اخترنا لكم

قراءة في عودة إيران إلى مفاوضات جنيف


بعد تصعيد إعلامي إيراني مارسته ثلاثية الحكم في إيران “المرشد الأعلى للثورة، والحرس الثوري الإيراني، والرئيس الإيراني الجديد”، وعبر خطاب بمفردات مليئة بالتحدي ووضع اشتراطات للعودة إلى المفاوضات، وبالتزامن مع تهديدات أمريكية وأخرى إسرائيلية ما زالت تكشف عن فجوات عميقة بين تل أبيب وواشنطن تجاه حدود وجوهر الصفقة القادمة، ومعها ضغوط وتحذيرات أوروبية ودعوات من موسكو وبكين لإيران للعودة إلى المفاوضات، أعلنت إيران فجأة موافقتها على استئناف المفاوضات، وهو ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذه الموافقة والسيناريوهات المتوقعة لهذه المفاوضات، وفيما إذا أصبحت سلة الخيارات الإيرانية فارغة إلا من الرضوخ للذهاب إلى المفاوضات.

لا يُعرف على وجه التحديد مصير الاشتراطات الإيرانية التي تم الإعلان عنها بعد وقف المفاوضات منذ انتخاب “إبراهيم رئيسي” رئيساً للجمهورية، فقد أعلنت أنه لا عودة إلى المفاوضات إلا بإلغاء العقوبات الأمريكية كاملة عن إيران، بما فيها العقوبات الرمزية على المرشد الأعلى خامنئي، وعدم مناقشة البرنامج الصاروخي الإيراني والتدخل الإقليمي للحرس الثوري وفيلق القدس في الإقليم، وأن تقتصر أية مفاوضات على البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى شرط تقديم أمريكا ضمانات بعدم التراجع عن أي اتفاق يتم التوصل إليه، ووفقاً لمعطيات وسياقات العودة الإيرانية إلى المفاوضات، يبدو أنّ أمريكا والقوى الدولية لم تستجب للاشتراطات الإيرانية.

خلال الشهور الـ 3 الماضية، وبعيداً عن الخطاب الإعلامي الإيراني الثوري والتعبوي الموجه لحلفاء إيران ووكلائها، أرسلت إيران رسائل متضاربة تجاه أمريكا تؤكد استعدادها للتنازل، وفي الوقت نفسه قدرتها على المواجهة، إلا أنّ الحقائق على الأرض كانت تقول إنّ هناك موقفاً أمريكياً حازماً تجاه إيران، لم يمكّن الرئيس بايدن من إصدار قرار بالإفراج عن “10” مليارات دولار لإيران.

هذا الحزم الأمريكي ترافق مع تجديد إرسال البوارج العسكرية الأمريكية إلى المنطقة، بما فيها مناورات عسكرية مع إسرائيل، بالتزامن مع ارتفاع وتائر الحديث بين تل أبيب وواشنطن عن الخطة “ب”، وجوهرها ارتفاع حصة الخيار العسكري في سلة الخيارات الإسرائيلية ـ الأمريكية، وارتفع منسوب التحذيرات الأوروبية “فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا” لإيران من مغبة عدم العودة إلى المفاوضات.

وقد أظهرت العواصم الأوروبية مواقف أكثر قرباً من أمريكا، وتضامناً مع إسرائيل، على خلفية القرصنة الإيرانية لسفن تجارية مدنية يملكها إسرائيليون، وبالتزامن فإنّ إيران تدرك أنّ رهاناتها على مواقف موسكو وبكين غير مضمونة، لا سيّما أنّ روسيا والصين لا تريان في إيران أكثر من ملف يمكنهما اسثماره بما يخدم مفاوضاتهما مع واشنطن، وهو ما يعني أنّ التنازل عن هذا الملف سيناريو وارد بأية لحظة.

وفي الوقت الذي تتعرض فيه إيران لتهديدات جديدة من الشرق بعد سيطرة “طالبان” على أفغانستان، وأخرى من الشمال عبر أذربيجان حليفة تركيا، فإنّ حلفاءها في العراق وسوريا ولبنان يواجهون أزمات حادة حول علاقتهم مع إيران، بعد الخسارة المدوية لحلفاء إيران في انتخابات العراق، والأزمة التي يعيشها حزب الله في لبنان، وقد جددت موسكو دعمها للضربات العسكرية الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سوريا، وبالتزامن فإنّ جماعة أنصار الله الحوثية تواجه مصاعب جديدة في اليمن.

على الصعيد الداخلي الإيراني، من الواضح أنّ الخطاب الإيراني بتحميل أمريكا مسؤولية الأوضاع الاقتصادية المتردية في إيران لم يعد يكفي لإقناع أغلبية الشعب الإيراني، في ظل شكوك عميقة لدى الإيرانيين بأنّ عقوبات أمريكا لا ترتبط فقط بالنووي الإيراني، بل بتدخلات إيران والحرس الثوري في الإقليم، ودعمها لوكلائها في العراق وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى الحوثيين في اليمن وحماس في فلسطين، وهو ما عزز تقديرات إيرانية جادة باحتمالات استئناف الانتفاضات الإيرانية، وبشكل يؤثر سلباً على إمكانية استقرار النظام، لا سيّما بعد أن تمّ إقصاء ما يُعرف بتيار الاعتدال “حسن روحاني” عن رئاسة الجمهورية، الذي كان يشكّل شماعة بالنسبة إلى المرشد والحرس الثوري لتبرير عدم القدرة على مواجهة العقوبات الأمريكية، وفقاً لمقاربة تقول إنّ هناك طرفاً في إيران يقدّم تنازلات لأمريكا والغرب.

وبالرغم من كل ذلك، فمن المؤكد أنّ الجولة القادمة من المفاوضات لن تفضي إلى اتفاق يعيد الصفقة الموقعة عام 2015، ولن ترفع العقوبات الأمريكية عن إيران، لا سيّما أنّ المطروح أمريكياً هو البحث في إطار المفاوضات، ومن المؤكد أنها ستشمل ما يوصف بنواقص لم يشملها الاتفاق السابق “البرنامج الصاروخي وتدخلات الحرس الثوري في الإقليم”، وهو ما يؤكد التقدير بأنّ بايدن سيبني على أسباب انسحاب ترامب من الاتفاق، وسيكون إنجاز أيّ اتفاق مرتبطاً بالعديد من المرجعيات؛ أبرزها موافقة الدولة الأمريكية العميقة من “جمهوريين وديمقراطيين”؛ لأنّ هناك تياراً في القيادة الأمريكية ما زال يرى في إيران عدواً، أمّا المرجعية الثانية، فهي تقديم إيران ضمانات حول الأمن القومي لإسرائيل، وهو ما يعني طرح ملفات التدخل الإيراني في سوريا ولبنان، وتحديداً تهديد حزب الله.

نقلا من العين الإخباربة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى