اخترنا لكم

تركيا والعُهدة الجديدة مع أردوغان

حسين الشيخ


تركيا من الدول المهمة والمؤثرة على الساحة الإقليمية والدولية، والانتخابات التركية الأخيرة خير دليل على ذلك؛ لما لاقته من متابعةٍ واسعة، جاء في نتيجتها تجديد العهدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفارقٍ بسيطٍ بينه وبين منافسه مرشح المعارضة كليجدار أوغلو.

سباقٍ رئاسي شهد نسبة مشاركة تاريخية تعد من أعلى النسب في انتخابات رئاسية، بينما السؤال المطروح في هذا المقام هو: ما مدى تأثير هذه المنافسة؟ وكيف سيكون وجه تركيا في العهدة الجديدة؟

هذا السؤال مطروحٌ من جميع المتابعين للشأن التركي والإجابات متعددة بتعدد المحللين والمشاركين في الإجابة عن السؤال وبتعدد التخصصات للمحللين في جانبٍ من جوانب الشأن التركي والإقليمي والدولي، لكن الإجابة لا تختص بمستوى من دون المستويات الأخرى؛ فالإجابة عنه تتصل بالاقتصاد والسياسة والأمن والعلاقات الإقليمية والدولية وحتى على الصعيد الداخلي، ويمكن اختصار أهم هذه المستويات كما يأتي:

أولاً: المستوى الداخلي: أهم ما يطالبُ به الشعب التركي هو تحسين الوضع الاقتصادي الذي تراجع في الفترات الأخيرة، وهو ما تعيه الحكومة التركية جيداً، لا سيما وأنه العنصر الرئيس الذي يحرّك السواد الأعظم من الناخبين الأتراك، حتى إنّ التركيز على قضية اللاجئين السوريين في تركيا تتأتّى من جانبٍ اقتصادي؛ بذريعة عددهم الكبير الذي سبب أزمة اقتصادية وارتفاعاً في الأسعار وزيادة نسب البطالة، لذلكَ فإنّ أهم القضايا التي سيُشرع في بحثها من قبل حكومة الرئيس (أردوغان) هو تنظيم وتسوية قضية اللاجئين بما لا يؤثر على المواطنين الأتراك، والعمل على توطين وإعادة ما يمكن منهم إلى مناطق آمنة، والعمل من جهة أُخرى على إدارة عجلة الاقتصاد في البلاد وتنميته؛ لضمان الاستقرار في البلاد والاستمرار لمسيرة حزب العدالة والتنمية السياسية في قيادة البلاد.

ثانياً: المستوى الإقليمي: لا ينفكُ هذا المستوى مرتبطاً بالمستوى الأول وينبثقُ عنه؛ فقضية اللاجئين السوريين اليوم ليست قضية إنسانية وحسب؛ إنما قضية سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية؛ لذلكَ فإنّ معالجة هذه القضية تتطلب مسارات جديدة مع الدول الإقليمية ولا سيما العربية، وهو ما بدأت ملامحه فعلاً حتى قبل الانتخابات الرئاسية بوقت كبير؛ إذ بات التقارب التركي العربي في مراحل متقدمة من التفاهم والانسجام مع العنوان العريض الأهم والأكبر، وهو أمن واستقرار المنطقة وبناء العلاقات على السلام والتعاون المشترك في التنمية المستدامة وحسن الجوار، وهو جانبٌ أخذَ بُعداً أكبر بإمكانية التفاهم والتنسيق في هذه الملفات مع الحكومة السورية وبشكل مباشر، لا سيما بعد أنْ عادت سوريا إلى وضعها الطبيعي عربياً، كما أنّ هذا المسار هو بوابة اقتصادية عظيمة بين تركيا ومحيطها العربي، وضرورة حقيقية بين الاقتصادات المتجاورة والمتكاملة، بما يدفع التنمية الاقتصادية للإقليم كله نحو الأمام.

ثالثاً: المستوى الدولي: تركيا من البلدان المؤثرة على الساحة الدولية بحكم موقعها ودورها الفعال سياسياً وعسكرياً؛ فهي صلة الوصل بين آسيا وأوروبا، وهي قوة إقليمية تنتمي إلى أكبر حلف عسكري عالمي (حلف شمال الأطلسي)، وتتشعب علاقاتها بين الجميع حتى بين الفرقاء الذين على طرفي نقيض (روسيا والولايات المتحدة)؛ لذلكَ فإنّ تركيا اليوم وبسبب الأوضاع الداخلية والإقليمية وتطور الأحداث على هذه الساحات؛ ستكونُ أمام سياسة دولية تقومُ في المقام الأول على إرساء المزيد من التفاهمات الدولية، ولا سيما فيما يخص الاقتصاد وقضية اللاجئين والحرب الأوكرانية الروسية، ما يتطلبُ الكثير من العمل السياسي القائم على حلحلة القضايا لا تصعيدها ولا سيما مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

نتيجة هذه الأوضاع والتطورات والقراءات، فإنّنا سنكونُ أمام تركيا جديدة بعهدة جديدة، تركيا منفتحة وفاعلة، وتركيا العلاقات القوية والمتينة القائمة على العلاقات الطبيعية والتفاهمات البناءة، وفتح أبواب العمل المشترك إقليمياً ودولياً، ما يؤكدُ ذلكَ هو أنّ الحكومة التركية تعمل على تركيا جديدة داخلياً؛ وأنها ستعمل على تنمية الاقتصاد والاستثمار، وهو ما لا يمكن حصوله من دون تركيا جديدة إقليمياً ودولياً، لتكون العهدة الجديدة لأردوغان بوابة لتركيا جديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى