اخترنا لكم

الوصاية باسم الدين في إيران


خطوة عقلانية اتخذها الرئيس الإيراني حين طالب بإجراء تحقيق لكشف ملابسات حادث مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني، مؤخرا، داخل مركز للشرطة.

ذاك الحادث، الذي وضع حكومة إيران في حرج شديد.. خصوصا بعد تسريب تقارير طبية تقول إن الفتاة توفيت بسبب كسر في الجمجمة، أي نتيجة استخدام العنف معها.

حرج الحكومة الإيرانية كان واضحا على تغطية الإعلام الرسمي للحادث، إلى حد أن صحيفة حكومية متشددة لم تجد مبررا قويا للرد على اتهام الشرطة الإيرانية بقتل الفتاة “مهسا”، فاضطرت إلى تبرير الحادث والتقليل من شأنه.. وليس نفيه أو إنكار وقوعه، كما فعلت الشرطة.

ولكي تدافع الصحيفة عن نظام “دورية الإرشاد”، الاسم الذي تطلقه إيران على الشرطة المعنية بتطبيق الآداب والأخلاق في المجتمع، اضطرت إلى الاعتراف بوجود نقاط ضعف ونواقص في هذا المجال غير قابلة للإنكار، ولا ينبغي إهمالها.. لكن النقطة الأساسية هي “ألا تتسبب المبالغة في هذا الحادث إلى توتر داخلي”، هكذا نقلت.

النقاش هنا لا يقتصر على الفتاة المقتولة، ولا الشرطي الذي ربما أودى بحياتها، وإنما على مبدأ وجود “شرطة أخلاق” أصلا وتطبيق ما تعتبره طهران “تعاليم إسلامية” بالقوة.

فرغم الحرج الرسمي، لا يتردد المحافظون في تأكيد مواقفهم المتشددة تجاه المرأة وحقوق الإنسان بصفة عامة في إيران.. فراحوا ينتقدون بشدة التظاهرات والاحتجاجات على وفاة مهسا أميني، معتبرين أي مطالب بحقوق المرأة أو بحرية التعبير هي دعوة للفوضى وجبت مواجهتها بحزم وقوة.

إنَّ كبت الحريات الشخصية يعود إلى الأيام الأولى لما وقع في إيران منذ 11 فبراير 1979، مع أن الدين الإسلامي يؤكد في صُلب مفهومه الحفاظ على حقوق الإنسان وعدم إهدارها.

ولا يجب أن ننسى، وسط حالة القمع هذه، حالة الفقر المتنامي، والذي يخيم على غالبية الشعب الإيراني، والسبب الرئيسي في ذلك طبعًا تمويل السلطات الإيرانية مليشيات مسلحة في دول عربية.

استنتاجان يمكن الخروج بهما من هذه القضية الخطيرة.

الأول: منطق وصاية السلطة ومؤسسات الدولة في إيران باعتبارها تحتكر الحكمة والصلاحية والقدرة على اختيار وتحديد الأفضل والأصح للمواطن وللمجتمع.

الاستنتاج الثاني، وهو الأخطر: السيطرة باسم الدين، بحيث تتم تلك الانتهاكات تحت عناوين وشعارات “دينية”، فتنسبها المؤسسات الدينية والأمنية في إيران إلى “الإسلام” زُورًا.. وبالتالي فلا مجال هنا للحديث عن حقوق إنسان، إذا ما تعلق الأمر بتعاليم دين مقدس، لا مجال لاختيار أو مراجعة أو أي تفكير بشري!

وبنظرة مجردة ومحايدة، يمكن بسهولة ملاحظة التشابه، الذي ربما يصل إلى حد التطابق، بين وضع حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية في إيران، وما تقوم به أي حركة متشددة في العالم، إذ يشترك الجانبان في الكبت ومنع الحريات الشخصية وفرض أنماط سلوك معينة، منها ما هو مرتبط مثلا بمسائل شخصية كالزيّ واللحية.. فيما كل هذا يُدار تحت عباءة دين هو بريء مما يزعمون.

المعضلة الحقيقية ليست أبدا في الإسلام ذاته ولا في أي مذهب به، فلا دين يدعو إلى القتل.. وإنما المعضلة فيمن يبالغون في الدين ويتخذونه واجهة لأغراض سياسية أو أهداف دنيوية أو مكاسب سلطوية.. ولتمرير مشروعاتهم الشخصية ينصبون أنفسهم أوصياء على الناس باسم هذا الدين أو ذاك.. بينما الدين لا يعنيه إلا حقوق البشر، وأولها الحق في أن يحيا، ويحيا آمنًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى