مخاوف حكومة الوفاق من أزمة الخبز..ما السبب؟
ما تزال أزمة الخبز في ليبيا تُراوح مكانها، وسط تنامي مخاوف حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج من دخول البلاد في متاهات أزمة غذائية.
تجلت تلك المخاوف بمطالبة السراج مصرف ليبيا المركزي بضرورة الإسراع في مباشرة فتح الاعتمادات المستندية، ومنح الأهمية والأولوية لاستيراد مادة الدقيق بما يكفي احتياجات السوق الليبية، وفق رسالة وجّهها إلى محافظ المصرف أمس.
ونبّه السراج، في رسالته التي نقلتها وكالات أنباء محلية، إلى أنّ الحكومة قد تجد “نفسها مضطرة للتدخل لحماية حياة المواطن وسلامة واستقرار الأمن والسلم الاجتماعي باستخدام الرصيد المتاح للحكومة طرف المصرف الليبي الخارجي لتوفير هذه السلعة”.
وقال السراج: “إنّ النقص الشديد في مادة الدقيق، التي أوشك مخزونها على الانتهاء، ينذر بدخول البلاد في أزمة غذائية، ومرجع ذلك لعدم الدقة في تقدير الأولويات والاحتياجات من قبل المصرف المركزي عند فتح الاعتمادات”.
وأشار إلى أنّ “آخر اعتماد فُتح لهذه المادة كان في شهر آب (أغسطس) 2020″، وذلك “على الرغم من محدودية القيمة التي تخصص لاستيراد الدقيق في مقابل المبالغ الضخمة التي تخصّ غيرها من السلع، التي لا تمثل الأهمية ذاتها بالنسبة إلى حياة المواطن”.
وأكد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني “أنّ استمرار الحال على ما هو عليه يمثل تهديداً لحياة المواطن الليبي، ويشكّل خطراً على الأمن والسلم الاجتماعي، وينبئ بما لا يُحمد عقباه” .
في المقابل، وردّاً على هذه المطالب، وجّه الكبير رسالة إلى السراج أرجع فيها نقص مادة الدقيق إلى التهريب، وطالبه بضرورة ضبط حدود ومنافذ الدولة.
وأضاف: إنّ ما تمّ فتحه من اعتمادات في 2020 لتوريد مادة الدقيق يتناسب مع مقدار الاستهلاك المعتاد في البلاد، مشيراً إلى أنّه لم يتمّ فتح اعتمادات مستندية لتوريد سلع ليست ذات أهمية، وأنّ مادة الدقيق بين المواد الأساسية بالتوريد.
إلى ذلك، حذّر الكبير، السرّاج، من التدخلّ والتصرف في رصيد الدولة من النقد الأجنبي في المصرف الليبي الخارجي، موضحاً أنّ هذا الرصيد خاص بعائدات سيادية موجودة بالمصرف بالمخالفة للقانون، ويستلزم تحويلها إلى حساب الإيراد العام السيادي بالمصرف المركزي في طرابلس.
واعتبر أنّ استخدام المجلس الرئاسي لذلك الرصيد يمثل مخالفة جسيمة للقانون المالي للدولة، ولضوابط الإنفاق العام الواردة بالاتفاق السياسي.
يُذكر أنّ هذا الصدام بين قطبي السلطة السياسية والمالية في طرابلس ليس الأوّل، فالعلاقة بين محافظ المصرف المركزي ورئيس حكومة الوفاق متوترة منذ شهرين، بسبب خلافات حول التصرّف في عائدات النفط التي تودع كلها في حسابات المؤسسة الوطنية للنفط بالمصرف الليبي الخارجي، وتنافس للتحكم في القرار الاقتصادي والنقدي للبلاد.
في السياق، أكد رئيس اللجنة العليا لمتابعة المخابز علي عبد الله الفقير استئناف عمل وتشغيل المخابز كما كان عليه من قبل القفل، وذلك “وفق ما تمّ الاتفاق بشأنه مع مكتب دعم القرار” بديوان مجلس الوزراء في العاصمة طرابلس، “على أن يتمّ العمل والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بمشاركة النقابة العامة للمخابز ومصنّعي الدقيق بالقطاع الخاص”، وفق ما أوردت صحيفة “بوابة الوسط”.
وأعلن مركز الرقابة على الأغذية بحكومة الوفاق الليبية الاتفاق على عودة سعر رغيف الخبز إلى ما كان عليه، وتحرير مخالفة لأيّ مخبز يعارض الإجراء.
وجاء القرار لتحاشي ما وصفها المراقبون بثورة خبز قد تندلع في البلاد في أيّ وقت، نتيجة حالة الاحتقان الواسع بين الليبيين على إثر الارتفاع المفاجئ في سعر الرغيف، فيما اتهم نقيب المخابز سعيد بوخريص شركات المطاحن العامة والخاصة برفع أسعار الدقيق لأعلى مستوى، أي 220 ديناراً، وقال: إنّ تلك الشركات رفعت أسعار المواد الداخلة في التصنيع، كالخميرة والزيت والملح والسكر، وفق ما نقلت صحيفة “المرصد” الليبية.
وقال مركز الرقابة على الأغذية: إنه قرّر العودة إلى السعر السابق للخبز، وذلك خلال لقاء اجتماع عقده مع مدير عام شركة المطاحن والأعلاف ومدير جهاز الحرس البلدي في طرابلس وأعضاء عن نقابة الخبازين، وفق صحيفة “بوابة أفريقيا”.
وبحث الاجتماع سبب زيادة سعر الخبز مؤخراً، وقد نفت “المطاحن والأعلاف” اتخاذ أي إجراء من شأنه رفع سعر رغيف الخبز، معتبرة أنّ الزيادة في سعر الدقيق المخصص للمخابز “نسبية”، لا تؤدي لأيّ ارتفاع بسعر رغيف الخبز لما هو عليه الآن.
وشدّد أعضاء مركز الرقابة على الأغذية على ضرورة تقيد كافة المخابز بالمواصفات القياسية والصحية الخاصة بالمخابز، وعدم استخدام المضافات الغذائية المحظورة في تصنيعها.
وقالت وزارة المالية بحكومة الوفاق في بيان لها: إنّ الوزير فرج بو مطاري تدارس أمس واقع حال المخابز بعد ارتفاع أسعار الطحين ما أدّى إلى ارتفاع أسعار رغيف الخبز، وذلك خلال لقاء بو مطاري بنقيب الخبازين سعيد بو خريص، تمّ تكريسه لبحث سير العملية الإنتاجية بالمخابز، وتوفر مادة الدقيق والقمح لدى المطاحن والمخابز، وإمكانية الإسراع في توريد المخزون الكافي منهما.
وأشار البيان إلى تشديد الجانبين على أهمية التزام المخابز بضوابط تصنيع الخبز وأسعاره المقررة من الوزارة ومتابعة تنفيذها من قبل الجهات الضبطية، وأعلن النقيب عن وجود تواصل مستمر مع المخابز والالتزام بهذه الضوابط.
وأوضح نقيب الخبازين أنّ المطاحن رفعت أسعار الدقيق لتصل إلى 210 دنانير للقنطار الواحد، أي ما يعادل 47 دولاراً تقريباً، بعد ما كان يباع بـ155 ديناراً، أي نحو 35 دولاراً للقنطار الواحد، مشيراً إلى أنّ “جميع الأصناف المتعلقة بصناعة الخبز ارتفعت أسعارها، لا سيّما الزيت وملح الطعام والخميرة”.
ولفت ناشطون محليون إلى أنّ 3 أرغفة من الخبز أصبحت تباع بدينار، فقد رفع سعر الخبز من ربع دينار إلى 33 قرشاً، وحذّرت بلدية طرابلس المركز من أنه سيتمّ اتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها ضدّ المتلاعبين في سعر الخبز.
وأضاف الناشطون: إنّ ارتفاع سعر الخبز قد يدفع نحو حراك شعبي يعمّ البلاد، مشددين على أنّ المواطن يفتقد أغلب الخدمات الضرورية، ولم يبقَ له إلّا رغيف الخبز الذي بات هو الآخر مهدّداً بسبب السياسات الفاشلة لحكومة الوفاق.
وفي شرق البلاد أيضاً، قالت وكالة الأنباء التابعة للحكومة الليبية المؤقتة: إنّ خبر ارتفاع سعر الخبز، في بعض مخابز مدينة بنغازي، أثار الغضب والاستياء من قبل المواطنين الذين يعانون من فترة طويلة من أزمة نقص السيولة النقدية، والتأخر في صرف الرواتب، يقابله ارتفاع سعر صرف الدولار، محدثة حالة من العجز يعاني منها المواطن.
ونقلت الوكالة عن الناطق الرسمي باسم جهاز الحرس البلدي، النقيب إبراهيم الطلحي، أنّ الجهاز تلقى عدة شكاوى من المواطنين بخصوص ارتفاع سعر الخبز.
من جهته، أبرز أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي الدكتور عطية المهدي الفيتوري أنّ سعر رغيف الخبز في ارتفاع منذ مدة، والحكومة عاجزة عن المراقبة وفرض سعر معيّن على المخابز، مشيراً إلى أنّ حجم الرغيف يتغير، فلا يوجد حجم أو وزن محدد له، متهماً مصرف ليبيا المركزي بطرابلس بأنه يساهم في ارتفاع الأسعار بطريقة غير مباشرة، عبر عدم فتح اعتمادات كافية للسوق، مشيراً إلى أنّ محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير يتحجّج بسرعة استنزاف الاحتياطيات، وسط اتهامات تلاحقه بالفساد والمحاباة في منح الاعتمادات.
وأكد الفيتوري على أنّ استقرار الاقتصاد أهمّ من انخفاض حجم الاحتياطيات؛ لأنّ الاحتياطيات غرضها استقرار الاقتصاد، بالإضافة إلى أنّ ليبيا تملك احتياطيات تكفيها لأكثر من 5 أعوام، حتى وإن أغلقت محابس النفط، وفقاً لقوله.
وسجّلت ليبيا خلال الأيام الماضية نقصاً حاداً في الخبز، بعد تراجع مخزون الدقيق وارتفاع أسعار مكونات صناعة الخبز، وهو ما تسبب في إغلاق عدد من المخابز.
وتستهلك ليبيا 1.3 مليون طن من القمح سنوياً لتغطية حاجة السوق المحلية، تستورد 75% منها، بعدما تراجع الإنتاج المحلي من القمح إلى 250 ألف طن، ويوجد 4160 مخبزاً في مختلف أنحاء ليبيا، إضافة إلى 57 مطحنة دقيق.