اخترنا لكم

روسيا تضرب أردوغان على يده في ادلب…القوقاز لنا

أسعد عبود


بعد فترة من التجاهل، بدأت روسيا تبدي في الآونة الأخيرة قلقاً حيال الأنباء التي تتردد عن نقل تركيا مرتزقة من المعارضة السورية إلى جبهات القتال في إقليم ناغورنو كاراباخ. والقلق الروسي المستجد، حمل المراقبين على الربط بين الغارة الجوية الروسية في 26 تشرين الأول (أكتوبر) على معسكر الدويلة في ريف إدلب الذي أسفر عن مقتل العشرات من المقاتلين المنضوين تحت لواء “فيلق الشام”، وبين استياء روسيا من نشر مقاتلين سوريين في القوقاز.

ومنذ اندلاع الجولة الأخيرة من القتال في كاراباخ في 27 أيلول (سبتمبر) الماضي وروسيا لا تخفي تذمرها من الحماسة التركية للحل العسكري. وترجمت أنقرة ذلك من طريق دعم عسكري بطائرات من دون طيار من طراز “بيرقدار” أحدثت، بإجماع المحللين العسكريين الأجانب، فارقاً نوعياً في المعركة. وكان هذا التدخل استعادة للدور الذي لعبته المسيّرات التركية نفسها في قلب موازين القوى في ليبيا لمصلحة قوات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج على حساب قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في الصيف الماضي.

وفي كلتا الحالتين، كانت مهمة المسيرات التركية في ليبيا تدمير السلاح الروسي الذي في حوزة الجيش الوطني الليبي، وقد تباهت وسائل الإعلام التركية في إبراز الإنجازات العسكرية التي حققتها تركيا بفضل مسيراتها وبفضل مستشاريها والمرتزقة السوريين على الأرض. وها هي تركيا تكرّر الأمر نفسه في كاراباخ، عبر المسيرات وعبر المرتزقة السوريين.

وبرغم ذلك، لا تريد روسيا إفساد ما تسميه “علاقة الشراكة” مع تركيا في سوريا أو في ليبيا أو اتخاذ خطوات تفسد التبادل التجاري المتزايد بين البلدين أو إلحاق الضرر بأنبوب “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا الجنوبية، ولا إحباط طموحات تركيا في الحصول على المزيد من السلاح الروسي المتطور بعد صفقة صواريخ “إس-400”.

لكن الضوء الخضر الروسي لتركيا ليس مطلقاً. والدليل على ذلك، أن روسيا اعترضت علناً على اقتراح أنقرة إنشاء مرجعية رباعية لحل النزاع في كاراباخ تضم موسكو وأنقرة وباكو ويريفان. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبغي من خلف إنشاء هذه المرجعية ببساطة إلغاء دور مرجعية “مجموعة مينسك” التي تتولى رئاستها موسكو وواشنطن وباريس منذ عام 1994. ولم توفر الحكومة التركية مناسبة وإلا هاجمت فيها “مجموعة مينسك” واعتبرتها فاشلة وأنها عجزت عن حل مشكلة كاراباخ على رغم مضي كل هذه السنين على النزاع.

طبعاً، حاول أردوغان أن يترجم التقدم العسكري الذي حققته القوات الأذرية على الأرض بدعم تركي، إلى دور سياسي يكرّس نفوذاً لأنقرة في القوقاز، أي في قلب منطقة النفوذ الروسي. وما شجع تركيا على اقتراح إنشاء المجموعة الرباعية وجعلها مرجعية للحل في كاراباخ، هو إشراك روسيا تركيا في مجموعة أستانا إلى جانب إيران، في جهود وقف النار على الجبهات السورية، فضلاً عن جعلها مرجعاً للبحث في الحلول السياسية في موازاة مؤتمر جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة منذ عام 2012.

ومما لا شك فيه أن روسيا ارتضت في سوريا ما لا ترتضيه في القوقاز، وما سمح به الروسي في سوريا وحتى في ليبيا، يبدو غير مستعد للسماح به في حديقته الخلفية. وبذلك، أخذت تركيا على عاتقها إفشال “هدنة موسكو” التي كان يفترض أن تسري في العاشر من تشرين الأول. وعلى إثرها بدأ الرئيس الأذري بالدعوة بوضوح إلى ضرورة إشراك تركيا في الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي لقضية كاراباخ.

وبعد إخفاق “هدنة موسكو”، أخفقت أيضاً “هدنة واشنطن” الأسبوع الماضي. وهذا دليل آخر على أن ثمة من يصوّب بالنار على المرجعية السياسية للحل في القوقاز. ودفع ذلك وزير الخارجية الأميركي إلى دعوة أنقرة علناً إلى عدم تأجيج النار في القوقاز.

لعبة خطيرة يمارسها أردوغان على أبواب روسيا. ولذلك ربط المراقبون بين الغارة الروسية على مخيم “فيلق الشام” في إدلب والاستياء الروسي من الدور غير المساعد في القوقاز. ومعلوم أن “فيلق الشام” هو من أكثر فصائل المعارضة السورية قرباً من تركيا. وعلى هذا يفترض أن يكون أردوغان قد وصلته رسالة التحذير الروسية.
وهو على كل حال لم يستطع أن يخفي انزعاجه من الغارة الروسية، إذ اعتبرها بمثابة دليل على أن موسكو “لا تريد سلاماً دائماً في سوريا”.
وغاية روسيا من الغارة، كانت إفهام “الشريك” التركي أن التمادي في لعبة القوقاز، قد تكون له أثمان يجب دفعها في مناطق أخرى.

* نقلا عن “النهار”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى