شراكات عالمية بقيادة إماراتية
“الشراكات وحدها قادرة على تخطي التحديات المتداخلة التي يواجهها العالم اليوم، وأهمها أمن الغذاء والطاقة وتغير المناخ والرعاية الصحية”.
جملة قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، لشعبه خلال كلمته الأولى كرئيس. ومنها ندرك شيئين مهمين، الأول سنجد ما يفسر قرارات قيادة دولة الإمارات وسلوكها الاقتصادي والسياسي مع الدول الصديقة والفاعلة في العالم.
كما سنفهم من الجملة ذاتها السمة العامة للعمل الدولي القادم، حيث يتضح أننا بصدد مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، وهي مرحلة الانفتاح المطلق واقتسام كل شيء واستنساخ نماذج تطبق في كل مكان وعلى المستويات كافة، دون أي حواجز أو ضوابط للتفاعل بين الشعوب أو العلاقات بين المجتمعات، وهي الأكثر حيوية وقبولا.
وهذه المرحلة هي مرحلة “الشراكات الاستراتيجية”.. أي تشارُك الشعوب والحكومات المختلفة في جهود التنمية والتقدم، واقتسام الفرص والأعباء معًا.. وتوليد قوى دافعة للتعاون والتطوير لاستمرار واستدامة الازدهار لكل الشعوب والدول معًا، دون تمييز أو إقصاء.
الإمارات سبّاقة في هذا الاتجاه، وتعمل عليه فعليًّا، حيث استشرفت قيادتها أن مستقبل العالم لا بد أن يستند إلى أطر تعاونية وروابط موضوعية ونوعية، يتم اختيارها بشكل انتقائي مدروس ودقيق. سواء على مستوى الدول الجديرة بتلك الشراكات أو المجالات التي ينبغي التشارك والتعاون فيها.
وهنا يجب توضيح أن نظرة سريعة إلى خارطة العالم كفيلة بتبيان كيف تمتد وتتنوع الشراكات الإماراتية مع دول من كل أنحاء العالم وبمختلف المستويات والتوجهات والقدرات.
وبما أننا نتحدث عن العلاقات الدولية، فإن المعيار الذي تنطلق منه تلك الشراكات وتحتكم إليه هي: المصلحة بكل معانيها.. أي ما يحقق صالح الشعوب في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتكنولوجية، بما في ذلك المبادئ والقيم والأسس الراسخة الحاكمة لتوجهات كل شعب، والتي تعد جزءًا من التكوين النفسي والفكري للمجتمعات.. وحمايتها جزء أصيل من المفهوم الشامل للمصالح، الذي تسعى إليه أي شراكة أو تعاون بين الدول وبعضها، فإن لم تسهم الشراكة في تطوير وتعميق تلك الجوانب غير المادية -البعيدة عن المصالح بمعناها المباشر- فعلى الأقل تتجنب المساس بتلك المنظومات القيمية والمرجعيات الخاصة بكل شعب أو طائفة أو أي مجموعة بشرية لها قناعاتها وأفكارها.
وكمثال تطبيقي، كانت الإمارات من أوائل الدول التي طبّقت مبدأ الشراكة الدولية، حتى في وقت الأزمات، حيث أثبتت جائحة كورونا أهمية التعاون المشترك بين الدول في تأمين سلاسل التوريد الغذائية.. والحفاظ على القدر اللازم من المكونات التكنولوجية الأساسية في الصناعات المهمة والسلع الاستراتيجية.
لذا، جاءت استجابة دولة الإمارات للأزمة سريعة وعلى مستوى الحدث.. بدءًا بتقييم فوري ومحدد لأسباب وأبعاد الأزمة وتداعياتها الآجلة ومقتضياتها العاجلة.. وكانت نتائج تلك المراجعات تؤكد صحة مسار سياسات الإمارات، بل وضرورة ما ذهبت إليه بالفعل من تأسيس شراكات متنوعة ومتعددة المسارات.. هدفها الرئيس ليس فقط مواجهة تداعيات الأزمة، وإنما أيضًا استباق ومنع أي احتمالات لحدوثها مجددًا.
ومنذ أيام جاءت الشراكة الرباعية، التي أسستها الإمارات مع كل من الهند والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.. والتي تشمل التعاون في مجالات متعددة.. بدأت ملامحها تتبلور بالفعل، وذلك في المشروع الضخم للمجمعات الغذائية.. حيث ستتكامل الاستثمارات الإماراتية مع الأراضي الزراعية الشاسعة في الهند، استنادًا إلى تأمين البنية التكنولوجية ومتطلبات الاستدامة بواسطة واشنطن وتل أبيب.
والمقصود بالمجمعات الغذائية هو منظومة غذائية كاملة تبدأ بإنتاج المحاصيل الزراعية، وتشمل مختلف مراحل التصنيع، حتى خروج المنتجات الغذائية في صورتها النهائية للمستهلك.
وفي الوقت ذاته، جاءت الزيارة، التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى فرنسا، لتؤكد التوجه التشاركي نفسه، والذي تضعه الإمارات ضمن أولويات سياستها الخارجية.. وهو التوجه الذي يتسع مع فرنسا ليشمل مجالات متعددة، وتُوج خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد لباريس في إطلاق مجلس الأعمال الإماراتي-الفرنسي.. بالإضافة إلى توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين.. من بينها اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة في مجال الطاقة.
النقطة المهمة أن الإمارات تتجه للعب دور القائد للاضطلاع بمهام العمل كقاطرة لموجة شراكات شاملة ومتكاملة في المنطقة. وفي ظل تحركاتها الدبلوماسية ونشاطها الدولي فإن أفضل منهج للحكم على ما تسعى إليه الإمارات، هو متابعة ما يقوم به مسؤولوها في المنظمات الدولية ورصد وتحليل الخطاب السياسي لقيادتها ورؤيتها في القضايا الإنسانية.