“علينا أن نتعلم كيف نعيش سوياً كالأخوة أو أن نهلك معاً كالحمقى”، مقولة خالدة صاغها “مارتن لوثر كينج” السياسي الأمريكي الشهير فى خمسينيات القرن الماضى، ووضعها بعد سبعة عقود على أرض الواقع، وفي موقع التنفيذ سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة؛ الذي قاد عملية صناعة سلام فريد من نوعه في المنطقة لكشف حقيقة بصراعات الإقليم وهمومه.
ففي 15 سبتمبر/أيلول الماضي، وبحضور 700 ضيف من مختلف أنحاء العالم، شهد البيت الأبيض حدثا تاريخيا، حيث تم توقيع اتفاقية السلام التاريخية بين أبوظبي وتل أبيب، واتفاقية السلام بين البحرين وإسرائيل.
كان حضور سمو الشيخ عبدالله بن زايد لافتا، ليس فقط بسبب حرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على استقباله خارج البيت الأبيض قبيل توقيع الاتفاق، وإنما أيضا بسبب كلمته في مراسم توقيع المعاهدة في العاصمة الأمريكية واشنطن؛ والتي وُصفت بالخطاب التاريخي، فقد جاءت كلمة كاشفة عن براعة دبلوماسية وفصاحة لغوية، تحمل في طياتها أجندة استراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ورؤية استشرافية لمستقبل المنطقة. حيث أعاد سموه تفصيل المشهد في المنطقة، على مقاس طموحات وأحلام الشعوب العربية، وأحرج بدهاء السياسي وحنكة الدبلوماسي قوى عربية وإقليمية؛ برعت في المتاجرة بالقضية الفلسطينية على حساب حق الشعوب العربية في الرفاهية والاستقرار والعيش في بيئة آمنة مطمئنة، كاشفا عن اتصالات وعلاقات خفية تربط حكومات هذه الدول مع إسرائيل، وتدعي في دعاية فجة مكشوفة أنها لا تمثل محور الممانعة الصامد وسند المقاومة الفلسطينية المزعومة.
التطور الذي أحدثته دبلوماسية وزير الخارجية الإماراتي فى الفكر السياسي العربي من إعلاء الإرادة الشعبية عبر تفكير واقعي يعلي مصالح الأمة، أدى إلى سقوط النظريات التي طالما تبناها سماسرة القضايا العربية والإسلامية والمتاجرين بها، ناهيك عن أن واقع ومردود الدبلوماسية الإماراتية النشطة كشف عن تواضع إمكانات وقدرات من شككوا فيها، وأثبتت أن حصيلتهم من الشعارات الرنانة لم تكن قادرة على تعويض ضعف تفكيرهم السياسي.
يمثل سمو الشيخ عبدالله بن زايد نموذجاً مغايراً للدبلوماسي العربي بجمعه صفات من النادر أن تجتمع في شخص واحد، فهو الشاب في نشاطه وطموحه وأحلامه التي تتجاوز حدود دولته وإقليمه، وهو الخبير في حكمته، وهو المستشرف للمستقبل في رؤيته، وهو المتميز في سماته الأخلاقية لأنه تربى في مدرسة زايد في سماتها الإنسانية التي يشهد بها القاصي والداني، وهو المبدع في أفكاره في إدارة سياسة الخارجية الإماراتية، التى تأتي دائماً خارج الأفكار التقليدية، وهو المعلم الذي تتلمذ على يديه ونهل من فكره ورؤاه جيل مشرف وواعد من الدبلوماسيين الإماراتيين؛ الذين رفعوا راية بلادهم خفاقة في كثير من المحافل الدولية، لذلك لم يكن غريباً وصفه بــ”فارس الدبلوماسية الإماراتية”، فهو ثاني اثنين غيرا وجه المنطقة، فعلى خطى السادات صنع سموه سلاماً أعاد ترتيب المنطقة، ورسم مستقبلها على أسس واقعية جديدة؛ بعد أن هدم الأصنام والأساطير القديمة التي تغذت عليها قوى التطرف والإرهاب لمدة تجاوزت نصف القرن، ووضع القضية الفلسطينية من جديد فى بؤرة الاهتمام العالمي بعدما كادت تدخل غياهب المجهول تحت الاستثمار والتوظيف المؤدلج للفلسطينيين، وقضيتهم العادلة من قوى إقليمية بعضها كان يطعن القضية الفلسطينية ليلا وسرا، وينصرها نهارا وجهرا، وبعضها ظل يرفع شعارات زاعقة وزائفة من دون إجراءات عملية على الأرض.
نجاحات مهندس الدبلوماسية الإماراتية في بناء سلام عادل في المنطقة لم تكن جديدة ولم تكن وليدة يومها، ولم تكن المعاهدة التي تم توقيعها في واشنطن هي أولها ولن تكون بالتأكيد هي آخرها، فقد لعب سموه منذ فترة طويلة دورا كبيرا في إرساء السلام وإنهاء الصراعات في مناطق عدة حول العالم، فبفضل مخزونه الوفير من النضج السياسي رغم حداثة سنه، وبتوجيهات القيادة الرشيدة لعب سموه دوراً محوريا في فض النزاع التاريخي بين إريتريا وإثيوبيا في العام 2018، والذي دام نحو عقدين من الزمان، وخلف عدداً كبيراً من القتلى تجاوز الخمسة عشر ألف قتيل، كما قاد سموه في ذات العام جهوداً دبلوماسية غير مسبوقة للوساطة في تسويه النزاع الأفغاني، وأسفرت جهوده عن اختراق للأزمة، بعد مباحثات شفافة وصريحة كانت الأولى من نوعها بين الفرقاء الأفغان، وأسفرت عن نتائج إيجابية ملموسة لا يزال يتم البناء عليها لتسويه الصراع الأفغاني.
النجاحات الدبلوماسية للإمارات تحت قيادة سمو الشيخ عبدالله بن زايد، وفي ظل توجيهات القيادة الإماراتية الحكيمة، امتدت إلى محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة؛ ففى خضم تطورات الأزمة السورية قدمت الخارجية الإماراتية نموذجاً دبلوماسياً فريدا في إدارة الصراع السوري، فبرغم رفض أبوظبي في بداية الأزمة السورية سلوك وممارسات بعض الأطراف السورية الفاعلة، لكنها لم تغفل دبلوماسيتها الإنسانية التي أصبحت عنواناً بارزاً للسياسة الخارجية الإماراتية، فقد بلغ إجمالي المساعدات الإماراتية التي تم تقديمها إلى سوريا منذ عام 2012 حتى العام الحالي 2020، بلغت 3.81 مليار درهم إماراتي (1.04 مليار دولار أمريكي)، شاملة عدداً من القطاعات الإنسانية والتنموية، وغيرها من الأنشطة.
ومع تنامي التغيير الحادث في سلوك الحكومة السورية، وجنوحها إلى تسوية حقيقية للأزمة، كان الشيخ عبدالله بن زايد أول من بادر بضرورة احتضان سوريا، وعودتها مجدداً للبيت العربي، فأعادت أبوظبي في خطوة جريئة افتتاح سفارتها في دمشق في العام 2018.
تحركات سموه نحو مسارات السلام والتنمية والاستقرار في المنطقة العربية، لم تركن عند حدود أو طموح، فالسمة الأبرز فيها التجدد والإبداع، فعلى سبيل المثال كانت خطوة لافتة وذكية، زيارته في 6 أكتوبر الحالي النصب التذكاري لمحرقة اليهود في برلين برفقة وزير الخارجية الإسرائيلي، وتأكيده على أن “هذا المكان التاريخي يحمل دلالات مهمة تؤكد أهمية ترسيخ قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر في العالم أجمع، دون تميز”، وتأكيده على حرص دولة الإمارات العربية منذ تأسيسها على تبني وترسيخ قيم التسامح والتعايش والمحبة وقبول الآخر، انطلاقا من إيمانها العميق بأن هذه القيم تشكل ركائز أساسية لتحقيق الازدهار والنمو والتطور والتنمية المستدامة في المجتمعات.
سيظل الإنجاز الأكبر للشيخ عبدالله بن زايد أن جهوده الدبلوماسية فتحت الباب لآمال الطامحين والباحثين عن الاستقرار والتنمية والرخاء لجميع شعوب الشرق الأوسط من جهة، ومن جهة أخرى أثمرت جهوده وتحركاته عن تغيير الصورة النمطية للإنسان العربي في الوعي الجمعي العالمي، وكذلك إعادة تصدير صورة الشاب العربي، باعتباره نموذجاً يستطيع تحمل الأمانة والمسؤولية، فقد انطلقت الدبلوماسية الإماراتية في عهده، وهي تركن إلى مخزون قيمي وإبداعي، ترجمته مقولته التي يرددها دائما، إن “الأمم الناهضة هي التي تستثمر في الشباب، وتعمل على تأهيلهم وتمكينهم وتوظيف قدراتهم بالشكل الأمثل، لأنهم ثروة الأوطان الأغلى، والمورد الذي لا ينضب أبداً، والمحرك الأساسي لعجلة التطوير والبناء والتقدم في أي بلد”.
نقلا عن العين الإخبارية