اخترنا لكم

كيف تخالف أنقرة قوانينها والقانون الدولي في سوريا؟

جوان سوز


تطرّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية مؤخراً لمسألة سوريّة في غاية الأهمية.

لكنها تكاد تكون غائبة عن وسائل الإعلام رغم خطورتها؛ إذ لا يلتفت إليها أحد من الفاعلين في الرأي العام على الرغم من احتوائها على مآسٍ وويلات كبيرة، على خلفية محاولات تركيا الحثيثة للتكتم عليها وعدم فضحها على نطاقٍ واسع، في محاولةٍ منها للتهرب من المسؤولية التي تقع على عاتقها.

وما لا يعرفه كُثر هو أن الجماعات المسلّحة التي تقاتل تحت راية أنقرة وجيشها في شمال غربي سوريا وشرقها، والتي تطلق على نفسها اسم “الجيش الوطني”، اعتقلت ما لا يقل عن 63 مواطناً سوريًّا قبل أكثر من عام خلال الهجوم التركي الأخير على مناطقَ سورية كانت تخضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، ومنذ ذلك الحين يقبع أولئك المدنيون خلف القضبان، ولم تتمكن عائلاتهم من مقابلتهم!

وقد يكون أمراً عاديًّا احتجاز أولئك المدنيين من قبل جماعاتٍ مسلّحة فرضت سيطرتها على مدنٍ سورية بقوة السلاح وبحكم الأمر الواقع، لكن ما هو غير عادي أن تقوم بنقلهم إلى الداخل التركي، حيث بدأت المحاكم التركية محاكمتهم على الفور، وأصدرت أحكاماً بالسجن المؤبد بحق بعضهم، على الرغم من أنهم مواطنون سوريون ولا يحملون الجنسية التركية، إضافة إلى أنه لم يتم اعتقالهم داخل الأراضي التركية، ولا حتى من قِبَل السلطات الأمنية التركية أيضاً.

وينص القانون التركي صراحةً على محاكمة الأجانب في حالةٍ واحدة فقط وضمن ظروفٍ معيّنة، منها أن يكون الأجنبي قد ارتكب جرماً صريحاً ضد أنقرة، وأن يكون المذنب قد احتجز من قبل السلطات الأمنية وداخل الأراضي التركية حصراً، وهذه كلها شروط لا تنطبق على عشرات وربما مئات السوريين القابعين في السجون التركية الآن؛ إذ إن معظمهم اعتقل من قبل مسلّحين سوريين، ولا يحملون الجنسية التركية أيضاً، وضمن الأراضي السورية، وقاموا بعدها بتسليمهم إلى المحاكم التركية، ومن ثم هذه المأساة التي تسببت بها أنقرة والمسلحون الموالون لها في سوريا، لا تعد جرماً جديداً ومخالفة صريحة للقانون الدولي فقط، وإنما تعد أيضاً تعديًّا على قوانين تركيا المحلية.

وقد اعتبرت منظمة “هيومن رايتس” أن اعتقال أولئك السوريين أمرٌ “غير شرعي”، وأن نقلهم إلى تركيا انتهاك واضح لاتفاقية جنيف الرابعة، واصفة للمرة الأولى ما حصل باحتلال أنقرة لأراضٍ سورية، وطلبت منها الالتزام باحترام حقوق سكان المناطق التي احتلتها من سوريا. ومع ذلك يصف الإعلام التركي أولئك المحتجزين المدنيين بعناصر ينتمون لحزب “العمال الكردستاني” المحظور لديها، ضاربين بكل التقارير والنداءات الدولية التي تطالب بإطلاق سراحهم عرض الحائط.

وبالطبع الادعاءات التركية بحق أولئك السوريين المحتجزين غير منطقية على الإطلاق، خاصة أن غالبيتهم من المكوّن العربي وليسوا أكراداً، وبعضهم كان يعمل في مؤسساتٍ مدنية كانت تنشط في مناطق قوات سوريا الديمقراطية قبل سيطرة أنقرة على بعضها، وعلى إثر ذلك اتُّهموا من قبل المحاكم التركية بالعضوية في حزب “العمال الكردستاني”. وهو اتهام باطل بالتأكيد، ذلك أنهم لم يكونوا مسلّحين ولم يستهدفوا أي مواقع تركية ولم ينفذوا أي عملية ضدَّ تركيا، إضافة إلى أنهم جميعاً لم يُحتجزوا داخل الحدود التركية، وهي كلها أسباب استندت إليها المنظمة الحقوقية الدولية لتصف اعتقالهم بالتعسفي ومحاكماتهم بالغامضة.

واللافت أن بعض المسلّحين الذين قاموا باعتقال العُزل، كانوا قد طلبوا فدية مالية من عائلاتهم بعد ذلك، مقابل عدم نقلهم إلى تركيا، ما يعني أن القضية برمتها كانت في البداية لدوافعَ مالية ولاستغلال قوة السلاح، ولذلك ينبغي اليوم إيصال صوت أولئك المحتجزين إلى العلن وعبر وسائل الإعلام، ليتمكن المزيد من المنظمات الحقوقية والجهات الدولية من المدافعة عن حقوق الإنسان، بالضغط على أنقرة ومحاكمها بأقصى ما يمكن، وإجبارها على إطلاق سراحهم فوراً وإعادتهم إلى بلدهم، لا سيما أنها لن تفرج عنهم من تلقاء نفسها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى