ما مصير معتقل جوانتنامو؟
تم إنشاء سجن جوانتنامو عام 2002 في عهد رئيس الولايات المتحدة جورج بوش الابن.
وبناءً عليه، جرى نقل الأشخاص الذين تم أسرهم خلال العمليات في أفغانستان آنذاك، وعمليات أخرى لمكافحة الإرهاب، إلى هذا المعسكر.
وقد ضمَّ معتقل جوانتنامو ما يقرب من 800 سجين من نحو خمسين دولة.. ورغم نقل معظمهم إلى دول أخرى، فإنه لا يزال هناك 36 سجينا في جوانتنامو، وقد تبين أن العديد من السجناء محتجزون هناك دون محاكمة منذ 20 عاما.
فمن بين 36 معتقلا ما زالوا في جوانتنامو، تم توجيه الاتهام إلى 10، أو عُرضت عليهم المحاكمة أمام لجنة عسكرية، وأدين اثنان، كما تمت الموافقة على نقل 20 منهم، لكنهم بقوا في المنشأة بسبب التحديات الدبلوماسية، بما في ذلك المخاوف من احتمال تعرضهم للأذى في البلدان المستقبِلة.. وهناك 4 محتجزين إلى أجل غير مسمى رهن الاعتقال غير الجزائي، وفقا لقانون الحرب.
وبينما يُثمن البعض دور جوانتنامو في منع بعض أخطر الرجال في العالم من شن حرب على الولايات المتحدة، مع توفير المعلومات الاستخباراتية الأساسية لمكافحة الإرهاب، والمساعدة في تقديم مجرمي الحرب للعدالة، بما في ذلك مدبّرو هجمات 11 سبتمبر المزعومون، ففي المقابل يُمثل هذا السجن مؤشرا على انتهاكات حقوق الإنسان، التي ترتكبها الولايات المتحدة باسم الأمن القومي.
وعلى مر السنين، ادَّعى العديد من المعتقلين أنهم احتُجزوا بشكل غير قانوني، وحُرموا من الإجراءات القانونية اللازمة، وتعرضوا لانتهاكات جسدية ونفسية خطيرة، بعضها يصل إلى حد التعذيب.
يبدو أن “بايدن” يقترب من الوفاء بوعده الانتخابي بإغلاق معتقل جوانتنامو، بعدما أبدى اهتماما أقل بهذه القضية في العام الأول من ولايته الرئاسية تجنبا للجدل السياسي.
فخلال الشهر الجاري، أصدرت الإدارة الأمريكية قرارا بتعيين الدبلوماسية تينا كايدانو، ممثلة خاصة لها من أجل تسريع إجراءات إغلاق معتقل جوانتنامو، وهي سفيرة سابقة لشؤون “مكافحة الإرهاب”، خلال فترتي رئاسة باراك أوباما (2009-2017).
وفي يوليو 2021، تمثلت أول خطوة حقيقية على جهود إدارة بايدن لإغلاق جوانتنامو في إطلاق سراح أحد معتقلي جوانتنامو بعد 19 عاما من اعتقاله في أفغانستان.. فقد كان أول سجين يُنقل من مركز الاعتقال سيئ السمعة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ويعتقد بعض المحللين أن المخاوف الكامنة بشأن اتهام الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة بايدن بأنها “تتساهل مع الإرهاب”، أدت إلى إبطاء جهودها في هذا الصدد، ولا سيما في ظل التطورات الداخلية والخارجية، التي فرضت تحديات واسعة.
ووفقا للقانون الإنساني الدولي، يمكن للدول المتحاربة الاحتفاظ بالمقاتلين طوال مدة النزاع لمنعهم من العودة إلى ساحة المعركة، ولكن يجب إعادتهم إلى أوطانهم “بعد توقف الأعمال العدائية”.
ولكن لكون صراع الولايات المتحدة مع تنظيم “القاعدة” الإرهابي حربا مستمرة وغير تقليدية مع جهات فاعلة من غير الدول، والتي تمتد في بعض النواحي حول العالم، فقد أدى هذا الوضع إلى تعقيد محاولات تحديد موعد انتهاء “الأعمال العدائية”.
وقد أدى عدم الوضوح هذا إلى وضع العديد من المعتقلين في مأزق من “الاحتجاز إلى أجل غير مسمى”، حيث يمكن احتجازهم دون تهمة حتى وفاتهم.
كذلك تضمنت معظم المقترحات لإغلاق جوانتنامو خططا لإحضار بعض المعتقلين على الأقل إلى الولايات المتحدة، إما للمحاكمة وإما لاستمرار الحبس.
ومع ذلك، فإن السلطتين التنفيذية والتشريعية تباينت رؤيتهما بشأن هذه القضية.. فبينما سعى الرئيسان أوباما وبايدن إلى إغلاق معتقل جوانتنامو، فإنهما واجها عقبة قائمة بسبب إجراءات الكونجرس التي تحظر استخدام الأموال الفيدرالية لنقل المعتقلين إلى الولايات المتحدة.
ومن أجل إغلاق السجن، سيحتاج بايدن إلى نقل جميع المحتجزين الـ36 إلى سجون أو مواقع أخرى.
ولقد كان إقناع الشركاء الأجانب بالموافقة على استقبال معتقلي جوانتنامو السابقين تحديا دبلوماسيا صعبا بدرجة كافية.
في الداخل الأمريكي، جعلت البيئة السياسية شديدة الاستقطاب والعقبات القانونية، التي لا تُحصى، عملية النقل هذه أكثر صعوبة.
وتعد أكبر عقبة أمام نقل المعتقلين الباقين هي عقبة قانونية.. فعلى مدى عقد من الزمان، أدرج الكونجرس بندا في كل مشروع قانون دفاعي يمنع سجناء جوانتنامو من القدوم إلى الولايات المتحدة، مشيرا إلى التهديد الذي قد يُشكلونه.
وانطلاقا ممَّا سبق، يتضح أن الوقت حان لإنهاء العملية التي استمرت لسنوات لاستعادة المصداقية الأخلاقية للولايات المتحدة، اعتمادا على مدى نجاح المفاوضات لنقل المحتجزين الذين تمت تبرئتهم، حيث يمكن لإدارة بايدن خفض عدد المحتجزين إلى 10 فحسب.
كما يجب أن تبحث إدارة بايدن عن طرق لإنهاء التجربة المتوقفة لمحاكمة المعتقلين من خلال اللجان العسكرية.
كذلك يجب أن تفكر في الاعتماد بشكل أكبر على تسهيل الملاحقات القضائية الأجنبية في القضايا الصعبة وإطلاق سراح المعتقلين في نهاية المطاف، والذين لا يمكن اتهامهم بارتكاب جريمة في هذا البلد أو آخر.
وبالقدر اللازم، يجب على بايدن أن ينظر إلى السلطات الرئاسية المتأصلة بموجب المادة الثانية من الدستور لإغلاق جوانتنامو في النهاية.
وبناءً على الأوضاع الراهنة، ينبغي التخلص من بقايا الحروب الأبدية، خصوصا مع التحولات التي شهدتها البيئة العالمية، وأخيرا، هناك احتمال بأن يظل هذا السجن مفتوحا إلى الأبد، وإنْ تم إطلاق أغلب سجنائه، أما السجناء الذين اتُّهموا بالإرهاب فغير مرجح التوصل إلى حلول فعالة بخصوصهم.. فلم يتمكن أي رئيس أمريكي من إغلاق جوانتنامو، فإعادة شيء أنشئ خارج القانون إلى القانون مستحيلة.