اخترنا لكم

قمة العشرين وميزان العالم المختل


على بعد بضعة أسابيع من موعد انطلاق قمة العشرين في إندونيسيا، يتساءل المراقبون للمشهد الأممي عن احتمالات نجاحاتها في ضبط موازين العالم المختل.

وأيضا التساؤل عن فرص تعميق الخلافات الدولية، وبما يهدد استقرار البشرية غير المستقرة من الأصل، طولا وعرضا، شكلا وموضوعا، ومساحة إجمالية.

تمثل المجموعة تسع عشرة دولة عضوا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوربي، وتبلغ اقتصادات الدول الأعضاء فيها نحو 90% من إجمالي الناتج العالمي، و80% من التجارة العالمية، وثلثي سكان العالم، ونحو نصف مساحة اليابسة في العالم، ما يعني أنها أحد أهم الكيانات الاعتبارية الأممية، الفاعلة والنافذة، وربما القادرة على تعديل الأوضاع، وضبط الطباع الأممية.

والثابت أن الأشهر القليلة الماضية قد شهدت تسارعا في الإعداد لتلك القمة، والتي تتعلق بها ربما مصائر قضايا عديدة، حيث تأتي في أوقات ضبابية، تتكاثر فيها الملفات الشقاقية، وتختفي من سماواتها العلائم الوفاقية، ويخشى المرء بين هذه وتلك من اندلاع الحرب الكونية.

حين نقول باحتمالات المواجهة الأممية، فإننا لا نغالي أو نهول من الأمر، لا سيما بعد فشل مؤتمر نزع الأسلحة النووية الأخير، الذي عُقد في نيويورك، في التوصل إلى اتفاق يقي البشرية من تبعات أسلحة الدمار الشامل، وهو ما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، للقول بأن العالم على شفا حرب نووية، قد لا تُبقي ولا تذر.

على عتبات قمة العشرين في إندونيسيا، لا تبدو هناك حكمة دولية ترى أوضاع العالم المأزومة والقريبة من الانفجار، بل صراع كراسيّ موسيقية على مقاعد القطبية الدولية، القائمة والقادمة، وليس أدل على ذلك مثل محاولات الولايات المتحدة إجبار إندونيسيا على منع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حضور القمة، الأمر الذي رفضه الرئيس الإندونيسي، جوكو ودودو، وقد وجّه بالفعل دعوة رسمية للقيصر الروسي لحضور أعمال القمة.

يتساءل المرء في حيرة قاتلة، أي فائدة ستعود على أمريكا من محاولات عزل روسيا؟ وأي مكاسب حققتها واشنطن بعد ستة أشهر من تأجيج نيران الصراع بين موسكو وكييف؟ وهل الأوضاع الداخلية الأمريكية المهترئة، كما تبدت في خطاب الرئيس بايدن الأخير في فيلادلفيا، تسمح بمزيد من الانغماس في عملية تقسيم العالم وتجزئته على النحو الذي تسعى فيه واشنطن؟ أم أنها عملية هروب إلى الأمام، وحتى نهاية الطريق، وقد يكون مسدودا بمواجهة دامية، لا تفيد القاصي أو الداني؟

في أواخر أغسطس/آب المنصرم، كان آندي ويدجاجانتو، مستشار الرئيس الإندونيسي، يعلن حضور الرئيسين الصيني والروسي أعمال قمة مجموعة العشرين، الأمر الذي يتيح لقاءات ما روائية، والكثير من القضايا عالية الأهمية، عادة تجرى بشأنها أحاديث في الكواليس، عبر وساطات مختلفة، لإنهاء الأزمات.

وقد تساءل كثيرون: “هل تنجح إندونيسيا عبر قمة العشرين في التوصل إلى صياغة ما، تبدأ بوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، ثم تمضي قدما في مباحثات تنهي الأزمة؟

قبل بضعة أيام، بدا وكأن الأمل يتلاشى، ففي ظل الإصرار الأمريكي الواضح على إشعال أوار الأزمة بإرسال مزيد من الأسلحة والعتاد، وفي ضوء تحركات الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، الساعية للحصول على مزيد من الدعم الأوروبي المسلح، خرجت تصريحات روسية صريحة بشأن إمكانية استخدام الأسلحة النووية، وذلك حال شعرت روسيا باحتمالات الانكسار، وليس الهزيمة، الفرضية غير الواردة في سيرة ومسيرة دولة نووية، تعد الثانية حول الكرة الأرضية في حيازة أدوات الموت والفناء الشامل.

في هذه الأجواء، ولكي تدخل الأزمات العالمية في منعرج خطير جديد، ها هو الكرملين يصرح بما يُفهم منه احتمالات عدم مشاركة “بوتين” في أعمال قمة العشرين، لا سيما إذا كانت هناك تهديدات لأمنه الشخصي، وليس سرًّا القول إن فكرة تغييب “بوتين” عن ساحة الأحداث العالمية لا تنفك تتردد على أذهان أجهزة الاستخبارات الأمريكية خاصة، وهو ما صرح به قبل بضعة أشهر السيناتور الأمريكي الجمهوري النافذ، ليندسي جراهام، بل ودعا إليه، محرضا الداخل الروسي على فعل ذلك.

على عتبات قمة العشرين، تبقى احتمالات المواجهة الصينية-الأمريكية قاب قوسين أو أدنى، بفعل أزمة جزيرة تايوان تارة، ومن جراء بحر الصين الجنوبي تارة أخرى، ومن حولهما الفخ المصيري التقليدي، والذي عرف باسم “فخ ثيوسيديديس”، ذلك الاسم المشتق من الصراع الذي جرت به المقادير قبل الميلاد، ما بين أثينا وإسبرطة، وهو ما تؤشر له الاستعدادات الصينية العسكرية، ومناوراتها الأخيرة قرب تايوان، وكذا اختراق سماواتها بطائرات الصين الحربية.

يعن للقارئ أن يتساءل، وله في الحق ألف حق: أين الحديث عن أزمات العالم المعاصرة التي تحاصر الجميع، وفي المقدمة منها كارثة التغيرات المناخية، والتي باتت تنذر وتحذر من نهاية النوع البشري، وانفجار الكوكب بمن عليه، إذا استمر تصاعد درجات الحرارة؟

لا يبدو في المنظور القريب أمل واضح، لا سيما في ظل تصاعد أزمة الطاقة، وقيام القيصر الروسي بغلق أنابيب الغاز المتجهة إلى أوروبا، عقابا لها على انجرارها وراء رغبات أمريكا، ولهذا لن تجد أوربا مفرًّا من العودة إلى استخدام الفحم مرة جديدة.

أضف إلى ذلك إشكالية القصور الحادث على صعيد المواد الغذائية، وتوابع نقص تصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا وغيرهما من بلدان العالم.

تبدو قمة العشرين في إندونيسيا نافذة مصيرية تأتي في وقت ذهبي لاستنقاذ العالم، غير أن الأمر مشروط بحسن النيّات والطوايا من قبل قادة العالم.

هل من حكماء بعدُ على وجه المعمورة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى