اخترنا لكم

الدولار و”حلقة الموت”


“الدولار لقمة 20 عاما”.. أصبح طبيعيا ألا يمر أسبوع دون أن تجد هذا العنوان يتصدر أخبار الاقتصاد، فالعملة الأمريكية سجلت أقوى أداء للنصف الأول منذ أكثر من عشر سنوات خلال 2022.

 

إذ ارتفعت العملة الأمريكية إلى أعلى مستوياتها منذ 20 عاما، مع قيام البنك المركزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة والمخاوف بشأن اتجاه نمو الاقتصاد العالمي.

ما لم يكن يتخيله أحد حدث خلال الأيام القليلة الماضية، فقد وصل اليورو إلى مستوى التكافؤ مع الدولار للمرة الأولى منذ 2002، فيما وصل سعر صرف الدولار مقابل الين الياباني إلى أعلى مستوى له منذ 24 عاما.

ارتفاع الدولار تسبب في شعور جميع بلدان العالم بالضغط المتزايد يوما بعد يوم على اقتصاداتها.

في آسيا أدى هذا الصعود للعملة الأمريكية إلى هروب رؤوس الأموال من الأسهم الآسيوية (باستثناء الصين) بقيمة تصل إلى 71 مليار دولار هذا العام، بحسب تقديرات وكالة بلومبيرج.

البُلدان المستورِدة للسلع والبُلدان ذات الديون المقوّمة بالدولار، وكبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة يعانون ضغوطًا كبيرة جراء انخفاض العملات في جميع أنحاء العالم بشدة مقابل الدولار.

فدولة مثل مصر شهدت خروج أموال ساخنة خلال الفترة الماضية مع رفع أسعار الفائدة الأمريكية بنحو 20 مليار دولار وفقا لبيانات رسمية، ما أثر بشدة على الاحتياطي النقدي وشكل عبئا كبيرا على سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.

يبدو أننا ندخل فيما يسمى بـ”حلقة الموت” الخاصة بالدولار، حيث تصبح العملة المرتفعة ذاتية التعزيز لتحقيق مكاسب إضافية، بحسب آراء خبراء المال، الذين يؤكدون أن ما يُنعش هذه الحالة هو وجود مشكلة أوروبية، وهي تخلق ضغوطا على اليورو، مما يؤدي إلى ارتفاع الدولار، والذي يؤدي بدوره إلى تفاقم دورة التصنيع، وبالتالي تكرار هذا الأمر برمته، ما يجعل من الصعب معرفة متى تتوقف “حلقة الموت”.

هذه الحلقة تتسبب في هرولة البنوك المركزية على مستوى العالم لإجراء زيادات أكبر في أسعار الفائدة للسير على خطى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دورته التشددية، لدعم عملاتها وكبح جماح التضخم.

بحسب تحليل أجرته صحيفة فايننشال تايمز، خلال يوليو الماضي، فإن نحو 55 بنكا مركزيا أجرَوا 62 زيادة في أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس على الأقل في الأشهر الثلاثة حتى يونيو الماضي، فيما أعلن أيضا عن 17 زيادة أخرى في أسعار الفائدة في يوليو، مما يجعلها الأكبر في تحركات السياسة النقدية عن أي وقت مضى من هذا القرن.

تسببت ارتفاعات الاحتياطي الفيدرالي، بما في ذلك أول زيادة قدرها 75 نقطة أساس منذ عام 1994، والمخاوف بشأن صحة الاقتصاد العالمي، في دعم الدولار الأمريكي مقابل جميع العملات تقريبًا.

ونظرًا لأن العديد من السلع يتم تسعيرها بالدولار في الأسواق الدولية، فإن الدولار القوي يضيف إلى الضغوط التضخمية عن طريق رفع تكلفة الواردات، مما خلق ما وصفه المحللون بأنه “حرب عملة عكسية” بين صانعي السياسة النقدية في أغلب الدول.

ويبدو أن الأداء القوي للدولار كان محركا رئيسيا للارتفاعات الكبيرة في أسعار الفائدة، حيث تحاول العديد من الدول، خاصة الأسواق الناشئة، التعامل مع التضخم، ما يبرز معه تحديات معالجة ضغوط الأسعار التي تواجهها الدول وسط موجة ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية، وهو ما تعكسه تصريحات بعض الخبراء: “نرى ارتفاعًا في أسعار الفائدة يغذي الجنون”.

في البلدان المعرضة بشدة لضغوط سوق الصرف الأجنبية، زادت البنوك المركزية معدلات الفائدة بمبالغ كبيرة، وبشكل خاص تبرز المجر، حيث رفعت سعر الخصم الرئيسي لديها بنحو 385 نقطة أساس في شهرين فقط، حيث تواجه التضخم وانخفاض قيمة العملة مقابل الدولار بمعدلات من خانَتيْن.

سعر الصرف مهم في اتخاذ قرارات السياسة النقدية للعديد من الأسواق الناشئة، التي تضررت عملاتها بسبب المخاوف بشأن حرب أوكرانيا، ما أدى إلى خلق بيئة نفور عامة من المخاطرة في تلك الأسواق، وهو ما ينعكس على أداء الاقتصادات بشكل عام، لكن هذا الاتجاه أصبح واسع النطاق، وقد أثر في البنوك المركزية في البلدان الأكثر ثراءً أيضًا.

حاليا في معظم الاقتصادات المتقدمة، ترتفع معدلات الفائدة من أدنى مستوياتها على الإطلاق بعد التيسير الشديد من قبل البنوك المركزية خلال الأشهر الأولى من جائحة كوفيد-19، ويتوقع الاقتصاديون أن تواصل العديد من البنوك المركزية الكبرى رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 أو 75 نقطة أساس في اجتماعات تحديد الأسعار التالية.

في خطاب أثناء ندوة جاكسون هول، أشار جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، إلى أن “المركزي الأمريكي” سيرفع مستوى الفائدة إلى أعلى مستوى حسب الحاجة إلى تقييد النمو، وسيُبقيها هناك “لبعض الوقت” لخفض التضخم الذي يتخطى أكثر من ثلاثة أضعاف هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، مؤكدا أن الاحتياطي الفيدرالي لن يتراجع عن سياسته النقدية قبل أن يتم حل مشكلة التضخم.

مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي يرددون الفكرة نفسها، يريدون تشديد السياسة أكثر، ولا تزال المعركة طويلة، على الرغم من وجود بعض الأخبار السارة عن التضخم.

ستؤدي الزيادات الإضافية من جانب الاحتياطي الفيدرالي إلى الضغط على العديد من الأسواق الناشئة للحاق بالركب، على الرغم من أن العديد بدؤوا في تشديد سياساتهم النقدية العام الماضي، قبل الاقتصادات المتقدمة.

البنوك المركزية بحاجة إلى التصرف بسرعة لإخراج المعدلات من المنطقة “التحفيزية”، لا سيما في بيئة يرتفع فيها نمو الأجور وتوقعات التضخم، وهناك خطر من أن يؤدي عدم اتخاذ أي إجراء إلى السماح بتطور دوامات أسعار الأجور، وهو ما يضغط بشدة على موازنات الدول والمؤسسات ويغذّي المزيد من التضخم.

ويبدو أن الأسواق الناشئة “تعلمت الدروس” من دورات التشديد السابقة في الولايات المتحدة، ورغم أن الأسواق الناشئة تقليديًّا سترفع أسعار الفائدة بعد نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة، فقد بدأت الآن في وقت مبكر جدًّا، وما يمكنك رؤيته هو أنها تمكنت من الحفاظ على استقرار أسعار الصرف لديها وكبح الضخم إلى حد ما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى