حزب الله للبنانيين.. جبران أو متاهة الفراغ في لبنان
تنقضي ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في نهاية الشهر الحالي. فيما فشل البرلمان أربع مرات متتالية في انتخاب بديل عنه في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية ومنطق التسويات.
بينما ينفتح المشهد على سيناريو الفراغ أو تسويات محتملة على غرار تجربة العهد في 2016 التي جاءت بعون للرئاسة وبسعد الحريري لرئاسة الحكومة بترتيب من حزب الله وهي الصفقة. التي انزلق معها لبنان إلى ما هو عليه الآن بعد عهدة رئاسية خاوية وبـ’انجازات’ يدعيها عون. استفادت منها الجماعة الشيعية الموالية لإيران.
وتتردد هذه الأيام أسماء كثيرة لخلافة عون، لكن من المستبعد تجاوز عقدة الرئاسة بناء على تجارب سابقة في مشهد شديد التعقيد والتداخلات. بينما تبرز فكرة أن أي تسوية محتملة للفراغ لن تمر دون صفقات سياسية قد يفرضها حزب الله القوة الأكثر نفوذا. والتي سبق لها أن فرضت تسوية على المقاس مع التيار الوطني الحر وتيار المستقبل.
ومع أن الانتخابات التشريعية الأخيرة غيرت من معادلة الهيمنة السياسية لحزب الله وحلفائه. إلا أن ذلك لا يغير من بوصلة مسار سياسي يتحكم فيها الحزب. الذي يسعى لفرض تسويات على المقاس أو إبقاء لبنان في متاهة الفراغ الدستوري.
ومن بين الأسماء المتداولة لمنصب الرئاسة مقربون من حزب الله أو تتقاطع مصالحهم معه ومن ضمنهم صهر عون وزير الخارجية السابق جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر وكذلك سليمان فرنجية زعيم تيار المردة.
ولم يقدم فرنجية (57 عاما) النائب السابق الذي شغل مناصب وزارية، ترشّحه بشكل رسمي، لكنه يكرّر في مقابلات صحافية استعداده لتولي المسؤولية. وقال الشهر الماضي “أريد أن أكون رئيسا وحدويّا يجمع البلد، لا رئيسا كيديا”.
وغالبا ما يُطرح اسمه كمرشح عند كل استحقاق. وينظر إلى فرنجيه على نطاق واسع على أنه مدعوم من حزب الله. لكن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، صهر عون والطامح بدوره للرئاسة والمتحالف مع حزب الله، أعلن أنه لا يدعمه للتباين في وجهات النظر بينهما.
ويُعرف عن آل فرنجية علاقتهم الوطيدة بعائلة الأسد في سوريا ولطالما افتخر فرنجية بأنه صديق الرئيس بشار الأسد وبأن علاقته مباشرة معه ولم تمر يوما بقنوات أو وسطاء.
ويتحدر فرنجية من مدينة زغرتا ذات الغالبية المسيحية المارونية في شمال لبنان ومن عائلة إقطاعية وسياسية معروفة، فجده لوالده الذي يحمل اسمه كان من أبرز الزعامات المسيحية. وانتخب رئيسا بين 1970 و1976، الفترة التي شهدت اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 1975.
ويعد فرنجية من جيل الحرب (1975-1990) التي دفع ثمنها أيضا على الصعيد الشخصي، فقد قُتل والده طوني وكان نائبا ووزيرا، مع والدته وشقيقته (ثلاث سنوات) وعدد كبير من أنصاره في ما عرف بـ”مجزرة إهدن” في 1978. على أيدي عناصر من حزب الكتائب اللبنانية، ما ترك عداوة متجذرة بينه وبين سمير جعجع المسؤول في الحزب آنذاك.
وباسيل (52 عاما)، أبرز المقربين من ميشال عون الذي يعتبره بمثابة وريثه السياسي، لم يعلن ترشحه، لكنه أكد رفض وصول أي رئيس لا يحظى بحيثية شعبية ونيابية. ويعتبر رئيس التيار الوطني الحر أن حزبه لا يزال يمثل أوسع شريحة شعبية مسيحية في البلاد. لم تعلن أي جهة، بما فيها حزب الله حليفه الوثيق، دعم ترشّحه للرئاسة. وهو أمر متروك في الوقت الراهن لحديث الكواليس والترتيبات السرية.
ومنذ وصول عون إلى الرئاسة عام 2016، يُنظر إلى باسيل على أنه “رئيس الظل”، وهو ما ينفيه. وللتيار الوطني الحر كتلة كبيرة في البرلمان. وشغل باسيل مناصب وزارية بين 2008 و2020. وانتخب نائبا للمرة الأولى في 2018 إثر إقرار قانون انتخاب جديد كان من أبرز مهندسيه.
وخلال التظاهرات الشعبية في أكتوبر 2019 والتي استمرت أشهرا، ضد الطبقة السياسية، نال باسيل الجزء الأكبر من الهتافات المنددة والشتائم واتهامات بالفساد. لكنه دائما ما يصرّ على أنه من أكثر من عمل من أجل لبنان و”مُنع” من تحقيق الإصلاحات.
وفي 2020، فرضت الخزانة الأميركية على المهندس المتحدر من منطقة البترون (شمال)عقوبات مالية بسبب تورطه بـ”الفساد” واختلاس أموال الدولة.
وبحسب قائمة الأسماء الأكثر تداولا في السابق لقصر بعبدا شخصيات مدعومة من خصوم حزب الله، ما يرسم في الأفق مواجهة سياسية تحت قبة البرلمان ستحدد مسار الفراغ الدستوري فإما استمرار الفراغ أو تسوية بين الخصوم تبدو مستحيلة.
ومن بين بعض أسماء مرشحين للرئاسة طرحوا أنفسهم أو يتمّ التداول بأسمائهم، باعتبار أن الترشح ليس شرطا لخوض الانتخابات الرئاسية : ميشال معوض النائب منذ 2018 عن قضاء زغرتا. هو نجل رئيس الجمهورية السابق رينيه معوض الذي اغتيل في 22 نوفمبر 1989، بعد 17 يوما من انتخابه. ووالدته الوزيرة والنائبة السابقة نايلة معوّض.
وقد نال الحائز على شهادة ماجستير في القانون العام من جامعة السوربون في فرنسا، في جلسات الانتخاب التي عُقدت حتى الآن تأييد كتل رئيسية بينها القوات اللبنانية، أحد أبرز الأحزاب المسيحية بقيادة سمير جعجع والحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة الزعيم وليد جنبلاط وحزب الكتائب المسيحي المعارض، إضافة إلى نواب مستقلين وكتل صغيرة.
لكن حزب الله الذي يدير لعبة خلف الكواليس ضمن سياق صفقات محتملة، ينظر لهذا المرشح المحتمل على أنه مقرب من الولايات المتحدة ومن المطالبين بنزع سلاح الحزب.
ويتولى معوّض منصب المدير التنفيذي لمؤسسة رينه معوض، وهي منظمة غير حكومية لتعزيز التنمية الاقتصادية والريفية وتحظى بدعم مانحين دوليين.
مرشح التسوية
كما يطرح أيضا اسم جوزف عون (58 عاما) الذي يتولى قيادة الجيش منذ 2017 والذي لم يعلن ترشحه للرئاسة، إذ لا يتيح له منصبه الإدلاء بمواقف سياسية. عدا عن أن انتخابه يتطلب تعديلا دستوريا، كونه من موظفي الفئة الأولى الذين لا يمكن انتخابهم إلا بعد عامين من استقالتهم أو تقاعدهم.
وتجمعه علاقات جيدة مع مختلف الأطراف السياسية. لكن عدة قوى رئيسية تعارض أن تكون قيادة الجيش ممرا إلى سدّة الرئاسة.
وينظر محللون إلى عون بوصفه مرشح تسوية في حال فشل التوافق على مرشح آخر. وحدث في 2008 أن قام البرلمان بتعديل الدستور وانتخاب قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان مرشحا توافقيا بعد أزمة طويلة وانقسامات سياسية حادة. ويتحدّر عون من جنوب لبنان معقل حزب الله وهو حائز على إجازة في العلوم السياسية.
وقد أعلنت شخصيات عدة ترشحها وبعضها غير معروف على نطاق واسع. بينما تطرح أسماء بين الحين والآخر من خارج الشخصيات التقليدية من بينها ترايسي شمعون ابنة داني شمعون. النجل الأصغر لرئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون (1952-1958) الذي اغتيل مع عائلته داخل منزلهم عام 1990. وشغلت منصب سفيرة في الأردن في 2017، ثمّ قدّمت استقالتها في أغسطس 2020 بعد انفجار مرفأ بيروت.
ومن المرشحين المحتملين مي الريحاني وهي أكاديمية أمضت غالبية حياتها خارج لبنان. ونشطت في تعليم الفتيات والدفاع عن حقوق النساء. وهي ابنة شقيق الأديب والمفكر اللبناني الراحل أمين الريحاني.
كما يتردد اسم سليم إده رجل أعمال ومؤسس متحف ‘ميم’ للمعادن في لبنان وهو الابن البكر لميشال إدّه، السياسي الذي تولى حقائب وزاريّة عدة بين 1966 و1998، وفي القائمة أيضا ناصيف حتي وهو سفير سابق تولى وزارة الخارجية بين يناير وأغسطس 2020. قبل أن يستقيل احتجاجا على أداء الحكومة في إدارة الانهيار الاقتصادي. وكذلك عصام خليفة المؤرخ والناشط والمحلل السياسي، الذي حصل على عشرة أصوات في إحدى جلسات البرلمان الانتخابية.