تنافسَ الزمالك والأهلي وفازت الروح الرياضية
لم يكن فريق نادي الزمالك المصري هو الفائز الوحيد ببطولة كأس مصر.
فبينما تحتفل جماهيره في الشوارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بلقب من الأغلى في تاريخ النادي العريق، يحتفل أكثر من 100 مليون مصري بما شاهدوه من روح رياضية افتقدناها كثيرًا في الفترة الأخيرة.
أضاف الزمالك إلى خزائنه بطولة كأس مصر رقم 28 في تاريخه، بينما أضافت الجماهير إلى وجدانها لقطاتٍ جسدت روحًا رياضية فريدة تمتع بها الأغلب من عناصر الفريقين، سواء على مستوى اللاعبين أو الجهاز الفني أو الجمهور.
بدأت تلك اللقطات الخالدة مبكرًا، عندما توجّه مؤمن زكريا، لاعب الأهلي الذي يعاني من مرض التصلب المتعدد، بباقة ورد إلى جماهير الزمالك، التي لم تتوانَ عن دعمه وتوجيه عبارات المساندة له في هتافات هزّت استاد القاهرة حبًا واحترامًا.
وإذا كان ما قبل ضربة البداية جميلًا، فما بعدها أجمل، فبينما شاهدت الجماهير لوحة فنية باهرة على أرض الملعب، كانت الجماهير ترسم هي الأخرى لوحة هي الأجمل، ساندوا فيها فريقهم دون مسّ الفريق المنافس بسوء.
وبعد 90 دقيقة من الإثارة، أطلق الحكم البولندي سيمون مارتشينياك صافرته، ليُسدل الستار على واحدة من أجمل مباريات الزمالك، وتبدأ بعدها واحدة من أجمل مشاهد الختام في تاريخ مباريات القمة في فصول مسرحية متسلسلة، كلٌ منها أجمل من الآخر.
الفصل الأول كان في قلب الملعب، إذ انشغل لاعبو الزمالك بالاحتفال باللقب المُفضل، فيما لم ينسوا الاحتفال مع ذوي الهِمم من جماهير الزمالك، الذين زيّنوا جنباتِ ملعب استاد القاهرة الدولي، في علامة على الوفاء لمن تحمّلوا كل المشاق لمساندة فريقهم.
لاعبو الزمالك لم ينسوا أيضا مؤازرة ومواساة لاعبي الأهلي، الذين سيطرت عليهم علامات الحزن بعد خسارة اللقب، سواء داخل الملعب أو على مقاعد البدلاء.
وكانت “حبة الكرز”، التي زينت تلك التورتة، عندما أقام لاعبو الزمالك ممرًّا شرفيًّا لتكريم لاعبي الأهلي على ما قدموه في تلك المباراة، في مشهد تاريخي لم يسبق أن يُرى مثله في مباريات القمة بين قطبي الكرة المصرية.
لم يُفسد حلاوة المشهد إلا سيد عبدالحفيظ، مدير الكرة بالأهلي المصري، الذي رفض الدخول في الممر الشرفي الذي أقامه لاعبو الزمالك وجهازهم الفني، في مشهد غير مُبرر وخارج عن كل أطر الروح الرياضية، التي رسخها الفريقان على مدار اليوم بأكمله.
مشاهد للتاريخ جعلت قمة الأهلي والزمالك أكثر من مجرد مباراة، فصارت نموذجًا يُرسخ قيمة الإنسانية والأخلاق في ملاعب كرة القدم، وما يمكن أن تعكسه على جماهير الفريقين في الشوارع والمنازل، وهي القيمة الحقيقية التي يجب أن تضيفها الرياضة في كل زمان ومكان.
قبل نحو قرن من الزمان، قال الشاعر أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هُمُ ذهبت أخلاقُهُم ذهبوا..
وقد منحنا لاعبو الزمالك والأهلي شعاعًا من الأمل نحو مباريات أكثر رقيًا، ومواجهات أكثر تحضرًا، ومنافسات لا تخطئ أبدًا معالم الروح الرياضية والقيم الإنسانية.