السويد.. برلمان ما بعد الانتخابات
حسابات الربح والخسارة في معادلة الانتخابات النيابية والمحلية في السويد لم تكن بعيدة عن توقعات استطلاعات الرأي.
وبالتالي فإن نتائج تصويت الناخبين باتت توضح طبيعة الأزمات التي يعانيها هذا البلد الاسكندنافي الهادئ إلى حد كبير.
ففي بلدٍ يصوّت فيه المواطنون على اختيار ممثليهم في البرلمان والمجالس المحلية والجهوية، يحق كذلك للمقيمين أن يشاركوا في الانتخابات المحلية فقط، ويسهموا في اختيار أعضاء المجالس البلدية والمناطقية، ضمن قوائم ثمانية أحزاب رئيسية، تترواح توجهاتها بين اليسار ويسار الوسط، ويمين الوسط أو “اليمين المتطرف” كما بات يسمّى.
وكالمتوقع، استطاع الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم -حزب يساري معتدل- أن يحصل على أعلى نسبة مقاعد في البرلمان، وحزب “السوسيال” كما يسميه السويديون، هو امتداد للحركات الاشتراكية الليبرالية في أوروبا، وبالإمكان وصفه بحزب “العمال” السويدي، مع التحفظ على بعض معايير العمل السياسي الخاصة بأحزاب عمالية أخرى في بلدان أوروبية معروفة.
أما حزب الديمقراطي السويدي، أو الحزب “اليميني المتطرف”، فقد حصد مزيدًا من الأصوات على حساب الأحزاب اليمينية الأخرى، ليأخذ في الوقت نفسه أصواتا كان من المفترض أن تؤول في نهاية المطاف لحزب المحافظين السويديين، أو ما يسمى حزب “المودرات” في اللغة السويدية، وفي المحصلة جاء في المرتبة الثانية بعد الاشتراكيين تحت قبة البرلمان السويدي.
ولم تحمل انتخابات السويد عام 2022 أي تغيير حقيقي في بنية الأحزاب العريقة والمعروفة، لتبدأ مبكرًا معركة تشكيل الحكومة، على وقع عزوف حزب اليسار -الذي حلَّ ثالثا في ترتيب الأحزاب- عن المشاركة في حكومة يقودها “السوسيال”، إن لم ينفذ الحزب الاشتراكي مطالب اليسار، دون الإصغاء لشروط أحزاب أخرى داعمة، مثل حزب البيئة أو حزب الوسط.
ومع أن أحزاب السويد عمومًا تعاملت بإيجابية كبيرة مع قضية دعم أوكرانيا، خاصة عبر طلب السويد الانضمام لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، فإن قضايا داخلية آنية، مثل أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة، ناهيك بمسائل مُلحة كالهجرة والاندماج، واستقبال مزيد من اللاجئين، تبقى أكثر تعقيدًا في تناولها، لأن لها صلة بعمل المشرّعين اليومي داخل أروقة المجلس النيابي السويدي الجديد.
ولأن دولة مثل السويد يقارب عدد المسلمين بها مليون نسمة، فإن محاولات سياسية خجولة من قبل مستقلين وحزب سياسي جديد هو “نيانس”، لم تكن بهذا الزخم الانتخابي، الذي يمثل شريحة واسعة من سكان البلد الأوروبي، الساعي للبقاء ضمن فضاء الاتحاد الأوروبي، ولكن بمعايير اقتصادية مختلفة نوعا ما، ومن أهمها حفاظه على عُملته المحلية “كرونا” وعدم الدخول في نادي عملة “اليورو”، التي فقدت الكثير من قيمتها نتيجة التجاذبات، التي أعقبت الأزمة الأوكرانية.
للسويد خصوصية سياسية، أضحى العالم العربي يعرفها، بعد وصول أعداد لا بأس بها من اللاجئين السوريين والعراقيين والفلسطينيين وغيرهم خلال الأعوام الماضية، إلا أن ديمقراطية السويد على المحك بعد تزايد عمليات إطلاق النار في الشوارع، والصراع الدائم بين عصابات الجريمة المنظمة، والنقص الحاد في أعداد أفراد الشرطة الوطنية.
زِد على ذلك سمعة السويد كبلد ديمقراطي، بُعيد إقدام متطرف يحمل الجنسية السويدية والدنماركية يدعى راسموسن بالودان، على إحراق نسخ من المصحف الشريف في تجمعات أقرّتها الحكومة وتكفلت الشرطة بحمايتها، تحت بند حرية التعبير، الذي يحض عليه الدستور الوطني للسويد.
خلاصة القول في ذلك إن اليمينيين كانوا من أوائل الرابحين في انتخابات السويد، وخدمتهم في ذلك عدة عوامل كي يشكلوا الحكومة المقبلة في السويد، لكن لعبة التحالفات ستُلقي بظلالها على مشاورات التأليف، التي ستكون مهمة صعبة تنتظر رئيسة حكومة تصريف الأعمال الحالية، ماجدولينا أندرسون، زعيمة الحزب الحاكم، والعائدة بقوة إلى المشهد البرلماني، بعد فوز حزبها بالمرتبة الأولى.