اخترنا لكم

قراءة في لعبة الإخوان بين بايدن وأردوغان

ماريا معلوف


عند الحديث عما يدور من تطورات الموقف التركي المفاجئة، ورغبة أنقرة السريعة في إصلاح العلاقات مع الدول الخليجية ومصر.

يرد على الفور سؤال مهم يجب طرحه في إطار ما هو متداول بشأن طبيعة العلاقات الأمريكية التركية في عهد بايدن وهو: هل ستحاول تركيا خلط الأوراق لتغير مواقف بايدن الخاصة المعادية للتيارات الإسلامية التي تؤيدها تركيا؟

الإجابة الأولية هي نعم، ستحاول تركيا الاستباق بالمناورات تستهدف إدارة بايدن لتعمل على استغلال تردده في مخاطبة الدول الصديقة لأمريكا، والسعي لإعادة تجميل أطروحاتها القديمة، لإغواء البيت الأبيض بأن يعيد حبل الود الذي قطعه سلفه ترامب مع تيارات الإسلام السياسي المختلفة وبالذات مع جماعة الإخوان المسلمين.

وفيما يتعلق بالشق الثاني من الإجابة فإنه على الرغم من وعود بايدن المتكررة بأنه سيطلق سياسة أمريكية جديدة نحو العالمين العربي والإسلامي، إلا أنه حتى الآن لم يقدم أو أحد من كبار معاونيه أي تصور أو رؤية عن توجهات أمريكية جديدة لمستقبل علاقات وسياسة أمريكا في الشرق الأوسط.

وحالة الارتباك التي تهيمن على إدارة بايدن، تتزامن مع تعقيدات الأزمة السورية، حيث تطالب وزارة الدفاع الأمريكية، بايدن بأن يُبقي على الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، لأنه لا يمكن استبدال تلك القوات بأي قوات دولية.

في الوقت نفسه يتفهم المستشارون العسكريون للرئيس بايدن إلى حد ما طبيعة الوجود العسكري الروسي في سوريا مع علمهم بوجوب تحجيم الدور العسكري لإيران وحلفائها في سوريا.

في ظل هذه التعقيدات تسعى حكومة أردوغان إلى استغلال ضعف الموقف الأمريكي في الشرق العربي ومحاولة إقناع البيت الأبيض بأن تركيا هي الدولة الوحيدة والكيان السياسي العسكري الذي يستطيع وقف المد التوسعي لروسيا في العالم العربي.

وفيما يتعلق بمأزق ملف حقوق الإنسان لنظام أردوغان، خاصة مع تأكيد بايدن أن إدارته ستعطي الأولوية لهذا الملف حتى مع الدول الحليفة لأمريكا، يبدو أن أردوغان يسعى لتجاوز هذه العقبة، عبر الترويج بأن الثقل الاستراتيجي لتركيا يجعلها أكثر الدول تأميناً للمصالح الأمنية للولايات المتحدة في غرب آسيا وشرق البحر المتوسط.

وعودة إلى لعبة خلط الأوراق بشأن جماعات الإسلام السياسي، فإن بعض الأصوات ترى في استمرار بقاء ياسين أقطاي مستشارا مقربا من أردوغان، يعزز الاعتقاد بأن تركيا ستعمل على أن تكون مجددا الوسيط بين إدارة بايدن وجماعات الإسلام السياسي.

ذلك أن هذا الرجل يعتنق فكر سيد قطب المتطرف، كما أنه يجيد اللغة العربية وله علاقات قوية مع تنظيمات الإخوان المسلمين.

لكن السؤال الآخر الأكثر أهمية، هو كيف ستعمل تركيا على استقطاب السياسة الأمريكية مجددا لإعادة التعامل مع الإخوان المسلمين؟

أقول هنا إنه سيتم تمييع الصورة عبر محاولة لفت الأنظار لمشهد آخر، عبر القول مثلا بأن هناك تيارات إسلامية سياسية عدة مثل التيار السلفي مثلاً الذي انتشر بعد ظاهرة الربيع العربي، كما أن بعض تلك التيارات متطرفة وتمارس العنف. لذا ستكون هناك دعاية تركية مركزة للترويج كذبا بأن جماعة الإخوان المسلمين هي أكثر جماعات الإسلام السياسي اعتدالاً وأنها تقترب من الوسطية في مواقفها.

وعندها ستحاول تركيا أيضاً أن تقنع الإدارة الأمريكية بأكاذيبها المعتادة بأن نفوذ جماعة الإخوان المسلمين يمتد إلى دول عدة بما فيها دول أوروبية بل في أمريكا نفسها، وبالتالي فإنه من المنطق، بحسب الرواية التركية المزعومة، أن تكون أمريكا على مقربة من جماعة لها تأثير كبير على الملايين من المسلمين في جميع أنحاء العالم بما فيها دول في الغرب.

والورقة الأخرى الأكثر أهمية في لعبة خلط الأوراق التركية، هي أن تعمل إدارة أردوغان على الترويج لإدارة بايدن “ربيع عربي جديد أوشك على التفجر”، وعلى بايدن أن يتجنب الحيرة التي واجهت أوباما شخصيا وإداراته في التعامل مع الاحتجاجات الجماهيرية الغفيرة التي أدت إلى تغيرات في الحكم في عدد من الأنظمة العربية عندما حلت ظاهرة الربيع العربي منذ عقد من الزمان.

خلاصة القول، يبقى الترقب سيد الموقف لبيان موقف إدارة بايدن من قضايا الشرق الأوسط والتحديات التي تواجهه، والمؤامرات ولعبة خلط الأوراق سواء من إيران أو تركيا، وأيضا تجاه ملف الإرهاب والقوى المتطرفة وأيضا ملف الإخوان المسلمين الذي تمسك تركيا بتلابيبه حتى الآن ومن هنا تأتي تحركاتها ومناوراتها في الوقت نفسه مع القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى