبل 60 عضوا منتخبا، في ظل انقسامات داخلية حادة، فهناك عدة مشاريع للدساتير يمكن مراجعتها، منها دستور 1951 ودستور 1963، وكذا مشروع دستور 2009.

وفي هذا السياق، تحتاج الفترة الحالية إلى التوصل إلى اتفاق بشأن قاعدة دستورية تتضمن مواد محددة ومركزة يتم بناء عليها إجراء الانتخابات الليبية.

ومقابل ما يُطرح سياسيا، تتوافر حاليًّا مقومات عودة المواجهات المسلحة في الداخل الليبي، لكن تبقى التساؤلات تتعلق بمكان اندلاع هذه المواجهات، وما إذا كان يمكن أن تكون الشرارة في غرب ليبيا، من خلال مواجهات موسعة بين المليشيات الموالية للدبيبة، وبين المجموعات التابعة لأسامة الجويلي، مدير المخابرات العسكرية السابق، أم أنها قد تندلع في منطقة الوسط، عبر إقدام “الدبيبة” على اتخاذ خطوات استباقية نحو المواني النفطية.

لكن المعطيات الراهنة تعكس أن السيناريو الأكثر ترجيحا حال عودة المواجهات المسلحة أن تكون بؤرة انطلاقها من طرابلس.. كما لا يمكن استبعاد حدوث تصاعد للتوترات في شرق ليبيا.

وتجدر الإشارة إلى خطورة التداعيات المحتملة حال انفجار الوضع في شرق ليبيا، لاعتبارات تتعلق بصعوبة السيطرة عليه، عكس الموقف في الغرب.. مع تأكيد أن الأوضاع الأمنية في الغرب الليبي تتسم بحالة احتقان وقابلية للاشتعال في أي وقت، كما تتسم التحالفات الراهنة في الغرب بالهشاشة والقابلية للتغير باستمرار، مقابل درجة أكبر من التماسك في تحالفات شرق ليبيا.

فهل يكون الحل -ولو مؤقتا- في إمكانية تولي “المجلس الرئاسي” زمام الأمور لحين إجراء الانتخابات، عبر إعلان دستوري يصدره المجلس؟

هناك عدة نقاط مهمة واجب الإشارة إليها في هذا الصدد:

أولها، أن أسرة الدبيبة تمثل المنافس الرئيسي لفتحي باشاغا في غرب ليبيا، لذا يسعى باشاغا حاليا لتشكيل لوبي ضاغط على رئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة للحيلولة دون تمديد مدة استمرار حكومته حال فشل إجراء الانتخابات في موعدها، ديسمبر 2021.

ثانيها، المرتبط بالأوضاع الأمنية في غرب ليبيا وانتشار المليشيات المسلحة هناك، فيمكن السيطرة عليها عبر التنسيق مع حلف الناتو والولايات المتحدة وشن ضربات جوية مكثفة للقضاء على هذه البؤر.

ثالثها، أن جماعة الإخوان ليس لديها ثقل حقيقي حاليا في الداخل الليبي، وتتركز قوتها بالأساس في “الزاوية”، إلا أن الجماعة تستطيع استغلال هذه القوة في توجيه قيادات مصراتة لتحقيق مصالحها.

رابعها، يبقى حلف الناتو وتركيا والولايات المتحدة من يملكون زمام الهيمنة في الملف الليبي، والأمر كله متعلق بإجراء توافقات مع هذه الأطراف.

خامسها، بدأ الحديث مؤخرا عن تشكيل المنطقة العسكرية الوسطى، والتي تضم “الزاوية وطرابلس والمنطقة المحيطة حتى الحدود التونسية”، وهي تستهدف أساسًا تقويض نفوذ أسامة الجويلي، وعناصر الزنتان.

سادسها، سيستمر الخلاف والنزاع على “الشرعية” بين باشاغا والدبيبة داخل ليبيا وخارجها، حيث يرى الأخير نفسه ممثلا للشرعية باعتبار أن تكليفه صادر عن أعلى سلطة منتخبة في الدولة، فيما يعتبر الدبيبة أن التفويض لحكومته مستمر إلى حين إجراء الانتخابات في البلاد مع تأكيد إمكانية تولية منصب رئيس وزراء جديد، هو وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية بدر الدين التومي، أو وزير الصحة بذات الحكومة رمضان بو جناح، وإمكانية الذهاب إلى حكومة ثالثة.

في المجمل، فإن الحل الحقيقي للأزمة الليبية يجب أن يستند إلى مبدأ التداول السلمي للسلطة، والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وإنهاء المراحل الانتقالية، والوصول إلى تنفيذ الاستحقاقات المؤجلة مع ضرورة وضع خريطة طريق توافقية تقود إلى الانتخابات بقاعدة توافقية مقبولة وبرعاية أممية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى