سياسة

واشنطن: أفغانستان “الدولة الأكثر قمعاً للنساء في العالم”


ما تزال النساء والفتيات في أفغانستان محروماتٍ من التعليم والعمل والسياسة. حيث قامت طالبان منذ حوالي عام ونصف بحظر النساء من مزاولة تلك الأنشطة لحمايتهن. بسبب عدم تقيدهنّ بشروط اللباس حسب طالبان. وهو أمر يُنظر إليه على نطاق واسع بأنه مجرد حجة لتطبيق تفسيرات طالبان الصارمة للشريعة الإسلامية.

أثار حظر طالبان لعمل وتعليم المرأة إدانة دولية مستمرة؛ وفي اليوم العالمي للمرأة هذا العام، الذي يوافق الثامن من مارس.

وصفت الأمم المتحدة أفغانستان بأنها “الدولة الأكثر قمعاً للنساء في العالم”. وفي بيان مشترك لوزراء خارجية عدة دول، بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والإمارات والسعودية، وُصف تصرف طالبان بأنه “أحد أكبر التراجعات على مستوى العالم فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان”.

تُعزى المخاوف الأساسية لحظر عمل وتعليم النساء إلى الآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك، ناهيك عن كونه انتهاكاً لقانون حقوق الإنسان. من بين ما تشمله الآثار الاقتصادية المُحتملة دفع الأطفال إلى سوق العمل وحرمانهم هم أيضاً من التعليم؛ وذلك لتعويض خسارة دخل الأسرة الذي كانت النساء تجنينه من خلال العمل، والدخل المُحتمل من خلال مواصلة دراستهن للحصول على فرص عمل أفضل. في هذه الحالة، لا يعني حرمان النساء من التعليم أن تلك الخسارة تنطبق عليهن فحسب، بل على الأطفال الذكور أيضاً؛ ما يعني المزيد من المصاعب لمستقبل أفغانستان.

من التعليم إلى العمل إلى الدروس الدينية

قامت طالبان منذ أواخر العام الماضي بمنع النساء من التعليم الإعدادي والثانوي والجامعي، وفرضوا قيوداً على أغلب الوظائف، كما أمرت جميع الكيانات غير الحكومية الأجنبية والمحلية في أفغانستان بتعليق توظيف النساء. إضافة إلى ذلك، تم منع النساء من حضور الدروس الدينية في مساجد العاصمة كابول.

نساء وفتيات أفغانيات يتظاهرن أمام وزارة التعليم في كابول للمطالبة بإعادة فتح المدارس للفتيات- AFP

تبرِّر طالبان قرارات المنع بأن النساء لا يلتزمن باللباس الذي تفرضه الحكومة. كما أن بعض مجالات التعليم، حسب طالبان، لا تتناسب مع المرأة، مثل الهندسة والزراعة، وما إلى ذلك. يتم تطبيق نفس المزاعم على العمل، حيث تقول طالبان إنها قد تلقت “شكاوى جادّة” بشأن موظفات يعملن في منظمات غير حكومية لا يرتدين الحجاب “بالطريقة الصحيحة”.

سلط التذكير بحقوق المرأة هذا العام الضوء على أن النساء في كل مكان يعانين الانتهاكات بشكلٍ أو بآخر. يُشار إلى دول مثل أفغانستان وإيران على أنها الأسوأ سمعة في هذا المجال. مع ذلك، لم تسلم حتى الدول الديمقراطية الغربية من النقد، مثل فرنسا التي تظاهرت فيها النساء مطالبات بالعدالة في “الأجور”.  إذا استمر وضع النساء على ما هو عليه الآن، فإن مطامح الحقوق والمساواة المرجو تحقيقها لهن لن تتحقق حتى في غضون 300 عام من الآن، حسب تصريح الأمين العام للأمم المتحدة.

كيف يصبح الأطفال ضحية تقييد المرأة؟

وفقاً لمنظمة “سيف ذا تشيلدرن”، المعنية بمساعدة الأطفال على تحسين حياتهم في جميع أنحاء العالم، فإن حظر النساء في أفغانستان من العمل قد يدفع الأطفال إلى الانخراط في سوق العمل لتعويض الدخل. يُشير تقييمٌ حديث إلى أن 29% من الأسر التي تعيلها نساء أفغانستان في عام 2022 كان لديها طفل واحد على الأقل يعمل في عمالة الأطفال، مقارنة بـ 19% في عام 2021.

تقول روزا أوتونباييفا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، ورئيسة البعثة السياسية للأمم المتحدة في أفغانستان، أنه في الوقت الذي تحتاج فيه أفغانستان إلى الخروج من آثار محنة الحرب المستمرة منذ عقود فإن “نصف الأطباء والعلماء والصحفيين والسياسيين المُحتملين في البلاد يُعزلون في منازلهم”.

تُعد عمالة الأطفال وسيلة للبقاء على قيد الحياة للأسر في كثير من دول العالم، خصوصاً الأشد فقراً. يوجد ارتباط واضح ومخيف بين عمالة الأطفال، وعمل المرأة في مثل تلك البلدان.

من ناحية، يمكن أن يتسبب عمل المرأة في وظائف منخفضة الأجر إلى دفع الأطفال إلى العمل لمساعدة الأسرة، أو إجبار الأطفال، خصوصاً الفتيات، على البقاء في المنزل للقيام بالمهام المنزلية عِوضاً عن الأم؛ مما يحرمهم من التعليم. من جانبٍ آخر، يؤدي حرمان النساء من فرص العمل، حتى بأجور زهيدة، إلى دفع المزيد والمزيد من الأطفال لسوق العمل أو القيام بالواجبات الأسرية. في كلتا الحالتين، تساهم الأجور المنخفضة أو فقدان الأجور كليةً في دفع الأطفال إلى العمل على حساب التعليم؛ مما يؤدي إلى الفقر وحرمان المزيد من الأجيال من التعليم، وهكذا تستمر دورة الفقر. مع التأكيد على أن فقدان الأجر، أشدُ فتكاً.

مشكلة معقدة

عندما لا تتمكن النساء من كسب الأجر في ظل ظروف اقتصادية سيئة، كما هو الحال في أفغانستان، فإن الأسر تضطر غالباً إلى دفع أبنائها للعمل بدلاً عن الدراسة. وهكذا تصبح عمالة الأطفال مشكلة متفاقمة نتيجة الفقر وعدم وجود فرص كافية لعمل المرأة. 

تعد عمالة الأطفال من أكثر القضايا إلحاحاً التي تواجه العالم اليوم. وفقاً لمنظمة العمل الدولية، بلغ عدد الأطفال العاملين حتى 2020 حوالي 160 مليون طفل في جميع أنحاء العالم.

أطفال أفغان يعملون في مصنع للطوب في ضواحي كابول- AFP

إن عمالة الأطفال قضية معقدة يمكن أن تكون مدفوعة بمجموعةٍ متنوعة من العوامل. تشمل بعض الأسباب الأكثر شيوعاً الفقر ونقص الوصول إلى التعليم والالتزامات العائلية. في بعض الثقافات، من المعتاد أن يتحمل الأطفال مسؤولياتٍ مثل رعاية الأشقاء الصغار أو العمل في شركة عائلية في سن مبكرة.

إن العلاقة بين التعليم والفقر وعمل النساء معقدة، ويمكن أن يمتد تأثيرها السلبي لأجيال. كلما تناقص دخل الأسرة قل احتمال التحاق الأبناء بالتعليم. وزاد احتمال دخولهم سوق العمل. بمرور الوقت، يكبر الأبناء ويكوّنون أسرهم. وهنا تظهر احتمالية أن يتبع الأبناء نهج آبائهم عن قصد أو غير قصد؛ وكلما قل مستوى تعليم الجيل الجديد. قل بشكلٍ كبير احتمال الحصول على وظائف بأجورٍ ملائمة، مما يعني استمرار الفقر واستمرار الحرمان من التعليم.

من أجل معالجة عمالة الأطفال بشكلٍ فعّال، نحتاج إلى معالجة الأسباب الأساسية. وهذا يشمل ضمان وصول المرأة إلى سوق العمل وفرص العمل اللائق بأجور مجزية. كما يجب الاستثمار بكثافة في التعليم الجيد والميسور لكل من الذكور والإناث. حتى يتمكن الآباء من تحمّل تكاليف إرسال أطفالهم إلى المدرسة بدلاً عن العمل.

إن حرمان النساء والفتيات في أفغانستان من العمل والدراسة يمكن أن يؤدي -بشكلٍ مؤسف- إلى حرمان البلاد من الدعم الدولي المرتبط بتحقيق الحكومة لمزيدٍ من الحريات. وتلبية معايير حقوق الإنسان، كما يحرم نصف المجتمع تقريباً من الحصول على أجر وفرص تعليم في بلد هو في أشد الحاجة إلى انتشال نفسه من مستنقع الفقر وعدم الاستقرار.

في حالاتٍ كثيرة، قد تتصادم الثقافات الراسخة للمجتمعات مع معايير حقوق الإنسان. ومع ذلك، يمكن بناء أرضية مشتركة تلبي جميع المعايير من خلال مزيج من الضغط. والتعاون والحوار البنّاء من قِبل المجتمع الدولي لصالح مستقبل أفضل للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى